برعاية

هل يتخلى «القط الأسمن» في كرة القدم الإنجليزية عن منصبه؟

هل يتخلى «القط الأسمن» في كرة القدم الإنجليزية عن منصبه؟

تعتبر المبالغ الخيرية التي يجري دفعها للاعبين السابقين مجرد نسبة لا تذكر من راتب غوردون تايلور الرئيس التنفيذي لرابطة اللاعبين المحترفين الإنجليزية، والذي يواجه دعوات للتخلي عن المنصب الذي جعل منه المسؤول الإداري الأعلى أجراً في بريطانيا.

ماذا سيكون رد الفعل عندما تعلمون أنه خلال الأسبوع الماضي مر غوردون تايلور بهدوء بالذكرى الـ40 لتوليه منصبه باعتباره القيادة الأبرز بمجال كرة القدم وشرع في عملية تحويل نفسه من لاعب جناح قوي البنية في صفوف «بيري» في غياهب دور الدرجة الثالثة الإنجليزية بنظامها القديم، إلى حياة الثروة والجاه؟.

وإذا تجاوزنا عن أوجه القصور التي تتسم بها المؤسسة التي يترأسها تايلور، وتجاهلنا أنه عادة ما يمثل هو، وليس ريتشارد سكودامور (رئيس الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم)، الزعيم الحقيقية لثقافة القطط السمان بمجال كرة القدم، فإنه لا يملك المرء سوى الشعور ببعض الحسد تجاهه لتمكنه من البقاء في هذا المنصب الرفيع على امتداد هذه الفترة الطويلة.

عندما حل تايلور محل ديريك دوغان في رئاسة رابطة اللاعبين المحترفين في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) 1978، كانت من بين القضايا الكبرى المهيمنة على الساحة آنذاك إضراب عمال المخابز في بريطانيا والذي أدى إلى توزيع حصص من الخبز.

وفي تلك الفترة، بلغ سعر نصف لتر الحليب 11 قرشاً وكان متوسط الراتب السنوي 5440 جنيهاً إسترلينياً. في تلك الفترة، تميز تايلور بشعر كستنائي اللون ووجه شاب مألوف. بمرور الوقت، تحول هذا الشاب صاحب الوجه المألوف إلى شخص رتيب ومثير للانقسامات ويتلقى راتباً مبالغاً فيه على نحو بالغ ومفعم بروح الخيلاء والتكبر.

إلا أن الإنصاف يقتضي القول بأنه على المستوى الشخصي، كانت الحياة المهنية لهذا الشاب قصة نجاح كبيرة تمكن تايلور من بعدها في جني أموال ضخمة من المال والبقاء في منصب ينطوي على قدر كبير من النفوذ طيلة أربعة عقود، بل ونال عام 2008 وسام رتبة الإمبراطورية البريطانية.

وخلال أول مقابلة له كرئيس، قبل ثلاث سنوات من توليه دور الرئيس التنفيذي، شدد تايلور على رغبته في خلق مستوى أفضل من التفاهم بين اللاعبين وأنديتهم والحكام. وربما لم يحالفه الحظ على هذا الصعيد، لكن من المؤكد أنه أنجز شيئاً صائباً ليبقى بمنصبه طوال هذه الفترة، وإن كان ثمة تحدٍ يواجه المرء عندما يحاول تذكر هذا الإنجاز على وجه التحديد. ومع هذا، تبقى الحقيقة أنه فاز بتكريم صحيفة «التايمز» عام 1985 لكونه «دون شك المسؤول الإداري والمفاوض الأكثر إبهاراً بمجال الكرة».

وقد يكون العمل البطولي الأكبر الذي أنجزه عندما تدفقت أموال البث التلفزيوني الضخمة على الكرة الإنجليزية، وهدد هو بتنظيم اللاعبين إضراباً إذا لم تحصل الرابطة التي تمثلهم على نسبة معقولة من هذه الثروات.

من ناحيتهم، طرح مسؤولو الدوري الممتاز عرضاً لتسوية جميع الخلافات المشتعلة على نحو ودي. أما رد تايلور، والذي عبر تماماً عن شخصيته، فكان أنهم قد يتعين عليهم إبداء قدر أكبر بكثير من الود عن ذلك.

وبالنظر إلى هذه القضية، نجد أن أداءه لم يكن سيئاً بالنظر إلى أننا نعيش في حقبة، حيث إبداء الدهشة حيال الأموال الضخمة التي يحصدها تايلور أصبح أشبه بجزء سنوي من أجندة الفعاليات المتعلقة بكرة القدم. العام الماضي، كشفت حسابات رابطة اللاعبين المحترفين أن راتب تايلور بلغ 2.29 مليون جنيه إسترليني. وفيما مضى، تضاعف أجره بمقدار ثلاثة أضعاف تقريباً، من 1.13 مليون جنيه إسترليني إلى 3.37 مليون جنيه إسترليني بعد العلاوات. ويعني ذلك أن تايلور تقاضى راتباً يفوق ليس فقط راتب أي مسؤول آخر بنقابة عمالية على وجه الأرض، وإنما كذلك راتب ديدييه ديشامب مدرب فرنسا بطلة العالم في 2018 ويواخيم لوف مدرب ألمانيا بطلة العالم في 2014.

ومن غير المثير للدهشة أن نجد بن بوركيس، الرئيس الحالي لرابطة اللاعبين المحترفين، يشق الصفوف ويطلق دعوة لإجراء تحقيق مستقل حول الأسلوب الذي جرت به إدارة الرابطة ومدى إمكانية إجراء تغيير في النظام بها. وهي خطوة اعتبرت تحدياً للرئيس التنفيذي الذي أمضى فترة طويلة في منصبه.

وقال بوركيس، (34 عاما)، وهو لاعب غير متعاقد مع فريق‭ ‬وولسل‭ ‬في دوري الدرجة الثالثة: «تشهد كرة القدم تطوراً سريعاً، وكذلك اللاعبين. وعليه، فإن رابطة اللاعبين المحترفين بحاجة إلى التطور هي الأخرى. إن اللاعبين الذين شاركوا في مجال كرة القدم في الماضي والحاضر ومن سيشاركون مستقبلاً بحاجة إلى رابطة لاعبين محترفين قادرة على تلبية احتياجات اللاعب الحديث». وتعتبر تلك إشارة ضمنية من بوركيس إلى فكرة أن الرابطة عالقة في زمن ولى وانتهى. وكان طبيعياً أن ينهض تايلور الرئيس التنفيذي للرابطة ويرد في خطاب مفتوح وجهه لأعضائها بأنه يوصي بإجراء مراجعة «شاملة ومفتوحة» لهيكلة الرابطة والعمليات التي تقوم بها.

وكتب تايلور، في خطابه المفتوح: «أشعر بسعادة عندما أدافع عما حققته الرابطة، خاصة فيما يتعلق بالصحة النفسية والتنوع ورفاهية اللاعبين. لكنني أول من يعترف بوجود مجالات يمكننا تحسينها. نتعهد لكم دائماً بصفتكم أعضاء في الرابطة أن نلتزم بأعلى المعايير الممكنة... أصر على أننا لا يجب أن نتجاهل الانتقادات بل علينا أن نواجهها».

وأضاف: «سنرفع توصية إلى مجلس أمناء ولجنة إدارة الرابطة بالسماح للجنة مستقلة بإجراء عملية مراجعة شاملة ومفتوحة لهيكل وأنشطة الرابطة باعتبارها اتحاداً تجارياً يضم لاعبي كرة القدم المحترفين في إنجلترا وويلز».

ولم يكشف تايلور عن تفاصيل أخرى، ولم يشر لجدول زمني بخصوص هذه المراجعة قائلاً إنه سيتحدث لاحقاً عن التطورات.

وبطبيعة الحال، سينظر تايلور إلى الأمر على نحو مختلف، وربما لا ينبغي أن نشعر بالدهشة إذا شاهدنا سعياً محموماً خلف المصالح الذاتية الخالصة خلال الفترة المقبلة، خاصة بعدما كشف بند التعويض المالي في عقد ريتشارد سكودامور الأسبوع الماضي عن حجم الفقاعة المالية التي شهدها مجال كرة القدم.

وبالتأكيد شعر الجميع بصدمة بالغة مع ورود أنباء عن أن بروس بوك، رئيس نادي تشيلسي، يعكف على اتخاذ ترتيبات لتقديم هدية وداع للرئيس التنفيذي للدوري الممتاز (صديقه الذي يذهبان معاً في رحلات صيد) بقيمة 5 ملايين جنيه إسترليني، بحيث يشارك كل نادٍ بـ250 ألف جنيه إسترليني. وإن كان من اللافت كذلك غياب تايلور عن الجهود الكبيرة لتوضيح هذا الأمر. بالتأكيد، من الصعب على المرء طرح محاضرات عن السبيل المناسب لإدارة المال في وقت سبق وأن اتهم رئيس للدوري الممتاز، تايلور بـ«بناء ضريح ضخم من الجشع»، تنبغي الإشارة في هذا الصدد إلى أن زعيم رابطة اللاعبين المحترفين سبق وأن تقاضى في هدوء 700 ألف جنيه إسترليني من «نيوز إنترناشونال» كتعويض لكونه ضحية تنصت على الهواتف، بدلاً عن لجوئه لكشف النقاب عن فضيحة قد تمس أعضاء الرابطة. ومثلما أوضح فريق المحامين الممثل لـ«نيوز أوف ذي وورلد» في خطاب موجه إلى لجنة الشؤون الثقافية والإعلامية والرياضية بمجلس العموم، فإن الفريق القانوني المعاون لتايلور تحرك بناءً على توجيهات واضحة بأنه «يرغب إما في الثأر أو تحقيق الثراء».

الواضح أنه نجح في إنجاز هدفه الثاني. ولا يسعنا سوى التساؤل حول ما إذا كان قد يشعر ولو بقليل من الحرج عندما يفكر في أن آخر راتب تقاضاه يفوق أربعة أضعاف ما دفعته رابطة اللاعبين المحترفين العام الماضي في صورة منح خيرية لآلاف اللاعبين المحترفين السابقين الذين من المفترض أنها تمثلهم الرابطة وتتولى رعايتهم.

هل طرأ على ذهن أي من مسؤولي الرابطة أن التوزيع المالي بها يبدو مفتقراً إلى التناسب بشكل صارخ وفج، في وقت يعاني كثير من كبار الرياضيين من التهاب المفاصل أو مصاعب أخرى؟ وهل بمقدور تايلور النظر في المرآة وإخبار نفسه وهو يضع يده على قلبه أن أولوياته لم يصبها عوار شديد في وقت يفترض غالبية الناس أن الهدف الرئيسي من رابطة اللاعبين المحترفين يتمثل في رعاية أعضاء هذه المهنة، وتناول مشكلات الصحة الذهنية التي يعانونها، والمصاعب المالية الشديدة وما إلى غير ذلك؟ وهل باستطاعته إيجاد مبرر لأن تنفق مؤسسة يبلغ رصيدها في البنك 50 مليون جنيه إسترليني، تبعاً لما ذكره بوركيس، 100 ألف جنيه إسترليني فقط على دراساتها المتعلقة بالخرف؟ أو لحقيقة إعلان رابطة اللاعبين المحترفين بالتعاون مع اتحاد الكرة عام 2002 عن إطلاق برنامج بحثي لمدة 10 سنوات، لكن لم يجرِ اتخاذ أي خطوة فعلية على أرض الواقع بهذا الشأن حتى أواخر عام 2007؟.

من ناحيتها، دعت أسرة جيف استل، أحد اللاعبين الذين عانوا من إصابة شديدة بالمخ بسبب ضربه الكرة برأسه على نحو متكرر، تايلور لتقديم استقالته. وكان استل في الـ59 عندما توفي. لقد عرضت كاميرا برنامج «بي بي سي إنسايد أوت» صورة لابنة استل لاعب المنتخب الإنجليزي ونادي «وست بروميتش ألبيون»، وهي تخرج من اجتماع داخل مقر رئاسة رابطة اللاعبين المحترفين برفقة رجل من المفترض أنه كان يقدم لها، وللرياضة ككل، أكثر من مجرد أعذار واهية. ولا تقتصر الأدلة على غياب المنطق عن ترتيب أولويات تايلور على مثال واحد. على سبيل المثال، لا تزال هناك حيرة حيال مسألة أن رابطة اللاعبين المحترفين تمكنت من توفير ما يقرب من مليوني جنيه إسترليني لشراء لوحة من إبداعات إل. إس. لوري، علاوة على دفع 70 ألف جنيه إسترليني سنوياً لصندوق داخل مانشستر سيتي، والله وحده يعلم حجم ما تدفعه الرابطة مقابل تذكارات كروية أخرى لوضعها في أحد المتاحف، في الوقت الذي تتبرع بـ125 ألف جنيه إسترليني سنوياً للحفاظ على استمرار عمل مبادرة «اطرده خارجاً» المعنية بالتخلص من مظاهر العنصرية داخل ملاعب كرة القدم، والتي تعاني من نقص مزمن في الموارد.

كذلك هناك تساؤل حول ما إذا كان قد خطر ببال تايلور قط لدى مشاهدته الفيلم الوثائقي «جدار الصمت بكرة القدم» الصادر عام 1997 والذي سلط الضوء على الجرائم المروعة التي ارتكبها المدرب باري بينيل، بجانب الاحتمالية المرتفعة للغاية أن يكون هناك الكثير من المنحرفين ممن يعتدون جنسياً على الأطفال منتشرين عبر مختلف أرجاء الحقل الكروي، أن رئيس رابطة اللاعبين المحترفين ينبغي له الإقرار بوجود مشكلة خطيرة، بدلاً عن الانتظار لـ20 عاماً تقريباً أخرى للاعتراف بذلك من خلال آندي وودورد عبر صفحات «الغارديان».

الخبر بالكامل
رأيك يهمنا