برعاية

عين العالم على الكرة في موسكو وعين بوتين على العالم

عين العالم على الكرة في موسكو وعين بوتين على العالم

لا تتدحرج كرة القدم في ملاعبها على العشب الأخضر فقط، حيث يجلس المشجعون المهووسون بما يفعله 22 لاعباً على أرض الملعب، بل إنها تعبر حدود العقل وتشطح بخيال الجماهير حيث تريد، أو أحياناً، حيث يريد منظمو البطولات.

في ملعب لوجنيكي في موسكو أُفتتحت بطولة كأس العالم لكرة القدم في روسيا، والأنظار تتجه نحو المنصة الرئيسية، حيث يجلس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع قادة دول. أنظار العالم نحو ملعب لوجنيكي المشيد منتصف خمسينات القرن الماضي في عهد السوفييت، والذي جددته موسكو ليتسع إلى 81 ألف شخص، حاله حال كثير من مبان موسكو التي ترتدي حلة روسيا الجديدة بعد أن كانت سوفيتية الصنع.

إنها انطلاقة كأس العالم في روسيا. العملية استغرقت أعواماً من البناء والتجديد لـ 12 ملعباً، وتطلبت أيضاً بناء مطارات وفنادق ومرافق خدمية وتعبيد طرق في المدن الكبيرة التي تستضيف المباريات. مشروع عملاق كلف روسيا أكثر من 12 مليار يورو، وهو مشروع "مرموق" بالنسبة للرئيس بوتين، حسب وصف مجلة "دير شبيغل" الألمانية.

وفي تقرير نشره موقع "شبيغل أونلاين" كتبت مراسلة المجلة في موسكو كريستينا هيب أن المونديال يمثل لبوتين "تثبيت حق إبراز روسيا كقوة عظمى". وتنقل المراسلة عن الخبير السياسي الروسي خليب بفالوفسكي قوله إن "المونديال يعني بالنسبة لبوتين قوة عظمى"، ويضيف "الاتحاد السوفيتي كان قوة عظمى بسبب الرياضة أيضاً. وبوتين يؤمن بهذه الفكرة حتى اليوم".

لكن لمن؟ إلى الخارج أم إلى الداخل الروسي؟ الروس عموماً لا يهتمون بكرة القدم كثيراً، حتى المنتخب الروسي نفسه لا يشكل رقماً مهماً في كرة القدم الأوروبية. والرياضة الأهم في روسيا هي هوكي الجليد. أما نتائج منتخب الاتحاد السوفييتي السابق لكرة القدم فلم تعتمد على لاعبين روس، إذ أن أبرز لاعبي المنتخب كانوا من دول الاتحاد السوفيتي وأبرزهم من أوكرانيا من خريجي مدرسة "داينمو كييف".

غير أن الروس بحاجة إلى الشعور بالفخر من جديد، وبوتين يفهم ذلك جيداً. ولا شيء مثل البطولات الرياضية لتعزيز الفخر عند المواطن الروسي، الذي يشعر بالتراجع منذ عقود أمام الغرب، بعد أن كانت الرياضة مدعاة فخر للسوفييت.

منتقدو سياسة الرئيس بوتين يرون أنه يحاول استغلال الرياضة لتحقيق مكاسب سياسية على المستوى العالمي فيما يرى رئيس المركز الثقافي الروسي - العربي في سان بطرسبورغ الدكتور مسلّم شعيطو أنه "ليس اتهاماً وليس بروبغندا"، مضيفاً: "فكل دولة لإثبات أنها دولة عالمية تستطيع أن تنظم بطولة عالمية. ولروسيا تاريخ عبر الاتحاد السوفيتي وحتى الوقت الحالي، استطاعت أن تنظم بطولات عالمية على مستوى الألعاب الأولمبية".

ويرفض الدكتور شعيطو السؤال إن كان الرئيس الروسي بوتين سيجني من البطولة، ويرى أن روسيا ستجني من البطولة لا الرئيس بوتين. وبجانب المكاسب الاقتصادية، فإن روسيا ستحقق مكاسب سياسية، على سبيل المثال "أن مسألة الحصار على روسيا ليست سوى مسألة إعلامية فقط خاصة في مجال الرياضة، إذ أن أكثر من أشترى بطاقات المباريات هم جماهير من الولايات المتحدة والصين وبعدها أميركا الجنوبية"، حسبما نقل الدكتور شعطيو في لقاء مع DW عربية.

لكن الباحثة في شؤون شرق أوروبا غفيندولين زاسه ترى أنه يبقى من غير الواضح إلى أي حد يمكن للجماهير القادمة من أنحاء العالم رؤية الواقع اليومي في روسيا على حقيقته. وتقول زاسه في مقابلة مع موقع تاغسشاو الألماني: "سيكون بوتين قد حقق الكثير من الأمور فعلاً، حين يعود مشجعي المونديال إلى دولهم ويقولوا: الوضع طبيعي هناك. لم يكن بذلك السوء الذي تتحدث عنه وسائل الإعلام".

المستشارة ميركل مع الرئيس الروسي بوتين خلال المباراة النهائية لكأس العالم في البرازيل عام 2014، وفي الصورة يظهر رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان.

إن كانت روسيا تحاول إظهار وجه مختلفٍ عما هو مأخوذ عنها، فإن منتقديها ومنتقدي سياسة الرئيس بوتين، خصوصاً فيما يخص ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا ودعم موسكو  للانفصاليين شرق أوكرانيا، يشنون حملة لمقاطعة المونديال منذ مدة.

فقد وقع أكثر من 90 مثقفاً من أوكرانيا، ألمانيا، فرنسا، وبريطانيا وروسيا البيضاء على طلب مقاطعة المونديال بسبب "الحرب غير المعلنة من جانب روسيا على أوكرانيا"، حسبما نقل موقع القناة الألمانية الأولى (ARD)، وطالبوا بإطلاق سراح المخرج الروسي أوليغ سينزوف، الذي تظاهر ضد "احتلال" بلاده لشبه جزيرة القرم.

وتنتقد حكومات غربية ومنظمات دولية، أوضاع حقوق الإنسان في روسيا وكبح جماح المعارضة الروسية المنتقدة لسياسة الرئيس بوتين وهيمنة النخبة الاقتصادية والأمنية على البلاد. حتى حزب الخضر في ألمانيا طالب المستشارة ميركل بعدم حضور مباريات المنتخب الألماني في المونديال. 

لكن روسيا ترى في الانتقادات حملة موجهة ضدها، فيقول الدكتور مسلّم شعيطو رئيس المركز الثقافي الروسي - العربي في سان بطرسبورغ إن "روسيا ستكسر الأفكار النمطية التي عممها الإعلام الغربي المعادي أو المختلف مع روسيا، سواء كان إعلاماً غربياً أو عربياً، على أن في روسيا مشاكل اجتماعية وأمنية وعدم استقرار، أو حتى لا توجد خدمات أو حتى مطاعم".

قديروف يصطحب محمد صلاح إلى الملعب حيث يتدرب منتخب مصر لكرة القدم.

حتى صحيفة "موسكو تايم" الناطقة بالإنجليزية والتي تصدر، كما هو واضح في موسكو، كتبت "ليس سراً أن الرئيس فلاديمير بوتين يريد تجميل وجه روسيا إلى الخارج من خلال الرياضة"، مثلما حدث خلال أولمبياد سوتشي في شتاء عام 2014. لكنها وجهت قلمها شطر عاصمة جمهورية الشيشان، غروزني.

هناك اختار المنتخب المصري لكرة القدم الإقامة خلال البطولة، في فندق "ذا لوكال" التابع لشركة "فابليوس أبو ظبي هوتيل كومبني" الإماراتية في غروزني، الذي حضر افتتاحه الشيخ محمد بن زايد، حسبما كتب موقع "موسكو تايم".

رئيس الدولة رمضان قديروف المقرب من الرئيس بوتين، اصطحب نجم كرة القدم المصرية محمد صلاح بسيارته من الفندق وأخذه إلى الملعب، حيث يتدرب لاعبو المنتخب المصري. مراقبون انتقدوا الخطوة ورأوا فيها استغلالاً لنجومية محمد صلاح المحبوب من قبل جماهير الكرة العالمية والعربية. وتُتهم سلطات قديروف بعمليات تعذيب واختطاف وقمع من أجل ضمان "الاستقرار" في شمال القوقاز.

أحياناً تدخل الرياضة في السياسة واحياناً العكس. وفي جمهورية غروزني أحدى أهم جمهوريات الاتحاد الروسي، تختلط الرياضة بالسياسة، وأحياناً أخرى بالمشاعر الدينية. 

يبلغ عدد سكان موسكو حوالي 10.4 مليون وتُعد أكبر مدينة في أوروبا. أهم مبنى في المدينة هو الكرملين، حيث يُمارس الرئيس فلاديمير بوتين حُكمه. يُوجد في العاصمة الروسية 600 كنيسة ولهذا يُطلق عليها "روما الثانية" وأيضا "روما الثالثة". العاصمة الروسية هي المكان الوحيد في كأس العالم 2018 مع اثنين من الملاعب.

سيحتضن هذا الملعب في ( 15 يوليو/تموز 2018) نهائي كأس العالم. تم افتتاح هذا الملعب سنة 1956 وخضع لإصلاحات، من أجل أن يكون جاهزا لهذا الحدث الكروي الكبير. يسع الملعب لـ 81.000 متفرج. سيفتتح المنتخب الروسي بطولة كأس العالم على هذا الملعب في ( 14 يونيو/ حزيران) أمام المتخب السعودي.

افتتح هذا الملعب سنة 2014 وهو الملعب الرئيسي الجديد لفريق سبارتاك موسكو، إذ اضطر أشهر ناد في روسيا إلى الانتظار سنوات طويلة من أجل الحصول على ملعب خاص به. احتضن هذا الملعب مباراة تحديد المركز الثالث في كأس القارات الماضية. سيحتضن أوتكريتايا أرينا أربع مباريات في الدوري الأول و مباراة في دور الـ 16 من كأس العالم. كما تبلغ سعة الملعب 45.000 مقعد.

"أجمل مدينة على وجه الأرض"، هكذا وصف جوزيف برودسكي الحائز على جائزة نوبل، مدينة سانت بطرسبرغ، التي يمر منها نهر نيفا. أسس القيصر بطرس الأكبر مدينة سانت بطرسبورغ في القرن الثامن عشر لتكون نافذة مُطلة على أوروبا. وبعد سنوات قليلة بنى القيصر على عجل قصورا وقلاعا رائعة فيها.

ملعب كريستوفسكي ويُعرف كذلك بملعب "زينيت أرينا"، إذ يُعد الملعب الرئيسي لفريق زينيت سانت بطرسبرغ. تبلغ طاقة الملعب الاستيعابية 68.000 مقعد، وبلغت تكاليف تشييده 930 مليون يورو. يحمل هذا الملعب ذكريات إيجابية للمنتخب الألماني، الذي فاز فيه على المنتخب التشيلي (2-0) في نهائي كأس القارات 2017.

تُعتبر مدينة يكاترينبورغ نافذة روسيا على الشرق، كما أنها إحدى المدن المستضيفة لمباريات كأس العالم. في سنة 2002 تم تشييد "كنيسة على الدم" (كما توضح الصورة) في الموقع الذي، أعدمت فيه عائلة القيصر الروسي سنة 1918، أي بعد سنة من اندلاع الثورة الروسية.

كان الملعب صغيرا جدا ولا يتلاءم مع شروط استضافة مباريات في كأس العالم، بيد أنه تم توسيع الملعب وأصبح يسع لـ 35.000 متفرج من خلال وضع مدرج إضافي يتكون من 12.000 مقعد. وسيحتضن فقط مباريات الدور الأول من بطولة كأس العالم.

يُعد ملعب روستوف أرينا أون دون معقل فريق روستوف. أثناء أعمال الحفر تم العثور على قنابل فعالة تعود للحرب العالمية الثانية. تبلغ سعة الملعب 45.000 مقعد، وسيحتضن أربع مباريات في الدور الأول ومباراة في دور الـ 16 من بطولة كأس العالم.

الخبر بالكامل
رأيك يهمنا