برعاية

غوارديولا: مدين لإنيستا بإدراك جوانب تكتيكية جديدة

غوارديولا: مدين لإنيستا بإدراك جوانب تكتيكية جديدة

في أواخر صيف عام 2008 خسر برشلونة بهدف دون رد أمام فريق نومانسيا المتواضع في الأسبوع الأول للدوري الإسباني، وتزايدت الضغوط بشدة على المدير الفني الجديد للفريق آنذاك جوسيب غوارديولا عندما حقق نتيجة سلبية في المباراة التالية أمام راسينغ سانتاندر والتي انتهت بالتعادل بهدف لكل فريق على ملعب «كامب نو». وفشل العملاق الكاتالوني في تحقيق الفوز في أول مباراتين له تحت قيادة مديره الفني الشاب غوارديولا.

ونتيجة لهذه النتائج المتواضعة بدأ غوارديولا يواجه انتقادات لاذعة وضغوطا هائلة، لكنه ظل ثابتا. ودفع غوارديولا بسيرجيو بوسكيتس وبيدرو رودريغيز، اللذين جاءا من دوري الدرجة الرابعة في إسبانيا ولم يكونا معروفين آنذاك. وزادت الشكوك ومشاعر القلق بين جمهور الفريق.

وفي وسائل الإعلام، كان يبدو أن صوتا واحدا فقط هو من يدافع عن غوارديولا، لكنه كان صوت الأسطورة الهولندية يوهان كرويف، الذي كتب في مقالته الأسبوعية في صحيفة «إل بيريوديكو دي كاتالونيا» يقول: «فريق برشلونة هذا يبدو جيدا جدا جدا. أنا لا أعرف ما هي المباراة التي شاهدتموها، فالمباراة التي شاهدتها لم تكن كأي مباراة شاهدتها على ملعب كامب نو منذ فترة طويلة».

لقد شاهد كرويف، وهو المُنظر الرائع للنادي الكاتالوني، غوارديولا وهو يقود تدريبات الفريق الثاني لبرشلونة وكان معجبا للغاية بما يقوم به المدير الفني الشاب، ولذا قرر الوقوف بمفرده ضد الطوفان لكي يدافع عن غوارديولا رغم سوء النتائج في البداية. وقال كرويف: «هذه هي أسوأ بداية للفريق في أي موسم منذ سنوات طويلة، حيث لم يحرز سوى هدف وحيد ومن ركلة جزاء. هذه حقيقة لا مفر منها، من ناحية الأرقام والإحصاءات، لكن إذا نظرنا للأمور من ناحية كرة القدم، فيجب قراءة ما يحدث بشكل مختلف. ويعد غوارديولا هو أول شخص يقرأ الأمور بطريقة مختلفة. إنه ليس شخصا مبتدئا يفتقر للخبرة ويريد أن ينتحر كرويا، لكنه يشاهد المباريات ويتأمل ما يحدث ويحلل ويتخذ القرارات».

وجلس غوارديولا في مكتبه في ملعب «كامب نو» يفكر في الأمر مرة أخرى ويعيد تشغيل مقاطع الفيديو للمباريات التي خاضها الفريق ويعيد قراءة الملاحظات التي دونها، ويتساءل عن الأشياء التي يتعين عليه أن يغيرها، لكنه كان مقتنعا بشيء واحد فقط وهو أفكاره الخاصة وأفكار كرويف التي يعتزم تطبيقها داخل أرض الملعب. وقرر غوارديولا الاستمرار على نفس النهج رغم الصعوبات الكثيرة التي تواجهه. وفي ذلك الوقت، بدأ غوارديولا يتلقى دعما من مصدر غير متوقع على الإطلاق.

كان غوارديولا لا يزال يفكر في الأمر حين سمع شخصاً يطرق الباب، وقال له «ادخل. مرحبا بك». ورفع هذا الشخص النحيل رأسه بجوار الباب وقال بكل هدوء: «لا تقلق، فسوف نفوز بكل المباريات. نحن نسير على الطريق الصحيح. استمر في ذلك، فنحن نلعب بطريقة رائعة ونستمتع بما نقوم به في التدريبات. رجاء، لا تغير أي شيء».

لم يصدق غوارديولا ما حدث. لقد كان هذا طلبا قصيرا، لكنه كان عميقا ويمس القلب. لقد أصاب ذلك غوارديولا بالدهشة للدرجة التي جعلته غير قادر على الرد، فقد كان من الغريب أن يبحث عنه شخص ما ليقول له ذلك، لكن الشيء الأغرب أن هذا الشخص كان أندريس إنيستا، الذي لا يتحدث كثيرا.

واختتم إنيستا حديثه قائلا: «لقد أصبح شكل الفريق رائعا، ونحن نلعب ببراعة. سوف نسحقهم جميعا هذا العام». وبعد ذلك، أغلق إنيستا الباب ورحل.

هذا هو إنيستا، فهو لا يتحدث كثيرا ولا يقول إلا ما يتعين عليه أن يقوله. وينطبق نفس الأمر على تسجيل الأهداف، فهو لا يسجل كثيرا، لكنه يسجل في الأوقات الحرجة.

ولن ينسى غوارديولا مطلقا دفاع كرويف عنه على صفحات الجرائد، ولن ينسى أبدا كلمات إنيستا عندما طرق عليه الباب. كما لن ينسى أنهما كان على حق، وخير دليل على ذلك أنه مع نهاية موسم 2008 / 2009 كان الفريق قد حصل على الست بطولات التي شارك فيها جميعا.

يقول غوارديولا: «عادة ما يعتقد الناس بأن المدير الفني هو من يتعين عليه أن يرفع الروح المعنوية للاعبيه، وأن المدير الفني هو الشخص الذي يتعين عليه أن يقنع اللاعبين بأفكاره وأن وظيفته دائما هي أن يكون القائد، لكن هذا ليس هو الوضع دائما. ولم يكن هذا هو الوضع في كامب نو بالنسبة لي، وحدث نفس الشيء أيضا في أول موسم لي مع بايرن ميونيخ. لا تحدث مثل هذه الأشياء كثيرا، وحتى عندما تحدث فإنها نادرا ما تظهر للعلن. دائما ما يعتقد الناس أن المدير الفني هو أقوى شخص داخل النادي وأنه الشخص الذي يتحكم في كل شيء، لكن الحقيقة هي أن المدير الفني هو الحلقة الأضعف في اللعبة، فنحن عرضة للهجوم من قبل أولئك الذين لا يلعبون ووسائل الإعلام والمشجعين، فكل هؤلاء لديهم هدف واحد وهو إضعاف المدير الفني».

وأضاف غوارديولا: «عندما تبدأ العمل وتخسر أمام نومانسيا وتتعادل أمام راسينغ سانتاندر ولا تتمكن من التقدم وتشعر بأنك تحت المجهر وبأنك وحيدا ثم يأتي فجأة إنيستا ويطلب منك ألا تقلق، فمن الصعب تخيل ذلك، لأن مثل هذه الأشياء لا تحدث كثيرا ولأننا نتحدث هنا عن إنيستا، الذي لا يعبر بسهولة عن مشاعره. وبعدما رحل، سألت نفسي: كيف يقول الناس إنه يتعين على المدير الفني أن يتسم بالهدوء والبرود عندما يتخذ القرارات؟ كيف يطلب منه أن يخفي مشاعره؟ هذا شيء سخيف. كيف يمكن أن أكون باردا ولا أشعر بحرارة الكلمات التي قالها إنيستا. لم يكن 86 في المائة من الجمهور يثقون في قدراتي (حسب استطلاع للرأي على شبكة الإنترنت)، وكان كثيرون يفضلون التعاقد مع مورينيو. لقد فشلنا في تحقيق الفوز وإحراز تقدم يذكر، ثم يأتي إنيستا ويقول ذلك! كيف يمكن لي أن أتسم بالبرود بعد ذلك؟ هذا شيء مستحيل. لقد اخترقت كلماته أعماق قلبي، ولم يكن هناك أدنى شك في أن إنيستا كان سيلعب معي دائما لأنه كان الأفضل ولأن مثل هذه الأشياء لا تنسى مطلقا. لماذا جاء إلى مكتبي؟ أنا لا أعرف لماذا».

يعد لورينزو بوينافينتورا جزءا من الطاقم الفني لغوارديولا، وهو المسؤول عن الجانب البدني في الفريق. وقد رحل بوينافينتورا مع غوارديولا من برشلونة إلى بايرن ميونيخ ثم إلى مانشستر سيتي. يتحدث بوينافينتورا عن ذكرياته مع غوارديولا ويحاول أن يجد إجابة للسؤال الذي طرحه المدرب الإسباني بشأن سبب قدوم إنيستا إلى مكتبه.

يقول بوينافينتورا: «لماذا قام بذلك؟ أعتقد لأنه يريد أن يعبر عما شعر به، ولأن الأمر كان يهمه. إنيستا لا يقوم بأي شيء لا يؤمن به، ولذا فقد فعل ذلك لأنه يشعر بأن ذلك سيكون مفيدا له. إنه شخص عبقري دائما».

وقال غوارديولا: «قد تحدث لأنه كان يرى أننا نتبع أسلوبا يتدرب عليه الجميع بطريقة رائعة ولأننا أخبرنا اللاعبين بالسبب وراء عملنا بهذا الشكل، وفوق كل هذا لأن هذه الفلسفة الكروية هي التي تربى عليها منذ أن كان صغيرا».

يقول بوينافينتورا: «كان هناك لاعبون آخرون أرسلوا إلينا رسائل قصيرة». واعترف غوارديولا بذلك قائلاً: «هذا صحيح، لكن رسالة إنيستا كانت قوية. كيف يمكنني أن أنسى ذلك؟ أنا لا أزال أراه وهو يقف إلى جوار الباب وينظر إلي ويقول لي إننا نلعب بشكل رائع».

لقد أثبتت الأيام أن إنيستا وكرويف كانا على حق. وأصر غوارديولا على الاستمرار في تطبيق فلسفته التي بدأت تؤتي ثمارها، ففي الأسبوع الثالث اكتسح برشلونة سبورتينغ خيخون بستة أهداف ولم يتراجع إلى الخلف مطلقا وكان الفريق يلعب بانسيابية وسلاسة لم نعهدها. وفي غضون أشهر قليلة، أصبحت كرة القدم التي يلعبها برشلونة بمثابة نموذج يسعى الجميع لتقليده، ليس بسبب النتائج فحسب - لم يكن أي ناد في إسبانيا قد فاز بثلاثة بطولات في عام واحد من قبل، لكن برشلونة فاز بالست بطولات التي شارك فيها - ولكن بسبب الطريقة التي يلعب بها الفريق وطريقة نقل الكرة وطريقة تعامل الفريق مع الجمهور، وحتى مع الفرق المنافسة. لقد كان الفريق يقدم كرة قدم مختلفة ويتبنى نهجا مختلفا يتجسد فيما يقدمه لاعبون مثل إنيستا.

يقول غوارديولا: «لا يتحدث إنيستا مطلقا عن نفسه ولا يطلب أي شيء، لكن الأشخاص الذين يعتقدون أنه راض بمجرد اللعب مخطئون. وإذا اعتقد أنه يستحق الحصول على لقب أفضل لاعب في العالم، فسوف يسعى لتحقيق ذلك، لأنه سيقول لنفسه: أنا الأفضل».

يقول غوارديولا إن باكو سيرولو، الذي كان يشغل منصب مدرب اللياقة البدنية في برشلونة في السابق وهو الرجل الذي تعلم منه بوينافينتورا، قد وصف إنيستا بطريقة مثالية عندما قال: «إنيستا هو أحد اللاعبين العظماء؟ لماذا؟ بسبب إتقانه للعلاقة بين المكان والزمان. إنه يعرف أين يوجد في كل لحظة من لحظات المباراة. وحتى في منتصف الملعب عندما يكون محاصرا بعدد كبير من اللاعبين، فإنه يختار المسار الصحيح في كل مرة. إنه يعرف دائما أين يقف وكيف يتصرف في الكرة. وبعد ذلك، فهو يمتلك قدرة على الانطلاق بشكل فريد من نوعه، فهو ينطلق ثم يتوقف ثم ينطلق مرة أخرى ثم يتوقف وهكذا. ولا يوجد مثله سوى عدد قليل للغاية من اللاعبين».

وأضاف: «هناك لاعبون يلعبون بشكل رائع على أطراف الملعب لكنهم لا يعرفون ماذا يفعلون في عمق الملعب، وهناك لاعبون يلعبون بشكل رائع في عمق الملعب لكنهم لا يمتلكون اللياقة البدنية التي تمكنهم من الانطلاق على الأطراف، لكن إنيستا لديه القدرة على القيام بالاثنين. عندما تكون بجوار خط التماس، مثل الجناح، يكون من السهل أن تلعب لأنك ترى كل شيء داخل الملعب. وعندما تلعب في عمق الملعب، فأنت لا ترى أي شيء هناك لأن هناك الكثير من التحركات في هذه المساحة الضيقة وجميع اللاعبين يقفون حولك، ولا تعرف من أين يأتي لاعبو الفريق المنافس نحوك ولا تعرف عدد اللاعبين الذين سيأتون إليك. لكن اللاعبين العظماء هم من يعرفون كيف يلعبون في هذه الظروف المختلفة. إنيستا لا يمتلك القدرة على رؤية جميع ما حوله وما يتعين عليه القيام به فحسب، لكنه يمتلك أيضا الموهبة التي تمكنه من تنفيذ ما يريد، فهو قادر على اختراق صفوف الفرق المنافسة».

الخبر بالكامل
رأيك يهمنا