برعاية

هنري كاسبرجاك لـ «الشّروق» ...أتحمّل مسؤولية الفشل وأرفض نشر الغسيل الداخلي

هنري كاسبرجاك لـ «الشّروق»  ...أتحمّل مسؤولية الفشل  وأرفض نشر الغسيل الداخلي

اختلطت مشاعرنا بين الحزن، والفرح، والغضب ونحن نتابع مغامرة الـ"نسور" في "كان" الغابون. فقد كانت الانطلاقة بهزيمة مرّة أمام السّينغال قبل أن يطيح المنتخب بالجزائر، ويكسب الرّهان أمام زمبابوي وهو ما أسعد الأنصار، وجعلهم يبنون قصورا من الأحلام خاصّة بعد أن أبهر الفريق الجميع، وأبدع في صنع اللّعب بعد أن كان الدّفاع شغلنا الشّاغل.

وسرعان ما اتّضح أن تلك القصور العالية كانت من رمال، حيث خارت قوى الرّجال أمام "خيول" بوركينا. وتحوّل ذلك الحلم الجميل إلى كابوس مزعج، وتوقّف التطبيل للاعبين، ومدربهم "كاسبرجاك" الذي أصبح في لمح البصر "أغبى" الفنيين، وتصاعد طبعا صياح المحلّلين الين لا يعجبهم العجب، ولا الصّيام في رجب.

الآن وقد مضى أكثر من أسبوع على خروج المنتخب، نظنّ أنّ الإنفعال قد زال، وأنّ عاصفة الغضب بدأت تهدأ وهو ما يخوّل لنا إعادة فتح ملف مشاركتنا القاريّة بمعية ربّان السّفينة التونسيّة "هنري كاسبرجاك" بكلّ موضوعيّة، وبمنأى عن النّظرة "السوداويّة" للبعض، والمواقف "الورديّة" للبعض الآخر.

بعيدا عن التشنّج، كيف تقيّم مشوار الـ"نسور" في "كان" الغابون خاصّة أنّك "القائد الأعلى" في الفريق، وصاحب القول الفصل في كلّ شؤونه؟

أكدنا عشيّة الذّهاب إلى الملاعب الغابونيّة أنّنا سنفعل المستحيل للعبور إلى الدور ربع النهائي، وأشرنا في الوقت نفسه إلى أنّنا سنقاتل دفاعا عن حظوظ تونس في العرس الافريقي إعتمادا على سياسة "المراحل": أي أنّنا كنّا نخطّط أوّلا وقبل كلّ شيء إلى تخطّى عقبة الدور الأول قبل التفكير في بلوغ المحطّات المتقدّمة، وأعتقد أن المهمّة أنجزت بنجاح. ذلك أنّ فريقنا تجاوز بسرعة مخلّفات الهزيمة أمام السّينغال، وفزنا بإقناع على الجزائر، وزمبابوي. وقدّمنا بشهادة الجميع عروضا كرويّة راقية نالت إعجاب المتابعين. كما أنّ المردود الهجومي كان جيّدا بعد أن تحرّك خطّنا الأمامي في ست مناسبات. وتألّق عدة لاعبين بشكل لافت على غرار المثلوثي، وبن عمر، والفرجاني، والسليتي... ولا ينبغي أن نغفل عن حقيقة أخرى وهي صعوبة المهمّة في الدّور الأوّل قياسا بالبداية المتعثّرة علاوة على وجودنا في مجموعة حديديّة تضمّ منتخبين قويين، ويعجّان بالنّجوم، وكانا من المرشحين على الورق للذهاب بعيدا في الكأس الافريقيّة، ويتعلّق الأمر بالسّينغال، والجزائر. وبعد المرور على الدّور الثاني (وهو الهدف المعلن منذ البداية) واجهنا بوركينا فاسو، وانهزما كما هو معلوم بثنائيّة قاسية لنغادر السباق بحصيلة فيها الكثير من الايجابيات، وأيضا السلبيات.

ألم يكن في الإمكان أفضل ممّا كان؟

قدّمنا أداء كبيرا في الدّور الأول حتى أن العديد من الملاحظين وضعوا الـ"نسور" في صدارة المنتخبات الأكثر قدرة على صناعة اللّعب، والفرجة وهو أمر كنّا نفتقده بالأمس القريب، حيث كان فريقنا يفوز لكن دون إقناع. وربّما كنّا نستحقّ الوصول إلى المراحل الأخيرة من السّباق بالنّظر إلى الإمكانات الكبيرة التي أظهرها منتخبنا، وقياسا بالمستوى الفني المتواضع لعدد من الفرق الذين ذهبوا بعيدا في الـ"كان". ولا أعرف صراحة إن كانت الكرة قد "ظلمتنا" أم أنّ أحلامنا كانت أكبر من مؤهلاتنا؟

تعدّدت القراءات، والتأويلات بخصوص الأسباب الحقيقيّة لهزيمة بوركينا، وقال البعض إنّ المنتخب انهار بدنيا، ويعتقد شقّ آخر أنّ الخيارات الفنيّة هي سبب البليّة، فأيّ تفسير تقدمّه عن هذه العثرة؟

لقد اجتمعت عدّة عوامل، وحكمت علينا بالخروج من الدور ربع النهائي. وأظنّ أنّنا افتقدنا إلى التركيز اللاّزم في حوار بوركينا، وفكّرنا في فرض ألواننا، وأسلوبنا المعتاد على الخصم منذ البداية، وربّما أخطأ فريقنا التقدير في هذه المباراة. ولم نوفّق للأمانة في إحداث التوازن بين الدورين الدفاعي، والهجومي. ولا يخفى على أحد أنّ عدة عناصر لم يكونوا في المستوى المأمول مقارنة بأدائهم الممتاز في الدّور الأوّل كما هو الشأن بالنسبة إلى يوسف المساكني، ووهبي الخزري علاوة على تواصل الأخطاء الدفاعيّة...

قيل الكثير أيضا عن الفوضى العارمة التي سبقت اللّقاء، فماذا حصل بالضّبط ليلة مواجهة بوركينا؟

لقد وقع تهويل الأمر. ذلك أنّ الفريق أراد تجديد طاقاته، والتخلّص من الإرهاق حسب الطرق المتعارف عليها، لكن في الأثناء حدثت أشياء أودّ عدم التطرّق إليها إحتراما لكلّ الأشخاص. ("كاسبرجاك" يقصد أطرافا من خارج المنتخب). وفي كلّ الحالات، أؤكد أنّ جميع التحضيرات، والتربّصات التي قمنا بها كانت ناجحة، ولا علاقة للمسائل التنظيميّة بإنسحابنا من الـ"كان".

تحوّل تشريك "كاسبرجاك" للمدافع أيمن عبد النّور على الجهة اليسرى إلى "قضيّة ٍرأي عام" في تونس، فهل من تفسير لهذا الخيار الذي أثار جدلا واسعا، وتسبّب في المتاعب لمحترف فالنسيا؟

من الإجحاف أن نحمّل عبد النّور ما لا طاقة له، ومن المضحك أن يقول البعض أنّنا انسحبنا بسبب عبد النور الذي كان يفتقر إلى نسق المقابلات، ولم يكن في أوج جاهزيته للظّهور بمستوى عال. وقد راهنا على خبرته الواسعة، ورغبته الكبيرة لمساعدة الفريق على تأمين الدفاع، واخترنا بعد مخاض عسير أن نضع ثقتنا فيه ليشغل الجهة اليسرى أمام بوركينا بدل علي معلول في سبيل منح الأمان لعناصرنا في الدفاع. لقد اجتهدنا لكنّنا لم نصب، وذلك ليس بسبب عبد النور، وإنّما جرّاء جملة من العوامل الموضوعيّة.

بعد مسيرة عمرها أكثر من عام مع المنتخب، أين يكمن الخلل في هذا الجيل الذي يحمل آمال تونس في تصفيات المونديال؟

مستحيل أن أنكر المشاكل الدفاعيّة الكبيرة التي يواجهها المنتخب الوطني. وقد كانت هذه المعضلة من ضمن العوامل المساهمة في خروجنا من الكأس الافريقيّة (شباك تونس اهتزّت في سبع مناسبات خلال أربع مواجهات في الـ"كان"). ولن أخفي سرّا إذا قلت إنّنا اخترنا في وقت سابق أن نراهن على خدمات ثلاثة مدافعين محوريين (بدل عنصرين فحسب كما حصل في مرحلة موالية) في سبيل تحصين منطقنا الخلفيّة. والحقيقة أنّه من الإجحاف أن نختزل جميع مشاكلنا في الدّفاع. ذلك أنّنا نواجه صعوبات أخرى بسبب "البطالة" الكروية لعدد كبير من المحترفين، وأظنّ صراحة أنّ الفريق لن يقلع، ويبدع إلاّ بعد أن يتغيّر الحال، ويفرض أبناؤنا أنفسهم بقوة مع جمعياتهم. ومن الضروري أيضا أن نعثر على التوازن المنشود بين الدفاع، والهجوم.

أثار التصرّف الغريب لوهبي الخزري استهجان الجميع، فما تعليقك على تلك اللّقطة (رفض مصافحة مدرّبه أثناء الخروج من الملعب احتجاجا على التغيير)؟

ليست المرّة الأولى التي يخرج فيها وهبي الخزري عن النصّ. لقد حصل ذلك في الحوار الودي أمام موريتانيا عندما قام بسلوك مشين تحصّل على إثره على بطاقة حمراء بطريقة مجانيّة. وقد وقع وهبي من جديد في المحظور أثناء الـ"كان". وأؤكد أنّ هذا التصرّف غير مقبول مهما كانت المبرّرات. ولن أسمح لنفسي بإختلاق الأعذار لتطويق الأمر، وغضّ الطّرف عن اللاّعب لكنّني أصرّ في الوقت نفسه على أنّ الخزري يعيش أزمة نفسيّة صعبة جرّاء وضعه الغامض مع "ساندرلاند" وهو ما جعله يقوم بأشياء غريبة. كما أنّ اللاّعب بادر بالإعتذار في أكثر من مناسبة عن صنيعه. ومن هذا المنطلق، فإنّنا نتفهّم هذه الحادثة، ونقبل إعتذاره.

يتردّد في الكواليس أنك "مسيّر"، ومغلوب على أمرك فهل من توضيح في هذا الموضوع؟

علاقتي ممتازة مع المكتب الجامعي برئاسة الدكتور وديع الجريء. ونعمل سويا في كنف الإحترام المتبادل، ومن أجل مصلحة واحدة وهي نجاح المنتخب. وأؤكد بأعلى صوت أنّني سيّد نفسي، وأتمتّع بكلّ الصلاحيات الضروريّة في خطّتي كمدرّب أوّل للـ"نّسور".

هل تبرىء بقيّة الإطارات التّابعة للمنتخب من مسؤولية الانسحاب، ووضع يدها في الطّبخة الفنيّة (الحديث أساسا عن المساعد حاتم الميساوي، والمدير الفني يوسف الزواوي)؟

أنا رجل لا يتنصّل من مسؤولياته مهما كانت الظّروف. ذلك أنّني تكلّمت بعد لحظات من هزيمة بوركينا، وقلت بكلّ صراحة إنّني المسؤول الأوّل، والأخير عن الإنسحاب، ومستعدّ على الدوام لتحمّل وزر جميع العثرات بمفردي، ولا يهمّ أن يضعني البعض في ذيل المساهمين في الإنتصارات. وأؤكد أنّني أشتغل في إنسجام، وتناغم مع كلّ المساعدين، وأيضا مع يوسف الزواوي. ومن واجبي الدفاع عن كافة العاملين في الفريق. ومن حقي أيضا عدم إفشاء كلّ أسرار المهنة.

كيف تتعامل مع الأنباء المتواترة عن إقالتك، واستقالتك وفرضية تعويضك بالبنزرتي، وذلك رغم تأكيد رئيس الجامعة بأنّك باق في منصبك؟

(ضاحكا)، لقد تعوّدت على هذه الأقاويل، والإشاعات، وأختار حينا تكذيبها، وأتجاهلها في بعض الأحيان. والحقيقة أنّ حكاية فوزي البنزرتي أصبحت من الأمور المضحكة. ذلك أن بعضهم لم يوقّف عن ترديد إشاعة ترشيحه لخلافتي منذ أشهر طويلة. وأؤكد من جديد أنّني ثابت في مكاني، ولا أهتمّ للقيل، والقال.

الخبر بالكامل
رأيك يهمنا