برعاية

(كتاب ساكي 3)... مفاهيم الكرة ومدينة المتعة

(كتاب ساكي 3)... مفاهيم الكرة ومدينة المتعة

ينشر موقع "العربي الجديد" حلقات مترجمة من كتاب "أريغو ساكي.. كالتشيو توتالي"، تتناول حياة أسطورة التدريب، والذي لم يلعب الكرة بشكل احترافي خلال مسيرته، ونجح في قيادة العديد من الفرق إلى القمة في فترة الثمانينيات، ما يلي الحلقة الثالثة:

حينما بدأت في قيادة ريميني كانت لدي بالفعل خبرة تدريبية وأنهيت دورة معهد كوفيرشانو وفزت ببطولة قطاع الشباب مع تشيزينا. كانت لدي رغبة في اثبات من أكون وتقديم كرتي. كنت مهتما بالمستجدات والابتكارات ودرست الفرق الكبيرة التي تمكنت من تحقيق إنجازات دولية عبر اللعب الجميل.

بدأت في تفهم ما الذي أرغب في تقديمه عبر الكرة وفي تلك السنوات نشرت كتابا بعنوان "هل ترغب في أن تصبح لاعب كرة قدم؟" كان أشبه بدليل قدمت فيه أفكاري وأطروحاتي وخبراتي وما درسته. كان دليلا لمساعدة الشباب في رحلة حلمهم نحو لعب الكرة ولغرس مفهوم المسؤولية لديهم أيضاً.

يصف الصحافي جانكارلو بادوفان في كتابه (دابليو ساكي إم ساكي) ذلك العمل الذي ألفته حينها بأنه مثل نقطة تحول في تاريخ كرة القدم الإيطالية المعاصرة. كان الكتاب يتضمن الكثير من الأشياء حول اللعبة من وجهة نظري؛ على سبيل المثال عرفت الكرة بأنها "إنها رياضة جذب ومتعة وخيال وصحة وترفيه".

تحدثت أيضا في الكتاب عن المراكز المختلفة في الملعب: الحارس والمدافع ولاعب الوسط والمهاجم واقترحت ضرورة وجود "لاعب كامل" قادر على تقديم كرة قدم شاملة. كان هذا الأمر موجودا بالفعل في هولندا والبرازيل وفرنسا والأرجنتين.

تحدثت عن لاعب ليس متخصصا في مركز واحد فقط، بل لاعب قادر على خلق اللعب في أي وقت توجد الكرة فيه بين قدميه والتحرك في الملعب بدونها للابتعاد عن الرقابة؛ لاعب لديه القدرة على خلق فرصه بنفسه عبر قراءة جيدة للعب.

المفهوم كان بسيطا ولكن يصعب تنفيذه: نهاجم جميعا وندافع جميعا. قلت إن لاعب المستقبل سيولد عقب "تدريب مستمر للعقل". كتبت أن "كرة القدم تلعب بالعقل وليس بالقدمين". حينها في إيطاليا لم يكن هناك أحد يؤمن بمثل هذه الأشياء. ربما كانوا يقولون "إنه لاعب مهاري"، في اشارة لفنياته، ولكن لم يتحدث أبدا عن ضرورة وأهمية الذكاء.

تحدثت أيضا عن أهمية التدريبات وأنه لا يجب أن تكون موجهة فقط للإعداد البدني ودقة التسديد، بل إنه توجد ضرورة لتجهيز عقلية اللاعبين؛ الأمر لا يتعلق فقط بصقل شخصية اللاعبين أو محاولة التحكم في عصبيتهم بل أيضا ضرورة تعليمهم اللعب كفريق وأقلمتهم على الخطط المختلف والقدرة على إيجاد البدائل. بهذه الطريقة فإن الرئيس في الملعب لم يعد صانع الألعاب رقم 10 بل أي لاعب بحوزته الكرة.

كرة القدم رياضة هجومية جماعية ولكنها فقدت خصائصها الأصلية في بلد مثل إيطاليا الذي لا يحب التجديد بل التقاليد والحنين للماضي. لهذا فإن فكرتي عن الكرة كانت مختلفة لأنها كانت بمثابة ثورة في أدوار كل اللاعبين مثل الحراس على سبيل المثال.

أنا لا أرى الحارس لاعبا معزولا عن صناعة اللاعب. لا أراه شخصا قادرا على التصدي للكرات فقط. تحدثت عن ذلك الحارس الذي يمتلك خصائص اللاعب. متكامل فنيا، فبالنسبة لي عمل الحارس ليس أسفل المرمى فقط بل يجب أن ينسق دفاعه ويتحرك باستباق عبر حدسه تجاه نوايا الخصم. لهذا السبب أرى أن أفضل مدافع في مونديال البرازيل 2014 كان الحارس مانويل نوير الذي توج بالبطولة. لا أظن أن هذا الأمر جاء صدفة.

كنت أسعى لتكون التدريبات دائما مبتكرة بحيث لا يكون غرضها النهائي فقط هو الحفاظ على الحالة البدنية للاعبين بل أيضا تدريب ذكائهم عبر مران نفسي-فني. كنت أخلق محاكاة لمواقف سنقابلها في الملعب، وبهذه الطريقة يتمكن الفريق لاحقا من اللعب عبر الذاكرة على المستطيل الأخضر دون أي مساحات بين الخطوط وبشكل منظم.

تعرفت في ريميني على رئيس كان محطما بسبب كرة القدم دون الحصول على أي تعويض. إنه الرجل المهذب دينو كابيلي الذي كان دائما ما تتراكم عليه الديون وكان دائما ما يضع شركته في خطر بسبب حبه لكرة القدم. لم يجلس أبدا في المنصة بل كان يقف خلف المرمى مثل أي مشجع ويعض على يديه مع كل فرصة ضائعة.

كنت أنا الخيار الأخير في قائمة المدربين المرشحين وفي أول جلسة لي مع كابيلي أخبرني عن وضع خزائن النادي الخاوية وسألني "ماذا نفعل؟" فأجبته "علينا بيع الكل وشراء لاعبين شباباً ولن ننفق الكثير".

كانت الأندية التي دربتها غالبا لا تمتلك نقودا لذا فإن رهاني الدائم كان على الشباب، لذا فكرت في بعض الأسماء التي فزت معها ببطولة الناشئين لذا جلبت معنا والتر بيانكي ودانيلي زوراتو الذي كانت لدي قناعة كبيرة بإمكاناته، وقال لي الرئيس إن هدف الموسم الجديد هو "تجنب الهبوط"، ولكن أجبته "علينا اللعب للفوز بالبطولة!".

نظر كابيلي لي كما لو كنت مجنونا، ولكني لم أكن مجنونا لأنني أرى أن المفهوم الأساسي الذي تقوم عليه كرة القدم هو السعي وراء الفوز. في بداية الموسم أوقعونا في الكأس بالمجموعة الثامنة التي كانت تضم فرقا كبيرة وكانت المباراة الأولى أمام إنتر.

كانت الأجواء في المدينة مثالية فالجماهير كانت مشتاقة لرؤية الفريق الذي يضم ستة من لاعبي المنتخب الإيطالي الذين توجوا بكأس العالم على ملعب سانتياغو برنابيو، ولكن داخل الفريق لم تكن الأمور بنفس الصورة. كانت هناك خلافات بين اللاعبين والإدارة التي لم ترغب في سداد مكافآت على المباريات الودية ومواجهات الكأس.

توسطت في الموضوع وأقنعت الطرفين بأنه إذا ما حقق الفريق الفوز على إنتر سيتم اقتسام إيراد المباراة بالنصف. أعجب هذا الأمر الجميع. بدأت المباراة وحينما كانت النتيجة لا تزال 0-0 احتسب الحكم ركلة جزاء لصالحنا ولكن ميركو فابري أهدرها. ربما كان التوتر بسبب الخصم أو بسبب مسألة المكافأة. في النهاية فاز إنتر في مباراة كتبت عنها الصحافة "انتصار بدون إقناع".

كان العام الأول في ريميني صعبا وقاسيا. تحولت المدينة إلى عاصمة المتعة والحفلات عقب انتهاء حقبة الإرهاب. في السهول الواقعة بين ريميني وريتشوني ظهرت أفضل وأكبر الملاهي الليلية في إيطاليا التي لم تكن تغلق أساسا حتى في فصول الشتاء. في تلك الفترة لم يعد اللاعبون نجوما داخل الملعب فقط، بل خارجه. إنها الفترة التي شهدت أيضا أولى الصفقات الكبرى مثل انتقال مارادونا في العام التالي من برشلونة إلى نابولي. كل هذا الأمور كان لها مردودها في الفريق.

في كل مرة كنت أخرج بها من الملعب لأعود لمنزلي كان يجب أن أقود سيارتي بمنطقة الممر البحري، في إحدى المرات وتحت الأضواء الخافتة لأعمدة الإنارة شاهدت زوراتو ملتصقا بإحدى كبائن الهاتف. لم يكن ملتصقا بالكابينة في الحقيقة فبينه وبينها كانت هناك فتاة أطول منه. حينها فهمت سبب إصابات السمانة التي كان دائما ما يعاني منها.

حينما وصل في اليوم التالي للتدريبات قلت له "اسمعني.. بدلا من مشاهدتك ملتصقا بالكابينة بهذه الطريقة وفي هذه الظروف سأترك لك مفاتيح شقتي وقتما ترغب". بهذه الطريقة قمنا بحل مشاكل السمانة، ولكن كان هناك ماركو بيكورارو. لاعب ذكي ووسيم كان يظهر كل أسبوع مع رفيقه جديدة. في إحدى المرات تقابلنا خارج الملعب وكان بصحبة إحداهن وقال لي "عرفتك من قبل على رفيقتي.. أليس كذلك؟".

لم أكن أطيق هذا الأمر لذا أجبته "صحيح.. ولكن ألم تكن شقراء؟"، فقالت الفتاة بذهول وهي تنظر إلى بيكورارو بغضب "لم أكن شقراء أبدا!". بعدها شاهدت فتاة تركض خلف لاعب آخر وحينها أدركت أن هذا الأمر لا يجب أن يستمر وأخذت الفريق بالكامل معي لمعسكر في الجبال. ربما كان قرارا خاطئا ولكن هذا ما فعلته.

الخبر بالكامل
رأيك يهمنا