برعاية

هل يلوم نفسه؟

هل يلوم نفسه؟

ذكر المفكر الكبير مالك بن نبي في ثنايا محاضرة ألقاها في دمشق عام 1960م عن الصعوبات التي تقف حائلاً دون الوصول إلى النتائج المرجوة، فذكر أنها على ثلاثة أنواع، منها ما يتعلق بالأشخاص وثانية بالأفكار والأخيرة تتعلق بالأشياء، ويقصد بالأخيرة الظروف المساعدة على العمل السليم والمثالي. ولعل المتابع لمسيرة الحركة الرياضية في مجملها يرى هذه الإشكالية ظاهرة وبادية للعيان، مع استمرار الخطأ في تقديم العلاج المؤقت بالمسكنات الوقتية التي لم تقدم بارقة لأمل قادم فبهت لميع شموع الفرح، ويكاد ينطفئ نورها بعد أن كانت بداية وهج وغاية، فتاهت عن الدرب الصواب وعادت منتخباتنا وفرقنا الرياضية تبحث عن شرف المشاركة، مرحلة كنت أجزم بأن الجميع تناساها فهي خطوة تركناها منذ زمن فكيف عدنا إلى المربع الأول!

لن أتحدث عن فشل الاحتراف، فالديون في ازدياد والتسجيل مستمر والمضاهاة بين أعضاء الكاش مستمرة حتى بلغت الديون شيئاً مفزعاً لكل ذي لب وحكمة، ولن أعرج بالحديث على معضلة التحكيم وفشل اللجنة في إيجاد آلية للتحفيز والتطوير والاختيار الجيد لكوادرها في كل موسم، ولن أحد سنان الرمح لأطعن جسد ألعاب القوى المتهالك، فقد ضنت شيمة الطعن بسبب تواضع الغنيمة، ولن أعكف باكيا على ضياع سمعة رياضة أملنا أن نقارع بها الآخرين في كل المحافل، فالغاية أسمى والهدف أعمق والنهاية رسم الطريق للهدف وسالكي الطريق من أجله، لكن سأعود إلى ما سطره المفكر الراحل باحثاً عن معوقات النجاح وسبب تواصل الفشل، لنجد معضلة الرياضة تتلخص في شيئين الأشخاص والأفكار، فاختيار القيادات الإدارية للمناصب ما زال شرخاً يتسع صدعه يوماً بعد يوم، وبتنا لا نجد تلك القادرة على استقطاب الفكر القادر على صناعة الأبطال بدنياً، والعمل بخط متواز في مجال التسويق من أجل جلب شركات ومؤسسات كبرى وإقناعها بأن هذا جزء من الشكر والعرفان تقدمه إلى الوطن الكبير، وتمثل خير دعاية تمثل فيها أبلغ صور العطاء، غير أن الحقيقة تقول إننا ما زلنا نكرر نفس الأسماء ويتم تدويرها بين المناصب بشكل شبه منتظم، فلا هي أقنعت الجماهير بديمومة بقائها السرمدي ولا هي تعاملت بمثالية وإنكار للذات وتنازلت طواعية لمن تراه مؤهلاً للقيام ببذر غراس طال يانع ثمره. فمتى نرى مبادرة هدفها حب الوطن والتفاني فيه تحل معضلة الأشخاص، فلا أقل من ترك الباب مفتوحا للتجديد والابتكار من خلال الشباب الطموح الذي لم يتشبع بعد، يحدوه شغف إثبات الذات ونيل الجدارة.

تبقى معضلة الأفكار، فلا يخالجني الشك في وجودها، فالأرض ولادة، والفكر المستنير متجدد وحاضر، فأين الحماية والمبادرة مع عدم الاستسلام لسطوة التقليد أو الخوف من تطويع الرؤى الصالحة لخدمة الرياضيين ورسم طريق صعود منصات الذهب وتحجيم الفكر المضاد، وفي هذا يضرب المثل بالبوصلة التي اخترعها العرب، غير أن كريستوفر كولومبس ذهب بها لاكتشاف القارة الأمريكية بعد أن سيطرت الفكرة الخطأ بأن الأرض على رأس ثور فترة من الزمن، منعتهم بأن يذهبوا في رحلاتهم البحرية بعيداً، ولأن جدلية القبول والرفض لمثل هذه الأفكار لا تنتهي فلا يعني هذا أن جوهر الفكر غير صادق، بل هو سليم وبناء وصادق مع الفكر الناضج تماماً، فلماذا نخاف النجاح، ولماذا نخشى التغيير؟ فهل نستطيع أن نمضي لأبعد طريق نريده وما زالت أقدامنا تدور في ذات الإطار وبرواز الصورة كما كانت بدايتها الأولى!

الخبر بالكامل
رأيك يهمنا