برعاية

مع نهاية مغامرة اليورو ورحيل كونتي …ماذا بعد يا إيطاليا

مع نهاية مغامرة اليورو ورحيل كونتي …ماذا بعد يا إيطاليا

أنهت ركلات الترجيح مغامرة المنتخب الإيطالي في يورو 2016  حيث انحازت للمنتخب الألماني وفضلته ليكون المتأهل إلى الدور نصف النهائي بدلاً من رجال كونتي الذين قدموا كل ما يملكونه على أرضية الملعب لتحقيق أنجاز رآه الكثيرون مستحيلاً إلا أن التوفيق لم يكن في جانبهم. لكن هذا الخروج لا يعني النهاية، بل على العكس هو يجب أن يكون بداية حقيقية لترسيخ نظام جديد في الكرة الإيطالية .

بداية …بعض الحقائق التي تدعو للفخر 

لا يخفى على أحد أن المنتخب الإيطالي كان مفاجأة كبيرة لكل متابعي كرة القدم بمن فيهم الإيطاليون أنفسهم الذين لم يتوقعوا أن يقدم منتخبهم هذا الأداء الملفت والمتطور . فالتشكيلة التي استدعاها كونتي كما يعرف الجميع  تكاد تكون خالية من لاعبي أندية الصف الأول ، بل يمكن القول أنها مليئة بلاعبي الصف الثاني والثالث حتى في أنديتهم وليس على صعيد المنتخب . فباستثناء رباعي اليوفي ودارميان لاعب مانشستر يونايتد ، معظم لاعبي المنتخب من بولونيا ولاتسيو وسندرلاند وساسولو واحتياطي ميلان واليوفي حتى. وهذه التشكيلة فرضتها حقيقة شح المواهب التي تعاني منها إيطاليا وموجهة الإصابات التي جاءت لتزيد الطين بلة وتحرم إيطاليا (المحرومة أصلاً من المواهب ) من أفضل ما تملك من لاعبين ونعني هنا ماركيزيو ومونتوليفو والأهم الموهبة الأكبر فيراتي ليتبعها دي روسي وكانديريفا . ومع إيقاف تياغو موتا، فإن إيطاليا لعبت ربع النهائي أمام ألمانيا الأكثر عدة وعديداً وتجهيزاً بتشكيلة منقوصة للغاية، فلذلك يحق للإيطاليين أن يفخروا كثيراً بفريقهم رغم الخروج لأنه أخرج الاسبان وكاد أن يخرج أبطال العالم بتشكيلة أقل ما يقال عنها أنها الأقل موهبة في تاريخ كرة القدم الإيطالية ….ولكن للحقيقة أيضاً  جانب آخر.

ثانياً …بعض الحقائق التي تدعو للقلق 

بالعودة للتاريخ القريب وليس البعيد ، نجد أن معاناة إيطاليا بدأت مع نهاية العام 2006 أي مع فضيحة الكالتشيو بولي التي هزت أركان الكرة الإيطالية وكشفت، بجانب ما كشفت، العديد من مواطن الخلل في بنية الكرة الإيطالية . فبداية من العام 2008 تحول المنتخب الإيطالي لمنتخب عادي يمكن لأي كان أن يهزمه بدلاً من أن يتقدم ويتطور أكثر بعد إحرازه بطولة العالم . ومن وقتها حتى اللحظة قدمت إيطاليا أداءً متذبذباً تراوح بين التميز  في يورو 2012 و2016 والإخفاق الكبير   في مونديالي 2010 و2014 حيث خرج من الدور الأول . هذا التذبذب يدل وبوضوح أن إيطاليا ناجحة تكتيكياً وفاشلة استراتيجياً. فبفضل تميز المدربين الإيطاليين على الصعيد التكتيكي والروح العالية التي تميز شخصية الشعب الإيطالي واللاعبين نجدهم يقدمون دائماً أكثر بكثير من قدراتهم حتى. لكنهم على المدى الطويل لم يحققوا النجاح المنشود لا لشيء إلا لأن التكتيك والروح لا تعطي سوى نتائج محدودة ولوقت محدد عكس العمل الاستراتيجي الذي يؤمن ديمومة في التفوق.

أكبر دليل على هذا الكلام  هما ألمانيا واسبانيا اللتان عملتا بشكل استراتيجي خصوصاً  على موضوع الأكاديميات تمكنتا من خلق جيل قوي يقدم أداءً مستقراً ويسجل انتصارات كبيرة لفترات طويلة ، وكلاهما وللمفارقة من أوقفتا المغامرة الإيطالية نحو لقب كبير في يورو 2012 عندما فازت اسبانيا عليها برباعية وبالأمس عندما استطاعت ألمانيا كسر جميع حواجزها النفسية والتأهل (وإن بصعوبة كبيرة) على حساب إيطاليا وهو ما لم يحدث سابقاً ، وهو ما يؤكد (وإن على المتسوى الصغير ) تفوق الاستراتيجيات على التكتيكات.

على الصعيد الفني ،تسلح إيطاليا بتكتيكاتها العالية والمتطورة بالإضافة للروح العالية (الجرينتا كما يحلو للمشجعين تسميتها ) يسمح لها دائماً بأن تفاجئ الجميع ، لكن قلة المواهب لديها انعكست قلة في الحلول مما يجعلها مكشوفة بعد فترة معينة . وهو ما شاهدناه في لقاء ألمانيا حيث كانت تحركات جياكيريني وفلورينزي مكشوفة بشكل كامل للإيطاليين . ولو امتلكوا مجموعة من اللاعبين بخيال عال وإمكانات فردية عالية لذهبوا أبعد من ذلك بكثير لأنهم سيغنون التكتيكات والخطط بلمساتهم الساحرة . ولنتذكر جميعاً أن فوز إيطاليا على ألمانيا عام 2006 جاء بتمريرة سحرية من بيرلو وديل بييرو وفي 2012 جاء بمهارة بالوتيلي العالية (التي لم تتكرر للأسف).

ثالثاً وهو الأهم …ماذا بعد ؟

الآن ، خرجت إيطاليا ورحل مدربها صاحب الفضل الأكبر في ما قدمته خلال البطولة أنطونيو كونتي الذي يعتبر الخسارة الأكبر لأنه فعلياً كان القائد الذي أعاد بناء منتخب إيطالي مهدم وفق أسس جديدة تبدو راسخة إلى حد ما لأنها اعتمدت على بناء أسلوب مشابه لعقلية الكرة الإيطالية مع تطوير في الاعتماد على الأطراف أكثر انطلاقاً من وسط الملعب في فكرة تحل محل الاعتماد التقليدي على الأظهرة الذي كانت تعتمده إيطاليا طوال تاريخها (فرض ذلك تطور كرة القدم والحاجة إلى الاستحواذ أكثر في أرضية الملعب وأيضاً نقص الأظهرة القوية في إيطاليا نتيجة نقص المواهب ) . وهو بذلك يعاكس منهج برانديلي الذي غير كل الأسلوب الإيطالي للاستحواذ الصرف والهجومية العالية فدفع الثمن غالياً في نهائي اليورو 2012 وبعدها في كأس العالم 2014 بعدما كشفت أوراقه جميعاً . والآن يأتي جيامباولو فينتورا ليكمل عمل كونتي وهو الذي سبق أن فعل ذلك في باري أي أن هناك دراية في كيفية المتابعة . وبناء على الأنباء الواردة والتحليلات في الصحافة الإيطالية  فإن الـ 3-5-2 ستكون الخطة الرسمية من الآن فصاعداً للمنتخب الإيطالي ، وهو ما يدل على أن كونتي بالتعاون مع الاتحاد وضعوا أسساً للعمل التكتيكي بشكل يحفظ شخصية المنتخب الإيطالي ويقدم التطور الذي يجاري كرة القدم في العالم .

رئيس الاتحاد الإيطالي تافيكيو وضح في المؤتمر الصحفي مع كونتي ماهية العمل الذي تم في العامين الماضيين مؤكداً بأن جلب كونتي لتدريب المنتخب لم يكن بالسهولة التي يعتقدها الجميع لأن الاتحاد الإيطالي اضطر لمنافسة كبرى الأندية الأكثر قوة مالية ، لكنه في النهاية نجح لأن النية هي إعادة البناء وهو ما تم حيث تم إعداد الطريق والآن من الواجب المضي به . فقد تمت إعادة هيكلة الاتحاد الإيطالي وتحديث مرافقه ومنشآته وبناء شبكة من كشافي المواهب حول إيطاليا. وفي المستقبل القريب سيكون للاتحاد طاقم عمله الفني الخاص (منصب المدير التقني حالياً قريب من المدرب الكبير مارتشيلو ليبي) بما يضمن الاستقرار .

أهم ما أسر رئيس الاتحاد الإيطالي به هو أنه سيتم مواجهة الأندية في المسألة التي أزعجت كونتي كثيراً وكانت السبب الرئيس في رحيله ألا وهي تحرير اللاعبين لمعسكرات خارج أوقات الفيفا . مؤكداً بأنه لولا وجود الاتحاد الإيطالي لما كانت هناك لا بطولات ولا حقوق تلفزيونية ولا أموال ، لكن الفوز بهذه المعركة ليس مضموناً ، إلأ أن تحريكها يعتبر إيجابياً للغاية واستمراراً في الطريق الذي بدأه كونتي في تغيير العقلية التي تحكم الكرة الإيطالية . لكن يبقى الأهم الذي لم يتكلم عنه الاتحاد الإيطالي هو موضوع الفئات السنية والشبان الذي يعتبر الأساس لأي عمل استراتيجي يعد به ،والأكيد أن هذه النقطة  لن تكون  غائبة عن الاتحاد ورئيسه ، لكن ماذا سيفعل الإيطاليون بشأنها هو السؤال .

الخبر بالكامل
رأيك يهمنا