برعاية

أنا زلاتان (8).. ما الذي حدث في هذه الحياة؟

أنا زلاتان (8).. ما الذي حدث في هذه الحياة؟

يستكمل "العربي الجديد" تقديم سلسله مقالات (عصير الكره) عن افضل وابرز ما كتب حول اسرار الساحره المستديره وعالم نجومها، ونستكمل سويّاً الكتاب الخاص بالنجم السويدي زلاتان إبراهيموفيتش.

قبل بدايه الموسم، تومي سوديربيرغ، مدرب المنتخب الوطني حينها، توقع فوز مالمو ببطوله الدوري.. لكن الامور مع انطلاقه الموسم لم تكن تُشير الي ذلك.. مالمو انطلق في سلسله خسائر وبات مهدداً بالهبوط لاول مره منذ حوالي 60 عاماً.. الجماهير كانت قلقه وغاضبه وجميع اللاعبين القدماء في الفريق كان يقع عليهم ضغط لا يُعقل.. كانوا يعلمون بان الامر يتعلق بالمدينه باكملها، وليس فقط بالنادي، اذا ما هبط الفريق للدرجه الثانيه في ذلك الموسم، كانت ستكون ماساه.. لكن رغم ذلك، كنت سعيداً لانني في الفريق الاول، ولان لديّ الفرصه لاظهر نفسي.. كنت اريد ذلك، كنت اريد اظهار كل قدراتي امام الجميع.. ربما لم يكن الوقت المناسب، لكنني لم اكن قادراً علي التراجع عن هذه الفكره في الحقيقه.

في اليوم الاول، جوني فيدل، حارس الفريق، صرخ فجاه امامي: "اين الكرات اللعـينه".. ذلك التصرف اغضبني جداً، وخاصه انني لاحظت ان الجميع ينظر لي، والجميع كان يتوقع مني ان اركض واجلب له الكره.. لكن لا، ليس في حياته! ليس وهو يتكلم بهذه الطريقه.. قلت له: "اذا كنت تريد الكرات، اذهب واحضرها لنفسك".. ثم تركته.. لم تكن الطريقه المعتاده للرد في نادي مالمو.. لكن مره اخري تظهر نزعه الحي الذي ترعرعت فيه بداخلي.. لم يكن ذلك التصرف مالوفاً.. لكن اظن انني كنت احظي بدعم المدرب رولاند ومساعده.. حتي بالرغم من انهم كانوا يفضّلون توني عليّ في الفريق.. فلقد لعب توني مع الفريق وسجل في اول ظهور له.. بينما كنت اجلس علي الدكه.. كنت انتظر واريد اللعب، لكن الانتظار لم يكن يساعد علي شيء.. ربما كان عليّ ان لا اتعجّل.. لكن هذه الطريقه لا تعمل معي. كنت اريد ان احصل علي فرصتي واؤكد نفسي فوراً.

حتي طريقتي لم تعمل معي جيداً.. في 19 سبتمبر/ ايلول 1999، واجهنا نادي هالمستالد علي ملعبه.. كانت مباراه مصيريه بالنسبه لنا، اذا حققنا الفوز او التعادل فهذا سيعني اننا قمنا بضمان البقاء في الدرجه الاولي، واذا خسرنا، كان هذا يعني باننا سنستمر تحت تهديد الهبوط في الجولات المتبقيه.. كل اللاعبين كانوا يشعرون بتوتر وضغط كبيرين.. بدات المباراه، وفي بدايه الشوط الثاني مهاجم فريقنا نيكلاس غودمنسون تعرّض للاصابه.. كنت احلم بان يمنحني المدرب الفرصه للدخول، لكنه لم يفكر حتي باشراكي.. استمر اللقاء والنتيجه قبل النهايه كانت التعادل بهدف لمثله، وقبل نهايه اللقاء بـ15 دقيقه، تعرض قائد فريقنا هاس ماتيسين للاصابه ايضاً، وفوراً بعد ذلك سجل نادي هالمستاد الهدف الثاني!

الفريق كله اصيب بالاحباط.. والضغوط ازدادت.. حينها قام رولاند بادخالي للملعب.. وعلي عكس الجميع، كنت اشعر بالادرينالين ينفجر بداخلي.. كان مكتوباً علي قميصي من الخلف "ابراهيموفيتش".. كان الامر رائعاً. كنت اشعر بحماس كبير. كنت اشعر بانهُ لا يمكن ايقافي.. وفوراً انطلقت في احدي الهجمات وسددت كره ارتطمت بالعارضه وخرجت.. بعد ذلك حدث شيء ما في الدقائق الاخيره: حصلنا علي ضربه جزاء! وبالتاكيد بامكانكم ان تفهموا ان المساله اصبحت حياهً او موتاً.. لو تم تسجيل ضربه الجزاء، فشرف النادي سيتم حفظه، واذا لم نفعل، فاننا سنخاطر بسمعه النادي في الجولات المقبله.. رايت التردد علي وجوه معظم اللاعبين.. لم يتجرا احد منهم ليسدد ضربه الجزاء.. ما عدا ذلك الفتي المغرور توني، الذي قام بحمل الكره والتقدم لنقطه الجزاء: "ساسددها".. كان امراً كبيراً منه. كان هو الاخر من البلقان ولا يعرف التردد، لكن رغم ذلك كنت اري انه من الافضل لو تم ايقافه ومنعه، لانه لا يزال شاباً علي حمل هذا العبء الثقيل.

توني اضاع ضربه الجزاء. كنت اعرف ذلك من اللحظه التي بدا يتحرك فيها باتجاه الكره. الحارس درس خطواته بسهوله.. كان امراً صعباً علي الفريق. خسرنا المباراه. ومن ثم بدا توني يُجمّد من قبل المدرب.. في تلك النقطه، انطلقت امامه واصبحت مفضّلاً عليه.. شعرت بالاسي لاجله في الحقيقه، لانه لم يعد ليلعب في مستويات كبيره، وانا حصلت علي وقت اكبر للّعب.. شاركت بعد ذلك بست مباريات كاحتياطي في الدرجه الاولي، ورولاند كان في احد مقابلاته قد وصفني بـ"الالماسه غير المصقوله".. هذه الكلمات علقت في ذهني.. وبعدها بايام قليله رايت الاطفال ياتون اليّ ويطلبون توقيعي.. لم يكن بالامر الجلل، لكنني شعرت بالسعاده بسببه، وقلت لنفسي: الان يجب ان اتطور، لا يمكنني ان اخذلهم.

الشيء السلبي كان هو انني بدات احظي بلحظاتي في اسوا اللحظات التي يعيشها الفريق.. اتذكر اننا خسرنا امام تريلبورغ في ملعبنا، لهذا بدات الجماهير بالبكاء في المدرجات.. غضبوا كثيراً وكانوا يلوحون بلافتات الاستقاله للمدرب رولاند.. لم يخرج الا بحمايه الشرطه.. حتي حافله نادي تريلبورغ قامت الجماهير برميها بالحصي والقذارات.. الامور ازدادت سوءاً عندما اهاننا نادي ايك بعدها بعده ايام.. تلك الخساره، جعلت الهبوط الي الدرجه الثانيه: حقيقه واقعه! هبط الفريق للدرجه الثانيه، لاول مره منذ 64 عاماً. مالمو لن يلعب في الدرجه الاولي!

بعد ذلك، استمرينا بالتدرب في النادي، وبالتاكيد لم يكن هناك اي حضور جماهيري.. فلقد اهدرنا فخر المدينه ولم يكن احد يود رؤيتنا.. لكن اثناء التدريبات، ظهر رجل كبير، قادم من بعيد.. كان ينظر الينا.. وعندما تمعّنت في النظر اليه شعرت بشيء غريب.. ومن ثم استمريت بالتدرب والقيام ببعض الحركات مع الكره.. وبالطبع، لزمني الكثير من الوقت لكي استوعب الشيء الذي سيحدث.. لانني صنعت طريقي بنفسي طوال حياتي، لم يساندني احد، سواء رجل كبير او مسن او حتي غير ذلك.. لم يسبق ان شاهدت احداً قريباً مني، اي من مبارياتي، خاصه والدي الذي لم يشجعني قط في كره القدم، كان لديه الشراب ويوغوسلافيا وتلك الاخبار.. لكن الان! لا اصدق: القادم من بعيد هو فعلاً والدي!

جاء ليجلس ويتابع.. انفجرت في تلك اللحظات ولم اكن اصدق.. كنت العب بطاقه عظيمه: يا الهي، ابي هُنا، هذا جنون!.. كنت اصرخ عليه واقول له: "انظر هنا، تابع هذه الحركه.. اتري.. ابنك افضل لاعب في العالم".. هذه كانت واحده من اجمل لحظات حياتي.. اؤكد لكم.. لم احظ بها من قبل في الحقيقه.. لو كانت هناك مشكله، كان سياتي مسرعاً مثل الغول.. لكن ان ياتي بهذه الطريقه، هذا شيء جديد تماماً في حياتي.. بعد النهايه، ذهبت اركض اليه، وبدات اتحدث معه واحدثه عن روعه هذا الامر، وكانه كان من المعتاد ان اشاهده هُنا.

- "لعبت بطريقه رائعه زلاتان".

ما الذي حدث؟ اعتقد ان والدي اصابه الجنون.. هل اثّرت فيه السموم التي يتناولها؟ لقد اصبح يتابع كل شيء يتعلق بي، اصبح يتابع كل التدريبات.

ومنزلنا اصبح وكانه متحف خاص بمسيرتي.. كان يقص كل المقالات التي تُكتب عني، وكل الصور، ومن ثم يحفظها هناك.. كنت اساله في اي يوم عن احدي مبارياتي السابقه: كان فوراً ياتي بتسجيل كامل لها، وبكل ما كتب عنها في الصحف! ليس هذا فقط، والدي احتفظ بكل الاحذيه والقمصان التي لعبتُ بها طوال مسيرتي.. وحتي الجوائز الشخصيه التي حصلت عليها.. كل شيء تريد عني، فقط قل اسمه وسيظهر لك.. والدي وضع كل شيء في ذلك المتحف.. ليس بالترتيب الذي كانت عليه علب البيره سابقاً، لا.. الترتيب كان مذهلاً ايضاً.. كل شيء في مكانه المناسب.

اثناء التحضيرات للموسم، واجهت شخصاً من ترينيداد وتوباغو.. كان رائعاً.. كان باحد الرحلات معنا، وبعد الوصول جاء اليّ:

- "اذا لم تصبح محترفاً خلال ثلاث سنوات، فهذا خطؤك".

بالتاكيد سمعته.. استغرقت وقتاً لكي استوعب ما قال لي.. هل بالامكان ان يكون هذا الامر صحيحاً؟ لو قالها لي شخص اخر لم اكن ساصدقه، لكن هذا الرجل.. يبدو بانهُ يعرف شيئاً.. لقد كان يجوب العالم، وكلماته بالفعل كانت بمثابه الحقنه بداخلي.. هل انا فعلاً موهبه، وهل بامكاني ان اكون محترفاً.. شيئاً فشيئاً بدات اؤمن بهذا الامر.. ومن ثم بدات اطوّر من لعبي واعمل علي التحسّن.. بعد فتره، جاء مدافع المنتخب السويدي السابق هاس بورغ، ليصبح مديراً رياضياً في مالمو.. بورغ لديه نظره جيده.. في احدي المرات كان يراقبني، واعتقد انه ادرك موهبتي منذ ذلك الحين، كان يذهب للصحافيين ويقول اشياء مثل: لاحظوا هذا الشاب.. سيصبح صاحب مستقبل كبير.. من ضمن الصحافيين كان هناك صحافي اسمه رون سميث.. كان رائعاً، وبدا يتابعني.. بعد التدريبات، جاء وتحدث معي، ولم يكن هناك اي شيء خاص في الحديث.. كنت اتحدث عن مستقبلي وعن الدرجه الثانيه، وعن حلمي بالاحتراف في ايطاليا مثل رونالدو.. رون سكت وابتسم ولم يقل اي شيء.. انا انصرفت ولم اكن اعرف ماذا اتوقع منه.. بعد عده ايام، كتب رون في الصحيفه: "لدينا خبر جيد للمستقبل، زلاتان يبدو لاعباً مثيراً في الهجوم، باسلوب مختلف ورائع".. كان امراً كبيراً بالنسبه لي.. رون ايضاً ذكر كلمه الالماسه غير المصقوله مره اخري.. بدا الاولاد والاطفال ينهالون عليّ بعد كل فتره تدريبات. كانت تاتي بعض الفتيات ايضاً وبعض الرجال ليطلبوا توقيعي.. كانت تلك هي بدايه الهستيريا حول زلاتان.. كنت اتساءل: ما الذي حدث في هذه الحياه؟

اقرا ايضاً :انا زلاتان(1)... غوارديولا اشتري فيراري واستعملها كـ "فيات"!

الخبر بالكامل
رأيك يهمنا