برعاية

فيات 1983.. أو يوفنتوس

فيات 1983.. أو يوفنتوس

انعكاس وجهي يظهر على التلفزيون بالنظر إلى أنها تحولت إلى شاشة داكنة لا يقطع صمتها سوى جملة "نعتذر عن هذا العطل الفني الطاريء".

ذلك الانعكاس يذكرك بأنك تحترق لمعرفة نتيجة تلك المباراة التي كانت معروضة على الشاشة وأقيمت على ملعب موحل لا يبدو أنيقاً كمثيله في ملخصات الدوري الإنجليزي.

النتيجة التي تركت عليها المباراة قبل انقطاع الإرسال كانت 2 للفريق الأبيض والأسود مقابل لا شيء للفريق الذي يرتدي القميص الأحمر القاني.

العطل الفني معناه أن هناك المزيد من اللقطات ستأتي مع عودة الإرسال.

القميص بالشريطين الأسود والأبيض الرفيعين الذي يحمل شارة أريستون كان متقدماً بهدفين، واثقاً لحد العجرفة، متهملاً على نحو مستفز.

انعكاس وجهي يختفي من الشاشة على نحو مباغت . الإرسال عاد للعمل.

أول صورة كانت للاعب من الفريق الأحمر القاني يجري فرحاً. بعدها بدقيقة واحدة كان زميله يحتفل بهدف ثان.

اللقطة التالية كانت للاعب أحمر قاني يستعد لاستقبال كرة عرضية من وضع طائر، بعدها بثانية كان الحارس يسبح محتضناً الكرة بين الشباك.

اسم صاحب الهدف كان مكتوباً بجرافيك فقير ولكنه كان مميزاً: فورتوناتو توريسي.

الفريق صاحب الرداء الأحمر القاني هو تورينو. كان من المفروض أن أشجعه بعد مشاهدة هذه الأهداف، والذي حقق معه توريسي معجزة صغيرة.

لكن كل ما جذبني في نهاية ذلك الملخص كان وجوها منكسة لأصحاب الفريق صاحب الرداء الأبيض والأسود.

باولو روسي، لزميل له بشعر أبيض كامل (روبرتو بيتيجا)، أما صاحب القميص رقم 10 رفض الحديث للكاميرات.

من خلف صاحب القميص رقم 10 كان هناك رجلا أكبر في السن فقد أغلب شعره يحتضن لاعبي تورينو من الفرحة بعد الفوز (لوتشيانو موجي).

وأخيراً في الصورة، ظهر صاحب القميص الأبيض والأسود رقم 3. الجميع كانوا ينادونه بالسيد كابريني.

الشعر مبلل من الإجهاد، عضلات بطن لا تكترث ببرودة جو ذلك التوقيت من العام، ويد تفسح المجال للدخول لغرفة خلع الملابس في توقيت كان يعلم فيه شخصياً أن اللقب المحلي على وشك الضياع.

الآن وبعد كل تلك السنوات أقابل هذا الرجل شخصيا.

الشعر عاد للوراء، لم يعد هناك عضلات للبطن بل فقط ترهلات تحاول أن تجد لها مكاناً تحت السترة الفضية لطاقم التدريب الذي كان يرتديه، يوجد بعض أثار العرق الذي يليق بكابريني في سن السادسة والخمسين.

كنت أنا في إسبانيا. وفجأة وجدت كابريني أمامي على وشك الاصطدام بي بعد النزول من الحافلة أمام مطعم نبراسكا.

أربع ثوان أحدنا يحاول الاعتذار للآخر بعد الاصطدام، ثم ذهب هو ينضم لبقية الجهاز الفني المساعد بالزي الرمادي الموحد له في منتخب إيطاليا للسيدات.

كان يسير عكس اتجاه الشارع الطويل المؤدي لملعب سانتياجو برنابيو بعد 31 عاماً من نفس الرقعة الخضراء التي كادت أن تهديه لقب “الفاشل” كأول لاعب يهدر ركلة جزاء في نهائي كأس عالم على الإطلاق.

أنطونيو كابريني الكهل كان يبدو ملولاً، يحاول تفقد ما تغير في المدينة التي ملكها لمدة يوم واحد في تلك الليلة الصيفية من 82.

يمر من أمامه زوج في السبعين من عمره، ثم مجموعة من المراهقين في الـ16.

ما لفت انتباهي في هذا المشهد أن جميعهم لم يلحظ أو يعرف هذا الإيطالي الذي احتلت الشحوم خصره.

يوفنتوس 83.. عالم كابريني وبتيجا

من لا يعرف كابريني ربما فاته لحظات من تلك التي تجعلك تعرف أن تشجيع يوفنتوس سيصبح جزء من حياتك.

لازلت أذكر اللحظة التي لمح فيها بتيجا انطلاقة كابريني من الجبهة اليسرى في تلك الليلة من أول أسابيع مارس 83 أمام آستون فيلا.

كابريني أرسل عرضية من الأحلام على رأس روسي.

هذا هو عالمي مع يوفنتوس.

يوفنتوس الذي رقص في تاريخه العريق مع نظام موسوليني في الثلاثينات.

نادي العلاقة المتوترة بين الرأسمالية الوطنية الإيطالية وبين الحركة العمالية طيلة نصف القرن التالي. فريق شركة فيات موتور التي قررت الاستمرار مع البيانكونيري رغم الصدمات، والصدام مع القاعدة الشعبية “العمالية” في الأساس للنادي.

القذافي كان مساهماً أساسياً في إنقاذ مستقبل مشروع تراباتوني في منتصف السبعينات مع يوفنتوس.

كل هذا كان نصف هراء لو نظرنا لتمريرة تارديلي إلى بلاتيني، من نفس اللمسة يخرج انفراد من وسط أربعة لاعبين من آستون فيلا حامل اللقب، انفراد لبونيك، يتم تتوجيه لهدف، جمال خالص.

احتفال أصحاب الشرائط البيضاء والسوداء، أريستون على الصدر، على قميص يصل لمنطقة الفخذ، أعلى جوربين مترهلين يصلان لمنطقة الكاحل، يغطيهما بعض الوحل الإنجليزي المعتاد من “غيطان الثمانينات”.

في هذا النادي هناك مكان للـ"كل". يمكنك مشاهدة كل أنواع الشخصيات العظيمة غير المتجانسة في فريق واحد.

هناك مكان لجزارين مثل جنتيلي أو بونيتي. جنباً إلى جنب شغيلة من أمثال سيرجيو بريو أو مراهق من سان مارينو باسم بونيني، حتى في وجود تارديللي، كابريني نفسه، بونيك، بلاتيني وروسي وبتيجا، هناك مكان لدينو زوف في عقده الخامس، في وسط كل هذا قلب الفريق وعقله يظل جايتانو تشيريا.

تشيريا؟ هناك جيلان أو ثلاثة لا يعلمون صاحب ذلك الاسم، تماماً كما لا يعلمون أهمية مانفريد كالتس أو كارل هاينز بريجيل أو مانويل اموروس، أو كابريني نفسه.

يوفنتوس. و4 – 3 – 3 صلبة ، عنيدة ، أحكم تراباتوني صواميلها على مدار 8 أعوام.

اليوفي ليس مجدداً وقحاً، بل تقليدي متعجرف في كثير من الأحيان معتمداً أن عناده هو جزء من نجاحه.

ذلك العناد يصبح إشارة إنذار لجمهوره.

عرفها أمام تورينو في نفس مارس 83 ، أمام إرنست هابيل في نهائي أثينا أمام هامبورج بعدها بـ 40 يوماً في نهائي الأبطال (درس نموذجي من كالتس ورولف وميلفسكي وجروه في الرقابة الفردية).

نفس الكابوس كان قريباً من بعد صاروخ باتيستون في نصف نهائي 85 ، هدف واحد وبوردو يصل بالمواجهة للوقت الإضافي، معوضاً الخسارة إياباً في تورينيو 0 – 3.

من بين كل الناس كان الإنقاذ من حارس المرمى البديل لوتشيانو بوديني، تماماً كما كان المشوار كله أحد أهم عناصره مجهولا قصيرا مثل فينيولا.

ذلك المزيج الغريب بين تقليدية تاريديلي وتشيريا كان يبدو مدهشاً إلى جانب مثلثات بلاتيني وروسي وبونيك الدائمة (هدف اليوفي في باريس سان جيرمان 84).

الخبر بالكامل
رأيك يهمنا