برعاية

(تحليل) في حضرة ميسي.. تهتزّ الثوابت الكرويّة!

(تحليل) في حضرة ميسي.. تهتزّ الثوابت الكرويّة!

"لا يوجد دفاع بامكانه وقف خطورته. انه امر مستحيل. لا يوجد مدرب يقدر علي فعل ذلك. لا يمكن ايقاف الموهبه"، هكذا كانت اجابه بيب جوارديولا حينما سئل قبل المباراه في المؤتمر التقديمي عن كيفيه التعامل مع الارجنتيني ميسي، مؤكداً ان هذه الطينه من اللاعبين عندما تكون في مستواها وجاهزيتها، من المستحيل التعامل معها بشكل طبيعي، لانها نوعيه خارجه عن المالوف، وتختلف تماماً عن بقيه الاسماء الاخري داخل المستطيل الاخضر.

وبعد نهايه المباراه بفوز برشلونه بالثلاثه، قالها بيب صريحه دون تاويل: "الم اقل لكم من قبل؟ ميسي لاعب غير قابل للتصنيف. حاولنا فعل شيء ضده، واعتقدنا اننا نجحنا في ذلك خلال 75 دقيقه، لكن ميسي قلب المعطيات كعادته، ووضع فريقه في موقف افضل خلال جولتي نصف النهائي".

البعض قال ان جوارديولا يبالغ قبل المباراه، وتصوّر جزء غير قليل من المتابعين انه يحاول اخماد بركان ليو بهذا الكلام المعسول، وانطلق معظم المراقبين الي النهايه البيزنطيه المكرره نفسها، كان علي هذا المدرب فعل ذلك، بينما اخطا ذلك الاسم في التعامل مع هذه اللعبه، وذهب اخر الي التاكيد بضروره قيام "الكوتش" بسماع نصائحه حتي ينجح في المباراه القادمه، وكان كره القدم في النهايه علم مكتمل الاركان، له قواعده التي لا تتغيّر ابداً، لكن في هذه اللعبه، ليست النتيجه النهائيه لمقدمه 1 + 1 تكون 2 في كل الاحوال!

اتفق جوارديولا مع صديقه الحميم خوانما ليّو، اثناء فتره وجود الثنائي في المكسيك قديماً، علي صبغه تكتيكيه واحده، خاصه باخذ كل التفوق من التمركز، لذلك اعتمد الفيلسوف علي فكره التمركز المحوري بمنطقه الوسط، وجعل الخصم يتحرك تجاه الكره لا لاعبيه الذين يتخذون مواقع افضل نتيجه تمركزهم المثالي. ويتذكر الفيلسوف نصيحه العبقري المنسي اثناء مشاهده المباريات بالمكسيك وتحليلها، عندما ساله ما فائده لعب الكره بين الخطوط طالما لا تستفز الخصم وتجعله بعيداً عن مناطقه؟

وعندما لا يستطيع جوارديولا الهجوم، فانه يدافع بالكره، اي يحاول الحصول عليها وحرمان الخصم منها، مع تثبيت لاعبيه في الاماكن الصحيحه داخل الملعب، حتي اذا فكر المنافس في الهجوم وتبادل التمريرات، فانه يصطدم دائماً بغابه منظمه من السيقان في منتصف الملعب، وهذا ما حدث بالتحديد خلال اول 75 دقيقه من المباراه.

بدا بايرن ميونيخ اللقاء بثلاثي خلفي صريح، وجاءت اول هجمات برشلونه عن طريق سواريز نتيجه المساحات الشاسعه امام نوير، لذلك اعاد المدرب وضعه سريعاً وتحوّل الي رباعي دفاعي واضح، رافينيا، بنعطيه، بواتينج، وبرنات امام نوير، مع وجود الونسو كمدعم مستمر، يرافقه كلاً من تياجو وشفاينشتايجر خلف موللر وليفاندوفيسكي، لذلك ضغط البافاري باكثر من خمسه لاعبين في منتصف ملعب البارسا، ما نتج عنه شلل كاتلوني تام، ظهر بوضوح خلال بدايه الشوط الثاني.

كره القدم لعبه لها قواعدها وقوانينها الخاصه، التي ينص احد بنودها علي ضروره خنق الخصم بمراقبه لاعب ارتكازه، لذلك وجد بوسكيتس نفسه محاصراً كلما وصلته الكره، ولجا برشلونه في معظم الاحيان الي التمرير الطرفي عن طريق الاظهره، لذلك شاهدنا كميه غير عاديه من رميات التماس سواء علي اليمين او اليسار، وسارت المباراه نحو نتيجه التعادل السلبي او التوقع الاخر الخاص بخطف هدف من احد الفريقين في الدقائق الحاسمه، لكن كل هذه الثوابت جري نسفها تماماً، والسبب ميسي!

يحصل ميسي علي الكره، يعاني من عنف نتيجه تدخل علي القدم، لكنه لا يتوقف، يقوم الخصم بشد قميصه ويستمر الرقم 10 في المضيّ نحو هدفه. كره القدم هذه الايام تدور كثيراً حول الحصول علي ضربه جزاء، او اجبار اللاعب المنافس علي تلقي انذار او طرد، ويبدو لي ان ميسي لا يهتم ابداً بتلك الامور والاجزاء، ويلعب كره قدم خاصه به هو فقط.

وامام بايرن فعل ميسي هذه الصفات بالتحديد، استغل الفيش خطا برنات القاتل ورمي الكره سريعاً الي ليو، الارجنتيني يستلم في اضيق فراغ ممكن، امامه مدافع يغلق الزاويه وبجواره فيليب لام، اللاعب الذي استخدمه جوارديولا عند الحاجه لمراقبه نجم برشلونه، لكنه يحصل علي الكره ويتخذ القرار في جزء من الثانيه ويضع الكره في الزاويه الميته للعملاق نوير محرزاً الهدف الاول.

وبدا العرض منذ هذه اللحظه، ونسف الملك رقم 10 كل خطط وعمل جوارديولا، الرجل الذي حاول قدر المستطاع ايقاف خطوره بارسا، وكان قاب قوسين او ادني من تحقيق نتيجه ايجابيه في كامب نو رغم غياباته، لكن ميسي كعادته يفعل المستحيل. وتؤكد كل النظريات ان افضل طريقه ممكنه لتسجيل هدف هي القطع في العمق والتسديد، لكن ليو يفعل العكس، يختار المراوغه والاستمرار في الجهه نفسها محرزاً هدفاً اكروباتياً فوق راس افضل حارس في المعموره!

من الصعب جداً تحديد الصفات الرئيسيه التي تستطيع بها تحديد قيمه اللاعب او دوره، وهنا لفظ اللاعب يطلق فقط علي عظماء اللعبه. مارادونا، دي ستيفانو، بيليه، اسماء لها ثقل كبير تاريخياً، لكن من الصعب تحديد افضليه نجم علي اخر، لان كل لاعب له صفاته الخاصه التي جعلته في مكانه مختلفه عن الجميع، وبالتالي يجب ان يطلق عليهم مصطلح اللاعب بشكل شمولي، وميسي هو الـPLAYER بالمفهوم الخالص في الزمن الحالي.

هناك نجوم عظام حالياً يستحقون التخليد في سجلات التاريخ، لكنهم في النهايه "لاعبي كره قدم"، بينما ميسي هو "اللاعب" وفق المفهوم البدائي للكره. لذلك يقول عنه اريجو ساكي بعد نهايه القمه: "ميسي يشبه دييجو. من المستحيل مراقبته رجلاً لرجل، او اثنان ضده او حتي ثلاثه. يجب ان يتحد الفريق بشكل كامل داخل نظام تكتيكي مغلق من اجل ذلك". وهذا الامر من الممكن ان يحدث لكن نادراً وفي ظروف خاصه جداً، مع الاسباب الخاصه التي من بينها الا يكون ليو في يومه.

الخبر بالكامل
رأيك يهمنا