برعاية

«مكانهن ليس المطبخ».. كيف تطورت كرة القدم النسائية من الحظر إلى الازدهار؟ - ساسة بوست

«مكانهن ليس المطبخ».. كيف تطورت كرة القدم النسائية من الحظر إلى الازدهار؟ - ساسة بوست

حين اقترح جواو هافيلانج، رئيس «الفيفا» ما بين 1974 و1998، إقامة كأس العالم للسيدات في بداية التسعينات، ربما لم يكن يتوقع أن تحطم مبيعات تذاكرها الأرقام القياسية، كما أعلن مسؤولو «الاتحاد الدولي لكرة القدم» في أبريل (نيسان) الماضي. ورغم أنه عمَّر 100 عامٍ، منذ ولادته في 8 مايو (أيار) 1916 وحتى وفاته في 16 أغسطس (آب) 2016، إلا أن الأقدار عاجلته قبل أن يشهد ما وصلت إليه البطولة المولودة من بنات أفكاره في نسختها الثامنة التي تستضيفها فرنسا حاليًا، وإن ظل مواكبًا للتطوُّرات منذ البطولة الافتتاحية التي استضافتها الصين في عام 1991.

ومن المفارقات أن هافيلانج الذي دشن موجة جديدة من المنافسات تحت رعاية «الفيفا»، مثل بطولة الشباب تحت سن 17، وتحت سن 20، وكأس الاتحاد الدولي للقارات في كرة القدم، اتهمته النيابة السويسرية وزوج ابنته ريكاردو تايتشيرا بتلقي رشوة بملايين الدولارات من «وكالة الرياضة والترفيه الدولية السويسرية» مقابل استمرار وضعها كشركة التسويق الرسمية الوحيدة لـ«الاتحاد الدولي لكرة القدم».

في البدء شهدت كرة القدم النسائية بدايات صعبة في مختلف أنحاء العالم، حتى أن النساء مُنعن من ممارستها في بلدها الأصلي، إنجلترا، خلال الشطر الأكبر من القرن العشرين. قبل أن يتغير المشهد، وتسهم التغطية الإعلامية الواسعة لكأس العالم للسيدات في تحقيق أرقام مشاهدة استثنائية في مختلف البلدان، وتشهد مستويات غير مسبوقة من احضور جماهيري في البرازيل وفرنسا والمملكة المتحدة.

صحيحٌ أن أعداد متابعي مباريات كأس العالم للرجال لا تزال أكبر، بواقع 1.12 مليار شخص شاهدوا مباراة نهائي كأس العالم للرجال العام الماضي، بحسب إحصاءات «الفيفا»، إلا أنه لا ينبغي إغفال 60 مليون شخص شاهدوا مباراة نهائي كأس العالم للسيدات 2015، ولا الإنجازات الذي أحرزتها الرياضة النسائية خلال السنوات الماضية.

من مباريات «تزويج الفتيات» إلى حملات رفع الروح المعنوية

كرة القدم النسائية في بريطانيا لها جذور أعمق. ففي القرن الثامن عشر كانت نساء أسكتلندا العازبات يلعبن مباراة سنوية ضد نظرائهن المتزوجات، رغم أن الدوافع وراء المسابقة لم تكن رياضية بحتة، حيث كان الجمهور من الرجال العزب الذين يأملون في اختيار عروس محتملة بناءً على قدراتها في كرة القدم. بحلول أواخر القرن التاسع عشر، ومع انتشار لعبة القدم الرجالية في جميع أنحاء بريطانيا كالنار في الهشيم، بدأت النساء أيضًا في ممارسة كرة القدم الجماعية، بفضل الرائدات الأوائل أمثال نيتي ج. هونيبول، مؤسسة «نادي السيدات البريطاني لكرة القدم (BLFC)» في عام 1895.

كان هونيبول اسمًا مستعارًا؛ لأن العديد من نساء الطبقة المتوسطة والعليا اللائي لعبن كرة القدم في أواخر القرن التاسع عشر، لم يكن حريصات على الإعلان عن مشاركتهن في رياضةٍ تُمَارس في الحقول الموحلة، لكن التاريخ يسجل المزيد عن السيدة فلورنس ديكسي، ابنة مركيز كوينزبيري التي رأست نادي «BLFC» في عام 1895، وكانت متحمسة للمساواة بين الجنسين، وعملت أيضًا كمراسلة ميدانية لصحيفة «مورنينج بوست» خلال حرب البوير الأولى.

رتب نادي «BLFC» مباريات ودية بين فرق من شمال إنجلترا وجنوبها لجمع الأموال من أجل الأعمال الخيرية. ورغم أن المباريات جذبت انتباه الآلاف، إلا أن الصحف لم تكن بنفس السخاء في اهتمامها، بل كتب مراسل صحيفة «مانشستر جارديان» مثبطًا: «بعدما يبلى الثوب الجديد، لا أعتقد أن كرة القدم النسائية ستجذب الحشود».

هذا بالفعل ما حدث؛ لأن الشعبية المتزايدة لكرة القدم الرجالية سيطرت على الاهتمام العام. ولا غروَ، ففي عالمٍ لا يُسمح فيه للنساء بالتصويت، سيحتاج الأمر ظروفًا استثنائية لجذب الانتباه إلى ملاعب كرة القدم النسائية. ولغرابة المقادير، نشأت تلك الظروف بينما كان العالم يحترق في عام 1914 مع اندلاع الحرب العالمية الأولى.

تمكن دوري كرة القدم من إكمال حملته في 1914/1915 كما كان مخططًا، لكن المنافسات توقفت في نهاية الموسم مع انضمام الرجال إلى المجهود الحربي، وحذت النساء في جميع أنحاء بريطانيا الحذو ذاته. وعلى الرغم من قيامهن بمجموعة واسعة من الأدوار أثناء النزاع، فإن الصورة الأكثر ديمومة كانت صورة «فتاة الذخائر»؛ حيث تولت نحو 700 ألف امرأة إنتاج الجزء الأكبر من الأسلحة التي استخدمها الجيش البريطاني خلال الحرب.

ومثلما فعل الرجال من قبل، بدأت النساء العاملات في المصانع يلعبن مباريات كرة قدم غير رسمية خلال استراحات الغداء. وبعد بعض التردد في البداية، جاء رؤساء المصانع لمشاهدة هذه الألعاب كوسيلة لتعزيز الروح المعنوية، وبالتالي زيادة الإنتاجية، لكن سرعان ما تشكلت فرق ورتبت مباريات ودية.

في شركة «ديك كير آند كو»، التي كانت تصنع القاطرات والترام في بريستون ثم تحولت إلى إنتاج الذخيرة عند اندلاع الحرب، أظهرت العاملات استعدادًا خاصًا للعبة. وعلى مدار الأعوام التالية، لعبت سيدات الفريق العديد من المباريات الودية لجمع الأموال لـ«الرابطة الوطنية للجنود والبحارة المعاقين والمسرحين»، وفازت بمعظم اللقاءات.

تقول روزي ماثيسون، مديرة التطوير والتسويق لفريق «Lewes FC» النسائي في إنجلترا: «أصبحت كرة القدم النسائية تحظى بشعبية كبيرة خلال الحرب العالمية الأولى، عندما كان الرجال مشغولين بالحرب. بدأت النساء يلعبن كرة القدم في المصانع التي تنتج أسلحة للمجهود الحربي. كن يلعبن أثناء فترات الاستراحة، وشكلن فرقًا لممارسة الرياضة. ثم أصبحت كرة القدم النسائية تحظى بشعبية كبيرة لدرجة أن قرابة 10 آلاف شخص خرجوا في عيد رأس سنة 1917 لمشاهدة مبارة بين فريقين للسيدات من شمال إنجلترا».

«ميسي» يظهر في ملاعب كرة القدم النسائية

حتى بعدما وضعت الحرب أوزارها في عام 1918، وعاد الرجال إلى الوطن، واصل فريق «ديك كير»، وغيره من الفرق النسائية، جذب انتباه عدد كبير من الجماهير. بحلول عام 1920، كانت هناك حوالي 150 لاعبة في إنجلترا، وأخريات المزيد في ويلز واسكتلندا. وفي تلك السنة، استطاعت نساء فريق «كير» حشد 53 ألف شخص في منتزه «جوديسون» في إيفرتون، بالإضافة إلى نحو 14 ألف آخرين لم يستطيعوا الوصول بسبب الازدحام الشديد.

وشُكِّلت العديد من الفرق النسائية، حتى أطلق على هذه الفترة «العصر الذهبي لكرة القدم للسيدات»، وبرزت أسماء لامعة مثل ليلى بار التي لعبت مع فريق «ديك كير» للسيدات، وكانت تعتبر «ليونيل ميسي عصرها»، رغم أنها كانت تلتهم السجائر كما لو كانت تخوض سباقًا مع مَدخنة. ولم تكن ليلى هي لاعبة كرة القدم الوحيدة التي أعلنت مثليتها الجنسية على الملأ، حيث صرح عضوان في فريق كرة القدم الوطني للسيدات في الولايات المتحدة، هما المدافعة ألكسندرا كريجر  وحارسة المرمى آشلين هاريس، خطبتهما، بعد أن ظلا يتواعدان لمدة تسع سنوات، تمهيدًا للزواج.

استمرت كرة القدم النسائية في النمو مع زيادة عدد الجمهور الذين يحضرون المباريات، حتى أن اتحاد كرة القدم حظر المباريات النسائية في إنجلترا لفترة قصيرة في عام 1921؛ خشية أن تشغل كرة القدم النسائية المتفرجين عن حضور مباريات الرجال.

يوهان كرويف.. «الهولندي الطائر» الذي صنع أسطورة الجيل الحالي لأياكس أمستردام

تسامح الاتحاد مع كرة القدم النسائية خلال الحرب؛ لأن مباريات الرجال كانت متوقفة، ولأن مباريات النساء كانت تسهم في جمع الأموال للمجهود الحربي. لكن في السنوات التي أعقبت الصراع، كان هناك خوف حقيقي من أن تؤثر اللعبة النسائية على حضور دوري كرة القدم الرجالي، وشعر الاتحاد بأنه مضطر للتدخل. كما أكد الاتحاد في ذلك الوقت أن كرة القدم «غير مناسبة للإناث ولا ينبغي تشجيعها»، وبناء على نقاش استغرق 15 دقيقة فقط حُظِرَت اللعبة على أساس أنها تشكل خطرًا جسديًا على النساء.

إذا كان بإمكان أي نادٍ أن ينجو من الحظر، فقد كان «ديك كير»، حيث أبحرت اللاعبات في عام 1922 للقيام بجولة في أمريكا الشمالية. ورغم أن تعليمات «اتحاد كرة القدم الإنجليزي» لاحقتهن، ومنعهن «اتحاد كرة القدم الكندي» من اللعب، إلا أنهن أنهن تمكن من الوصول إلى الملعب في الولايات المتحدة، حيث لم تكن كرة القدم النسائية قد حصلت على موطئ قدم بعد، واجتذبن حشودًا تصل إلى 10 آلاف متفرج.

تأسس «اتحاد كرة القدم النسائي» في عام 1969، لكن تقدم اللعبة ظل بطيئًا لأن الاتحاد الانجليزي رفض رفع الحظر. واستغرق الاتحاد 87 عامًا حتى اعتذر في 2008 عن منع النساء من لعب كرة القدم في أواخر الربع الأول من القرن الماضي. وحتى بعد رفع الحظر لم يكن هناك ما يكفي من الموارد أو التركيز على الألعاب النسائية. ولم تجد الموارد طريقها إلى اللعبة النسائية إلا خلال العقدين الأخيرين فقط.

من تدريبات كأس العالم لكرة القدم النسائية المقام في فرنسا

من الصعب تحديد تأثير الحظر الذي فرضه «الاتحاد الإنجليزي» عام 1921 على كرة القدم النسائية، لكن من الواضح أنه قيّد بشكل كبير تطور الرياضة النسائية في جميع أنحاء بريطانيا. ربما لم تكن كرة القدم النسائية تنافس لعبة الرجال بدون هذا الحظر، لكنها كانت ستكون أقرب إلى حد كبير إذا لم تتأخر لمدة 50 عامًا عن أرض الملعب.

عندما زار فريق «كير» الولايات المتحدة عام 1922، لعبوا مع فرق الرجال، حيث لم تكن كرة القدم النسائية تخظى بأي اهتمام عبر المحيط الأطلسي، لكنها كانت الخطوة الأولى على درب ازدهار كرة قدم السيدات في الولايات المتحدة خلال النصف الثاني من القرن العشرين، والذي تُوِّج بثلاث كؤوس عالمية وأربع ميداليات ذهبية أولمبية. وليست الولايات المتحدة وحدها التي أحرزت انتصارات في هذه الرياضة، حيث حققت النساء اختراقا ملحوظًا في إسبانيا، وناضلن ضد التحيز الجنسي في الأرجنتين، وكافحن من أجل المساواة في الولايات المتحدة، وجاهدن لتحسين المجتمع في كندا، كما ترصد مجلة «تايم».

الخبر بالكامل
رأيك يهمنا