برعاية

حكايات في رمضان – أندري شيفتشينكو.. "لم أخسر إيماني قط بنفسي"

حكايات في رمضان – أندري شيفتشينكو.. "لم أخسر إيماني قط بنفسي"

"حينما كنت في ميلان لم أفز بالجماهير من خلال تقبيل القميص، بل من طريقتي في اللعب بالملعب". أندري شيفتشينكو.

كان من الممكن أن ألا نراه يلعب كرة القدم قط، وينخرط في العمل العسكري، والده أراد منه أن يكون ضابطا، وأن يستمر في ألمانيا ولولا والدته والعودة إلى الوطن وموهبته الكبيرة لما أصبح ما هو عليه.

نيكولاي شيفتشينكو ضابط القوات السوفيتية في ألمانيا وبالتحديد ضمن نطاق الجمهورية الألمانية الديموقراطية، وقبل بضعة أشهر من الولادة قررت والدته أن تضعه في أوكرانيا موطنه لتسافر إلى المنطقة العسكرية في كييف.

وضعت الأم الفتى أندري ووالده كان يفكر في أن ينشأ كضابط أو حتى جنرال في الخدمة العسكرية.

التحق أندري بالمدرسة وهو في التاسعة من عمره، الفتة كانوا يتقاتلون على المقاعد فيما مر بهدوء ليجلس بينهم وأظهر تفوقا كبيرا في الرياضيات والرياضة البدنية، وبالطبع مارس كرة القدم ليرى مدربه في ذلك الوقت أوليكساندر شابكوف موهبة كبيرة في الفتى.

لكن الفتى الصغير لم يعجب تماما بكرة القدم وفضل ممارسة الهوكي، لكن والده رفض بشدة وطلب منه أن يركز على كرة القدم، الفتى اعترض كثيرا وفضل لعب الملاكمة وبالفعل كان متميزا للغاية.

لم تدم لحظات السعادة كثيرا في كييف، إذ أن كارثة تشيرنوبيل كانت على وشك طرق الأبواب، ليتم إجلاء القرية والأطفال المتواجدون واضطروا لهجر منازلهم والابتعاد في طريق مجهول.

تلك الكارثة أثرت كثيرا على شخصية شيفتشينكو، كان في التاسعة من عمره واضطر للرحيل تاركا وراءه إمكانية أن يصبح ملاكما محترفا.

بسبب الافتقار لمعايير السلامة خلال عصر الاتحاد السوفيتي، تسبب في كارثة كبيرة أثرت على مئات الآلاف من الشعب الأوكراني، حتى أن آثارها ممتدة حتى يومنا هذا.

"الناس استمروا في الذهاب إلى العمل ولم يكن هناك أي فزع كبير، لعدة أيام لم تقل الصحافة والتلفزيون ما حدث فعلا، وكم كان الوضع خطيرا".

"علمنا أن شيئا ما يحدث لأن والدي كان في الجيش لكن معظم الأمر كان مجرد إشاعات".

دخل شيفتشينكو اختبارات فريق دينامو كييف، لكنه فشل في اختبار المراوغة، لكن كشافي الفريق الذين كانوا متواجدين نصحوا بضرورة ضمه.

"بعد ذلك كان لدي خيارين، إما الاستمرار في لعب كرة القدم أو تركها للأبد، لكنني لم أخسر قط إيماني بنفسي، أخبرت والداي أنني بحاجة للمزيد من الوقت لأثبت نفسي".

وبعد 4 أعوام فقط في فريق تحت 14 عاما، في بطولة كأس السوبر الويلزية، وأنهى تلك البطولة كهداف لها وحصل على حذاء راش كهدية من نجم ليفربول في ذلك الوقت.

"بالنسبة لطفل في ذلك الوقت، دينامو كييف كان دائما أكبر فريق في كييف وأوكرانيا".

"إنهم شعبي من يشاهدني ألعب ويحترمونني، وألعب من أجلهم لهذا السبب كان ذلك أمرا هاما لي".

بعد ذلك بعام كانت اسمه قد بدأ في التردد بأوكرانيا كموهبة واعدة بعدما سجل هدفين تمت إذاعتهما عبر التلفاز الوطني في مباراة منتخب الشباب ضد هولندا.

لم يطل الأمر كثيرا حتى يلاحظ فاليري لوبانوفيسكي كم الموهبة التي يمتلكها شيفتشينكو ليقرر ضمه إلى الفريق الأول.

والده الذي كان يرغب في أن يجعله ضابطا لاحظ فيما بعد شغفه بكرة القدم، ليدع له الاختيار إما أن يصبح لاعبا محترفا أو أي شيء يريده وجد أن القدر كانت له ترتيباته الخاصة مع أندري.

"منذ أن شاهدا سعادتي بكرة القدم تركا الخيار لي".

فاليري لوبانوفسكي المدرب الأسطوري قرر تصعيد شيفتشينكو للفريق الأول، ولكم كان محظوظا أندري بأن يتعامل مع مدرب مثله.

مقياس النجاح بالنسبة للدوريات التي لا تمتلك نسبة متابعة كبيرة هي درجة النجاح في مواجهة صفوة الأندية الأوروبية وهو بالضبط ما حدث للفتى أندري.

اللعب تحت إمرة أفضل مدرب في تاريخ نادي دينامو بجانب كونه واحدا من أفضل المدربين عبر التاريخ بالتأكيد ساعد الفتى الذي يشق طريقه في عالم احتراف كرة القدم.

شيفتشينكو قال لـFilGoal.com في وقت سابق : "لوبانوفسكي علمنا كيف نلعب كرة القدم، ليس فيقط في الملعب بل أكبر من ذلك، علمنا السلوك نفسه وأن كل شيء مهم ولا يوجد تفاهة من أي نوع أو تضييع وقت".

"علمنا كذلك أن نركز على الشيء الرئيسي وأن نبعد تماما أي هدف ثانوي في طريقنا نحو تحقيق هدفنا".

"إرث لوبانوفسكي هو الناس، نحن، كل من لعبوا معه أو مروا عليه أصبحوا مدربين كبار، لم يرث الكثير منهم تكتيكه أو أسلوبه في لعب كرة القدم، لكنهم جميعا يتعاملون بنفس ضميره في عملهم".

شيفتشينكو في ذلك الوقت كان مدخنا شرها بل من الممكن أن يستهلك 30 إلى 40 سيجارة يوميا، الأمر الذي جعل ليبانوفسكي يتحرك لمنعه وإيقافه وأجبره على تناول شراب به مادة نيكوتين للإقلاع عن التدخين ودخل اللاعب في نوبة من المرض حتى توقف تماما عن التدخين.

اكتسب شيفتشينكو عدة ألقاب مثل "رونالدو الأبيض" و"الرياح القادمة من الغرب".

اللحظة الحاسمة في مسيرة شيفتشينكو يوم قدم نفسه للعالم حينما زار دينامو نظيره برشلونة في دوري أبطال أوروبا مرحلة المجموعات، كان لقاء الذهاب وكتيبة لويس فان جال الذي قاد أياكس إلى التتويج باللقب عام 1995.

البلوجرانا غاب عنهم عدد من الأسماء الأساسية لكن شارك لاعبون مثل لويس فيجو وريفالدو، وعلى مقاعد البدلاء تواجد 4 لاعبين من ضمنهم الفتى الجديد كارليس بويول.

برشلونة كان يسعى للثأر بعد الخسارة بنتيجة 3-0 في كييف خلال شهر أكتوبر من ذلك العام، وكل شيء كان جاهزا في كامب نو في نوفمبر للرد.

نجم دينامو في تلك الفترة داخل أوكرانيا أندري شيفتشينكو لكنه لم يكن معروفا كفاية للعالم، كان قد بلغ الـ21 لتوه لكنه كان أساسيا مع الفريق الأول لـ3 مواسم متتالية.

الهدف الأول أظهر تحركا رائعا بدون الكرة وتنبؤ ممتاز من شيفتشينكو ليسجل في مرمى فيتور بايا. ثم هدفا ثانيا خطف الكرة قبل الحارس البرتغالي، والثالث من نقطة الجزاء. هاتريك!

أكمل شيفتشينكو الهاتريك قبل صافرة نهاية الشوط الأول، بل وكان سببا غير مباشرا في الهدف الرابع بعدما اقتحم بالكرة دفاع برشلونة لكن فيتور بايا لحق الكرة لتصل إلى سيرجي ريبروف الذي أسكنها الشباك.

"في كييف كنا قد فزنا أمام برشلونة بنتيجة 3-0 وقال صديق لي لنرى كيف ستؤدي في الإياب، وراهنني أنني لن أسجل 3 اهداف، لكن انتهى به المطاف وقد دفع لي ثمن العشاء".

"بعد ذلك الهاتريك لم يكن هناك طريق للعودة، أصبح الجميع يشاهدك الآن".

"كانت تلك الليلة التي تم اكتشافي فيها، بعد ذلك لم يكن هناك مجالا للاختباء".

لكن أعظم مواسم شيفتشينكو على الإطلاق مع دينامو كان في 1998-1999، حينما سجل أمام لينس وأرسنال وتصدر دينامو مجموعته بل وفي ربع النهائي ضد ريال مدريد سجل 3 أهداف في مباراتين ليفوز دينامو 3-1 في مجموع المواجهتين، ثم هدفين ضد بايرن ميونيخ في تعادل الفريقين بنتيجة 3-3 لكن في النهاية تأهل بايرن إلى النهائي.

قال عنه لوبانوفسكي :"الأسماء الكبيرة تذهب لأبعد ما يمكن، انظر إلى رونالدو مازال يتطور كما يجب في هذا العمر، لكنني لن أبدله بشفيتشنكو الذي يقدر قيمة عمل الفريق".

كان واضحا أن شيفتشينكو لم يعد موهبة بل أصبح نجما وكبار أندية أوروبا أصبحت تراقبه، لكن من تحرك لضمه كان ميلان في عام 1999 بمبلغ 25 مليون دولار وقتها كان كبيرا للغاية.

لكن إيطاليا لم تكن بتلك السهولة، الفتى الأوكراني كان على وشك بداية رحلته في ميلان، وجنة كرة القدم كانت تحتوي على معظم أساطير الكرة في ذلك الوقت.

"كان الأمر أشبه ببداية حياتي من الصفر مجددا".

ألبيرتو زاكيروني وصفه بـ:"كان فتى هادئا للغاية وربما خجولا ومحترما للغاية، لكن منذ أول لحظة كان يمتلك الرغبة للتعلم ولم يحتج الكثير من المساعدة بدا وكأنه جاهزا وسجله يتحدث عن نفسه".

"بدا وكأنه تكيف سريعا على الأجواء، كان خجولا لكنه كان يثق كثيرا في نفسه، كان الأمر واضحا، إنه لاعب امتلك شيئا ما ليقدمه، ولم يكن من ضمن هؤلاء اللاعبين الذين يهتمون أكثر بالجماهير عن التركيز على أنفسهم".

فيما يصفه أليكساندر بوكي صحفي "لاجازيتا ديلو سبورت" :"لم يكن لاعبا من هؤلاء الذين يتفاعلون مع الجماهير لكنه كان يفعل ذلك بطريقة أخرى عبر الملعب، كان هناك الكثير من المسؤولية الملقاة على عاتقه كبيرة بالنسبة لفتى في الـ23 من عمره خاصة وإن كان أجنبيا، لكنه استمر في كامل تركيزه حتى حينما أصبح نجما كبيرا".

وفي موسمه الأول حصد لقب الدوري مع ميلان بعدما سجل 24 هدفا في 32 مباراة بكل المسابقات، ليكون اللاعب الأجنبي السادس بعد ميشيل بلاتيني وجون تشارلز وجانار نوردال وإستيفان نيرس وفرنك هيرزر الذين يحرزون اللقب الإيطالي في موسمهم الأول.

وفي الموسم التالي حافظ شيفتشينكو على مستواه المتميز وسجل 24 هدفا في 34 مباراة، وسجل 9 أهداف في 14 مباراة بدوري الأبطال لكن وعلى الرغم من ذلك فشل الفريق في تخطي المرحلة الثانية من دور المجموعات في البطولة. ولم يختلف الأمر كثيرا في الموسم الذي يليه رغم الإصابات، 38 مباراة في كل المسابقات سجل خلالها 17 هدفا.

خضع شيفتشينكو في بداية موسم 2002-2003 لجراحة في ركبته وعانى كثيرا ليغيب في أول 6 جولات قبل أن يعود ويسجل في خسارة ميلان من كييفو بنتيجة 3-2، ولعب في المجمل في 39 مباراة ما بين أساسي وبديل سجل خلالها 10 أهداف، ليصبح أول لاعب أوكراني يفوز بلقب دوري أبطال أوروبا.

فاليري لوبانوفسكي كان قد توفي عام 2002، وزاره شيفتشينكو قبره بعد تحقيق اللقب لمشاركته الإنجاز الذي حققه.

"كانت تلك طريقتي لكي أشكره على ما منحه لي، من دون شك كان المدرب الذي غيرني كثيرا، علمني الصبر وثقافة العمل وأهمية احترام ما أمتلكه، وضع أساسا بنيت عليه مسيرتي".

أصبحت أوكرانيا تعامل أندري على أنه بطلا قوميا، وفي عام 2004 كانت له آراؤه السياسية، ففي الانتخابات الرئاسية ومع ادعاءات كثيرة بوجود فساد ظهر على التلفزيون الوطني يقرأ بيانا يدعم فيكتور يانكوفيتش الموالي للروس والذي يجد دعما كبيرا من الجانب الشرقي في أوكرانيا، الذي كان قد تم إجلاؤه منه أثناء كارثة تشيرنوبيل، ولم يكن استقبال الجماهير لهذا التدخل جيدا إذ أن جماهير شاختار خلال مواجهة ميلان رفعت لافتة كتب عليها :"اختيارك جعل الأمة تنتحب".

منذ ذلك الحين عزل شيفتشينكو نفسه عن الأحداث السياسية، حتى أنه خرج بتصريحه الغاضب الشهير.

"السياسة ممتلئة بالكثير من التراهات، إنه عالم سيء، أرغب في أن أكون جيدا بعيدا عنه، وعن الصحف والقنوات التي تدعم مرشحا على آخر، انا رياضي وأمثل دولتي ومتى تستدعيني سألعب، كل ما أفعله أفعله لأنني أرغب في ذلك".

خلال عام 2005 كان شيفتشينكو قد اختبر الحسرة والمرارة، الخسارة الشهيرة أمام ليفربول في نهائي إسطنبول، والتي فطرت قلبه.

قال في وقت سابق لـ FilGoal.com "لا تقرر النتائج دائما في كرة القدم بالموهبة والمهارة، في كثير من الأحيان يعتمد الأمر على الحظ، قد يعود ذلك الأمر على نهائي بطولتي دوري الأبطال الذي خضتهما، أحدهما خسره ميلان ضد ليفربول وكنا الطرف الأفضل".

الخبر بالكامل
رأيك يهمنا