برعاية

مانويل نوير: حارس المرمى صمام الأمان لأي فريق

مانويل نوير: حارس المرمى صمام الأمان لأي فريق

ثمة عناصر مشتركة كثيرة بين كرة القدم بوجهها الحديث والطرق الألمانية السريعة، ذلك أن سرعة اللعب اليوم أصبحت بلا حدود ويبدو اللاعبون وكأنهم مخضرمون في عالم سباقات السيارات، فقد أصبحوا أسرع وأكثر رشاقة في تحركاتهم وأكثر قوة من أي وقت مضى. داخل الملعب، هناك حركة مستمرة، ومع هذا يظل هناك نظام حاكم للأمور، الأمر الذي ربما يذكرنا جميعاً أنه حتى في أوج الحركة والسرعة تبقى هناك قوى تحول دون تحول المشهد إلى موجة من الفوضى.

من جانبه، يعتبر مانويل نوير، حارس المرمى الأفضل على مستوى العالم، بمثابة التجسيد الأمثل لهذا الطرح، وذلك بعدما نجح في إعادة تعريف مركزه داخل الملعب. وعن نفسه، قال الحارس النجم قائد المنتخب الألماني ونادي بايرن ميونيخ: «أحمل بداخلي إقداماً على المخاطر بعض الشيء، لكن تظل الحقيقة أنني داخل الفريق أمثل الأمن والحماية، ويتعين على حارس المرمى أن يضفي على أقرانه بالفريق هذا الشعور أيضاً. في الحياة، أنا شخص أحب قيادة السيارة بسرعة كبيرة، لكنني أحرص في الوقت ذاته على ربط حزام الأمان».

أثناء حديثه، جلس نوير محاطاً بكؤوس بطولة دوري أبطال أوروبا داخل غرفة مجلس إدارة نادي بايرن ميونيخ. وبجسده الممشوق البالغ طوله 193 سم، يشعر المرء بهالة من القوة البدنية والهيبة تحيط بالحارس، ويبدو أشبه بتجسيد للضخامة والقوة والسرعة العالية. وبمرور الوقت، انطلق نوير في الحديث بإنجليزية أفضل عن تلك التي بدأ بها اللحظات الأولى من المقابلة، وبدا سعيداً على نحو خاص بمناقشة تجربته في عالم السرعة الكبيرة، حتى وإن كان ذلك يعني خوض مخاطر مخيفة باعتباره أصبح بذلك الخط الأخير للدفاع. عن هذا الأمر، قال نوير: «يعود القرار لي فيما يخص تقديم العون لخط الدفاع، وأرى أنه من الأفضل لي الوصول للكرة قبل أن ينجح مهاجم من الفريق الخصم في السيطرة عليها وأضطر للوقوف أمامه كرجل لرجل داخل منطقة المرمى. أعتقد أن هذا الوضع أشد خطورة عن الخروج من المرمى، لأن المهاجم هنا يحظى باحتمال أكبر لأن يسجل هدفاً. أما إذا لم يستطع الوصول للكرة، لن تصبح أمامه أدنى فرصة لتسجيل أهداف».

أما الجانب السلبي في أسلوب اللعب الذي ينتهجه نوير فيكمن في أنه إذا ما أخطأ في تقدير سرعة ومسار الكرة أو المهاجم ووصل إليهما في وقت متأخر للغاية، فإن هذا قد يعني اختراق هدف لشباكه وظهوره في شكل أحمق وسخيف أمام الجميع. في هذا الصدد، قال نوير: «في تلك اللحظة، لا أشعر بخوف داخلي، ذلك أنني أفكر دوماً على نحو إيجابي. في الواقع، يتعلق الأمر كله بالخطوة الأولى. إذا ما آمنت أنني سأصل للكرة، سأصل إليها. ولا يمكنني التردد والتوقف في منتصف المسافة لأن المرمى من خلفي خال وسيتحين المهاجم الخصم أي فرصة لتسديد الكرة على المرمى. في تلك اللحظة، أنت تتخذ رد الفعل، وبطبيعة الحال يجب أن تكون على ثقة من أنك سوف تستحوذ على الكرة. إلا أن هذا الأمر يتطلب تدريباً لسنوات. ولا يمكنك بين عشية وضحاها القول: «الآن أستطيع فعل ذلك». الحقيقة أن الأمر برمته يعتمد على الشعور.

عندما يتحدث نوير عمن أثروا فيه على صعيد حراسة المرمى عندما كان صغيراً، يبدو من اللافت تمييزه بين حراس المرمى الألمان وغير الألمان وربطه بين كلمة «حديث» وأولئك الذين يحظون بشهرة واسعة خارج ألمانيا. وقال نوير: «داخل ألمانيا، كان ينز ليمان، النموذج الذي أحاول الاحتذاء به بين حراس المرمى الألمان». جدير بالذكر أن ليمان قضى عشرة مواسم في حراسة مرمى شالكه، النادي الذي تمكن نوير من تطوير مهاراته بين جدرانه. وأضاف: «بالنسبة للأسلوب الدولي، كان مثلي الأعلى الهولندي إدوين فان دير سار. لقد كان أداؤه حديثاً للغاية، بل وأكثر حداثة بكثير عن ليمان. في الحقيقة، كان ينتمي لمستوى مغاير تماماً، فقد كان بمقدوره اللعب بساقيه اليمني واليسرى والخروج من المرمى والإقدام على محاولة اعتراض كرات عرضية. كان حاضراً كشخص داخل الملعب. وهناك كذلك الألماني أوليفر كان، الذي أشعر بإعجاب خاص تجاه ردود أفعاله وطموحه. لقد حرص على التدريب بجد، وهو مثلي الأعلى على هذا الجانب. وعليه، فإنه مثلما ترى أضع نصب عيني قطعا متفرقة أعمل على جمعها معاً، الأمر أشبه بأن يكون للمرء أكثر من مدرب وتأخذ أنت من كل مدرب ما تراه جيداً بالنسبة لك. وفي النهاية، تمتزج كل الأشياء لتصبح أنت».

ومن بين جميع مدربي حراس المرمى الذين تعاون معهم نوير على مر السنوات، يبقى توني تابالوفيتش صاحب المكانة والتوقير الأكبر في قلبه. يذكر أن بايرن ميونيخ كان قد استعان بتابالوفيتش بناءً على طلب نوير عندما انضم للنادي عام 2011. ومثل نوير، ولد تابالوفيتش في مدينة غلزنكيرشن الألمانية ولعب في مركز حارس المرمى في صفوف شالكه. ويفصل بين الرجلين في العمر خمسة أعوام فقط، ونجحا في تعزيز أواصر الصداقة بينهما خلال السنوات الأولى له في النادي. وقال: «عندما كنت حارس المرمى الثاني في شالكه، كنت صغيراً للغاية في العمر. وكان يدرك أنني أفضل منه بعض الشيء، ومع هذا كان يخبرني دوماً أن علي بذل المزيد من الجهد. وظل بالخارج وكان يتعاون معي عندما يعود الفريق إلى غرفة تبديل الملابس. وكان زميلي، لذا ربطت بيننا أواصر الصداقة والتعاون داخل الملعب. بعد ذلك، تعرض لإصابات كثيرة، في الكتفين والركبة والفخذ، وتوقفت مسيرته داخل الملاعب وبدأ العمل داخل شالكه في معاونة مدرب حراس المرمى. وقد أوصيت به إلى بايرن ميونيخ. وأعتقد أنه نجح في دفعي نحو مستواي الأفضل». يذكر أن نوير يلعب في مركز حارس المرمى منذ إن كان في الرابعة من عمره، واكتشف في وقت مبكر أن لديه قدما رائعة في التعامل مع الكرة وساقا ثابتة على الأرض. وبوجه عام، يشعر نوير براحة أكبر لدى القفز على قدمه اليسرى عن اليمنى من أجل صد كرة متجهة للمرمى. وأشار إلى أن القفز باتجاه اليمين عادة ما يسفر عن سقوطه على الأرض على نحو غير مريح يسبب له كدمات في فخذه اليمنى.

وعبر التعاون مع مدرب، اضطر نوير لتدريب نفسه على القفز ناحية اليمين بسلاسة أكبر، تماماً مثلما يهتم لاعب يعتمد على قدمه اليمنى بالتدريب على تمرير الكرة وتسديدها بقدمه اليسرى. وحتى اليوم، يعترف نوير بأن السقوط على الأرض وتمديد جسده نحو اليمين لاعتراض كرة لا يبدو بالسلاسة ذاتها التي يشعر بها لدى اعتماده على النصف الأيسر من جسده. وأضاف: «يأتي الأمر بالقوة ذاتها، لكن يبدو مختلفاً لأن الجسد يتغير وضعه عندما تكون في الهواء. عندما تستلقي على العشب وتحتاج إلى النهوض، تنهض على نحو مختلف على كل جانب. الأمر ليس متماثلاً. والنقطة المهمة هنا أن يكون بمقدورك القفز لأعلى لمسافة طويلة والوقوف سريعاً. وليس من الضروري أن يبدو الأمر مثالياً، لكن يجب أن يكون سريعاً». ومع هذا، فإن التصدي للكرات، الأمر الذي كان في فترة من الفترات يشكل العلامة الكبرى المميزة لحارس المرمى الكفء، أصبح اليوم من المتطلبات الدنيا. الآن، أصبح لزاماً على حارس المرمى في القرن الـ21 أيضاً امتلاك القدرة على تنظيم خط الدفاع، واعتراض الهجمات خارج منطقة المرمى وبدء هجمات الفريق.

ومن الضروري أن يشعر حارس المرمى بالارتياح في التعامل مع الكرة بساقيه، وكذلك القدرة على تمرير الكرة باتجاه أهداف متحركة عبر مسافات قصيرة وطويلة، وذلك عبر القدم وأيضاً عبر قذف الكرة باليد. علاوة على ذلك، فإن التوجه الاستراتيجي بمجال كرة القدم القائم على الضغط الدفاعي المفرط بمختلف أرجاء الملعب يعني أن حراس المرمى غالباً ما يحتاجون إلى العمل كبوابات لتخفيف الضغط على المدافعين كي يتمكنوا من التخلص من الكرة.

من ناحيته، قال نوير: «كي أكون حارس مرمى بالمعنى الحديث، يتعين علي التفكير على نحو هجومي، وبدء الهجمات بأمان. وعادة ما يستحوذ الفريقان اللذان أشارك بهما - المنتخب الألماني وبايرن ميونيخ - على الكرة لأكثر عن 60 في المائة من الوقت. لذلك، يتعين علي الوقوف خارج منطقة المرمى والمشاركة في تمرير الكرة إلى الصف الأول والثاني والثالث من اللاعبين. ويجري دمج جميع هذه العناصر في الأسلوب الذي ألعب به، لكن بمقدوري الاضطلاع به لكوني عنصراً في فريقين قويين».

إذا ما شاهدت بايرن ميونيخ بانتظام، يتضح لك أن نوير لا يقدم أبدا تقريباً على إطلاق الكرة دون هدف نحو وسط الملعب، مثلما يفعل الكثيرون من حراس المرمى. تحت قيادة جوسيب غوارديولا، كانت الكلمة الأكثر تردداً بين لاعبي بايرن ميونيخ لدى وصف فلسفتهم الهجومية، هي «سيطرة». لماذا إذن عليك إلقاء الكرة بقلب الملعب ومواجهة مخاطرة فقدان السيطرة؟ من ناحيته، قال نوير: «اكتسبت مهارة تمرير الكرة أهمية أكبر، ونادراً اليوم ما نلقي بالكرة نحو الأمام فحسب. وربما ألمس الكرة اليوم ضعف عدد المرات التي اعتادتها في صفوف شالكه».

الخبر بالكامل
رأيك يهمنا