برعاية

خوان ماتا: كرة القدم أداة قوية لجعل الكثيرين سعداء

خوان ماتا: كرة القدم أداة قوية لجعل الكثيرين سعداء

تبدو 90 دقيقة مع خوان ماتا فترة مفعمة بالحرية والأضواء. في الواقع، تشبه هذه التجربة بعض الشيء مشاهدته وهو يلعب كرة القدم، عندما يتجلى ذكاؤه ورؤيته الثاقبة. وداخل فندق صغير في ضاحية الترينام بمدينة مانشستر، التقينا ماتا الذي جاء بمفرده، دونما وكيل أعمال أو راع، وبدا مهتماً بإجراء حديث مفصل، وليس مجرد مقابلة روتينية.

كانت المقابلة قبل توجه ماتا وفريق مانشستر يونايتد لاستاد أنفيلد لملاقاة ليفربول، حيث يملك نجم خط الوسط الإسباني ذكريات من التألق على استاد «أنفيلد» مرات عدة، كان أبرزها عندما سجل هدفا الفوز أمام «ليفربول» في مباراة انتهت بهزيمة صاحب الأرض 2 - 1 عام 2015. واتسمت هذه المباراة بتوتر بالغ وشهدت طرد ستيفن غيرارد بعد 38 ثانية فقط من نزوله أرض الملعب محل زميل له.

ومع ذلك، رد ماتا بابتسامة لدى سؤاله حول متى تتحول مباراة بالدوري الممتاز إلى حالة من الجنون والفوضى. وقال: «أعشق ذلك، فعندما يسيطر الجنون على مباراة، تظهر المساحات داخل الملعب. وبوجه عام، يعتمد الدوري الممتاز على المجهود البدني بشدة وكذلك على الكرات الثابتة، لكن عندما يرفع جميع من بالملعب شعار (دعونا ننسى الجانب التكتيكي ونركز على الهجوم فحسب)، فإن هذا يساعدني على استغلال المساحات بشكل أفضل».

وشرح ماتا: «بالنسبة لي، لا تتعلق كرة القدم بحجم المهارات التي تظهرها أو عدد اللاعبين الذين تتفوق عليهم، وإنما بقدرتك على اتخاذ القرار الصائب في كل مرة تستحوذ على الكرة. أرى لاعبين يتخذون قرارات صائبة بنسبة مائة في المائة مثل إنييستا وتشافي، وهناك أيضاً أمثلة إنجليزية جيدة. الحقيقة أن لاعبين مثل سكولز ولامبارد وغيرارد وغيرهم الكثير يتخذون قرارات صائبة أكثر كثيراً عن الخاطئة. في المقابل، هناك الكثير من اللاعبين الذين يتمتعون ببنية جسمانية رائعة، ويتميزون بالسرعة والقوة، لكنهم لا يتخذون القرارات الصحيحة. لذا، فإنه بالنسبة لي يتمثل الأمر الأهم في الإقدام على فعل ما تتطلبه المباراة في تلك اللحظة. وبطبيعته، يدرك المرء ما هو القرار الصائب، لذلك فإنه حتى عندما تفرض الضرورة الانتباه إلى واجبات دفاعية، فإنه بمجرد نزولك أرض الملعب، ينبغي أن يكون ذهنك صافياً».

في الواقع، مثل هذا التفكير الحر والقدرة على استيعاب ما يمكن للاعبي كرة القدم إنجازه خارج الملعب أيضاً، يشكلان أساس المشروع الرائد الذي أطلقه ماتا في أغسطس (آب) بعنوان «الهدف المشترك». وقرر اللاعب الإسباني الدولي الذي سبق له الفوز ببطولات كأس العالم وأمم أوروبا لكرة القدم ودوري أبطال أوروبا، التبرع بواحد في المائة من راتبه لحساب مشروع «الهدف المشترك»، بحيث يجري توجيه الأموال التي يجري جمعها منه ومن آخرين نحو دعم منظمات خيرية معنية بكرة القدم بمختلف أرجاء العالم. ويتمثل الهدف الأكبر أمام ماتا في الوصول إلى وضع يضمن تخصيص واحد في المائة من إجمالي صناعة كرة القدم العالمية التي تقدر بمليارات الدولارات إلى جهات خيرية.

وشدد ماتا في هذا الصدد على أن: «الأمر لا يتعلق بي شخصياً، كل ما في الأمر أن ثمة شخصاً ينبغي أن يبدأ هذه المسيرة وأنا فعلت ذلك. إلا أنني آمل أن ينضم الكثيرون إلى المشروع. ويتمثل الهدف الأكبر في أن يتمكن جميع المعنيين بمجال كرة القدم، بما في ذلك العاملين بالحقل الإعلامي والجماهير، من تقديم العون عبر صور مختلفة. ويعتبر اللاعبون نقطة البداية المثلى لأن هذا من شأنه جذب قدر أكبر من الاهتمام. ونحن نتحدث عن واحد في المائة لرغبتنا في بناء هيكل واقعي يشجع آخرين على الانضمام. ومع أن نسبة الواحد في المائة الخاصة بي لا تعني الكثير، فإنه إذا نجحنا يوماً ما في الوصول إلى 1 في المائة من صناعة كرة القدم الاحترافية بأكملها سيكون هذا رائعاً. وإذا كان البعض يعاني من ظروف مالية هشة، فإن بمقدوره المعاونة عبر الترويج للمشروع بالكلمة».

واللافت أن جذور هذه الرؤية تجاه كرة القدم لاستغلالها كأداة لإحداث تحول على مستوى المجتمع، تضرب بعمق داخل حياة ماتا الشخصية. وفي حديثه، تذكر ماتا وفاة جده منذ ثمانية أشهر، وكيف أن هذه الوفاة أثارت بداخله رغبة قوية تجاه العمل على تحسين حياة التعساء. وعن وفاة جده، قال ماتا: «كان يوماً حزيناً للغاية، لقد اعتاد جدي اصطحابي إلى التدريبات وحرص على مشاهدة جميع المباريات التي خضتها، وقد كان لديه شغف بكرة القدم وشعر بسعادة بالغة لأنه أصبح لديه حفيد استطاع أن يعايش كرة القدم من خلاله. وقد عني حرصه على حضور نهائي بطولة كأس العالم وبعض نهائيات دوري أبطال أوروبا، الكثير لي. وبطبيعة الحال عندما أتألق داخل الملعب وأفوز ببطولة ما، أشعر بالرضا عن نفسي، لكنني أشعر بسعادة أكبر من أجل أسرتي لأنني أدرك تماماً أنهم يعانون عندما لا تسير الأمور على النحو المأمول. في الواقع، يعانون أكثر مني. وعندما تسير الأمور على ما يرام، ربما تتجاوز سعادتهم سعادتي الشخصية».

وأضاف: «في الليلة السابقة لوفاة جدي، كنا نواجه سانت إتيان واضطلعت بدور في الهدف الذي سجله مخيتاريان. كان يوم خميس وكنت آمل في رؤيته في أعقاب مباراة نهائي كأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة، الأحد. إلا أنه توفي الجمعة، لذلك سافرت إسبانيا السبت وعدت لخوض مباراة النهائي. وقد تحدثنا مرة واحدة بعد مباراة سانت إتيان، وكان عليلاً للغاية، لكنه أثنى على الدور الذي اضطلعت به في هدف الفوز. وربما سيظل هذا الهدف تحديداً عالقاً بذهني ما حييت. لقد كان لجدي دور مهم للغاية في حياتي أيضاً لأنه دفعني نحو النظر إلى كرة القدم باعتبارها أداة قوية لجعل الكثيرين سعداء».

وقال ماتا: «كنت أفكر في إنشاء مؤسسة خاصة بي لتقديم العون للآخرين. وكانت شقيقتي ممن شجعوني في هذا الاتجاه. في الحقيقة، هي شخصية رائعة وتعيش حالياً في آيسلندا، وهي عاشقة للترحال والحرية وأشعر بإعجاب بالغ تجاه أسلوب حياتها. وبذلك، منحتني أسرتي الأسلوب الصحيح للتفكير في كرة القدم على نحو جديد ومختلف. بعد ذلك، التقيت يورغن غريزبيك مؤسس (ستريت فوتبول وورلد) التي تتولى حالياً إدارة مشروع (الهدف المشترك). ويعمل غريزبيك بمجال كرة القدم منذ 15 عاماً، وبدأ مشواره في كولومبيا في أعقاب وفاة اللاعب أندريس إسكوبار الذي تعرض للقتل بسبب إحرازه هدفاً بالخطأ في مرماه خلال بطولة كأس العالم عام 1994 وتناقشنا معاً وتفتق ذهننا عن فكرة حشد المعنيين بمجال كرة القدم معاً لمعاونة الآخرين... ونسعى لدمج فكرة تخصيص الواحد في المائة من عائدات كرة القدم إلى العمل الخيري داخل هيكل الصناعة ذاتها».

وأوضح ماتا أنه: «ليس من السهل تحويل هذه الفكرة إلى واقع، لكن يورغن يتمتع بخلفية مناسبة وأنا لدي إصرار وعلاقات تمكنني من التواصل مع الآخرين والترويج لرسالة أن كرة القدم تملك قوة لا تضاهيها قوة أخرى في العالم. في الواقع، في أي مكان أذهب إليه أرى صبية يلعبون كرة القدم. حتى في الأماكن الخالية من العشب والتي لا تصلح للعب الكرة، ترى الناس يهيمون عشقاً بكرة القدم».

حتى الآن، أعلن ستة لاعبين انضمامهم رسمياً إلى مبادرة «الهدف المشترك» وتبرعهم بواحد في المائة من رواتبهم لحسابها - ماتس هوميلسز وجورجيو كيلليني وسيرغي غنابري ودينيس أوغو - بجانب لاعبتين أميركيتين دوليتين، ميغان رابينو وأليكس مورغان. أيضاً، تأكد انضمام أليكس بورسك، قائد فريق «سيدني» للمبادرة. ويعتبر تشارلي دانيلز، لاعب بورنموث الحالي وتوتنهام هوتسبير وليتون أورينت السابق هو أول اللاعبين الإنجليزيين الذين انضموا إلى «الهدف المشترك».

وعن ذلك، قال ماتا: «لدينا مزيد من اللاعبين سنعلن عنهم تباعاً. ونأمل في الفوز بدعاية مستمرة، وليس متقطعة من حين لآخر. كما نسعى لإظهار أن المبادرة تشكل مشروعاً عالمياً، ولدينا بالفعل لاعبون ينتمون إلى خمس قارات. وقد حصلنا على استجابات رائعة من الجميع من صحافيين وجماهير وزملائي بالفريق ومحترفين آخرين. أحياناً نحتاج نحن لاعبي كرة القدم لدفعة بسيطة كي نتحرك قدماً، لكن بمجرد أن تشرح المبادرة باستفاضة، فإنهم يستوعبون حقيقتها. ويتمثل هدفنا في جعل مهمة المبادرة يسيرة وفاعلة وشفافة. وقد تلقيت اتصالات من أعداد كبيرة من اللاعبين بعدما نمت إلى مسامعهم المبادرة وأبدوا رغبتهم في الانضمام لها على الفور. لقد شعرت بسعادة غامرة في تلك اللحظات. كما أجرينا محادثات واعدة مع شخصيات نافذة بمجال كرة القدم. وأشعر أن لديهم رغبة حقيقية لمعاونتنا».

هل يؤمن ماتا حقاً بإمكانية الوصول إلى هدف تخصيص الواحد في المائة من مجمل عائدات صناعة كرة القدم لأهداف خيرية، حتى لو استغرق الأمر سنوات عدة؟ أجاب اللاعب بقوله: «لا يهم المدة التي يستغرقها تحقيق ذلك. أعتقد أنه سيتحقق في كل الأحوال، عاجلاً أم آجلاً».

من ناحية أخرى، أشار ماتا إلى أنه لم يتحدث بعد بشأن المبادرة مع مدربه، جوزيه مورينيو. وفسر ذلك بالقول: «أحياناً يكون من الصعب كسر روتين الاستعدادات للمباريات للتفكير في أمور أخرى مثل هذه المبادرة. لذا، ربما أرجئ مناقشة هذا الأمر حتى انتهاء الموسم. إن الأهمية الكبرى تكمن في تحين اللحظة المناسبة للحديث إلى آخرين بشأن المبادرة».

فيما يخص مورينيو تحديداً، فإنه من اللافت أنه بعد الصعوبات التي واجهت علاقة ماتا ومدربه داخل تشيلسي حين تعرض للتهميش، أن تتوطد العلاقة بينهما في مانشستر إلى هذه الدرجة الوثيقة. من ناحيته، صرح مورينيو قائلاً: «إنني بحاجة إلى عقل ماتا». أما الأخير، فأكد أنه: «كفريق، نلعب بثقة أكبر وقدر أكبر من التماسك عن أي فريق آخر في تاريخ (مانشستر يونايتد) منذ قدومي إلى هنا في يناير (كانون الثاني) 2014».

الخبر بالكامل
رأيك يهمنا