برعاية

متاعب «الطاحونة البرتقالية» ستزداد باعتزال «الجناح الطائر»

متاعب «الطاحونة البرتقالية» ستزداد باعتزال «الجناح الطائر»

بعد مسيرة دولية حافلة مع المنتخب الهولندي سجل خلالها 37 هدفا في 96 مباراة، أعلن آرين روبن (33 عاما) اعتزاله اللعب الدولي. وقال روبن الذي كان يتعرض للسخرية ويوصف بـ«الرجل الزجاجي» بسبب إصابته المتكررة: «14 عاما هي فترة طويلة. استمر الرجل الزجاجي لأطول فترة».

ولم يفشل المنتخب الهولندي في التأهل لنهائيات كأس العالم القادمة بروسيا فحسب، ولكن بات يتعين عليه أيضا أن يعيد ترتيب أوراقه ويُكون فريقا جديدا من دون روبن، الذي كان أبرز لاعب في منتخب الطواحين الهولندية، والذي سيكون غيابه مؤثرا بكل تأكيد.

وفي الحقيقة، يعد روبن لاعبا استثنائيا، وسوف يشعر الهولنديون بقيمته بصورة أكبر بعد غيابه عن الفريق، كما هو الحال مع كثير من اللاعبين الآخرين.

وكان المنتخب الهولندي قد دخل الجولة الأخيرة من التصفيات الأوروبية المؤهلة لنهائيات كأس العالم وهو مطالب بالفوز بفارق سبعة أهداف على منتخب السويد حتى يضمن التأهل للمونديال، وكان ذلك يعد شيئا شبه مستحيل في حقيقة الأمر. وفي الوقت الذي كان يُعزف فيه النشيد الوطني الهولندي، ربما كان روبن يدرك أن هذه قد تكون المباراة الأخيرة له بقميص المنتخب الهولندي.

بدأ روبن مسيرته الدولية عام 2003، ولعب آخر مباراة بقميص منتخب هولندا عام 2017 تحت قيادة المدير الفني نفسه الذي بدأ معه مسيرته الدولية، وهو ديك أدفوكات، ليضع حدا لهذه المسيرة التي شهدت نجاحات كبيرة في بعض الأحيان وإخفاقات مريرة في أحيان أخرى.

ويرى كثير من الهولنديين أن أدفوكات كان دائما ما يستبدل روبن ويخرجه من الملعب في تغيير غير موفق بالمرة، فعلى سبيل المثال في نهائيات كأس الأمم الأوروبية عام 2004، عندما كان روبن لا يزال في العشرين من عمره وكان في طريقه للانضمام لنادي تشيلسي الإنجليزي، بدأ اللاعب الشاب في التشكيلة الأساسية لمنتخب هولندا أمام جمهورية التشيك، وقدم أداء رائعا وصنع هدفين منحا التقدم لمنتخب بلاده بهدفين دون رد. وفي قرار غريب ومفاجئ، قرر أدفوكات استبدال روبن قبل الدقيقة 60 من عمر اللقاء وأشرك بول بوسفيلت بدلا منه، وكانت النتيجة أن المنتخب الهولندي خسر تلك المباراة بثلاثة أهداف مقابل هدفين وأكمل المباراة بعشرة لاعبين. وعندما سُئل المدرب المساعد ويم فان هانيغيم عما سيقوم به لو قرر أدفوكات اتخاذ نفس القرار أمام لاتفيا في المباراة المقبلة، رد قائلا: «سوف أطرحه أرضا». وربما حقق هذا التهديد الهدف منه؛ لأن أدفوكات أبقى على روبن خلال المباراة بالكامل وفازت هولندا.

وفي مباراة دور الثمانية أمام السويد، أحرز روبن ركلة الجزاء الأخيرة وقاد منتخب هولندا للدور نصف النهائي قبل أن يخسر أمام البرتغال بهدفين مقابل هدف وحيد، لكن روبن قدم أداء جيدا وأرهق المدافعين وترك انطباعا بأنه سيكون له شأن كبير في عالم كرة القدم. ورغم الشكوك التي كانت تثار دائما حول لياقته البدنية قبل كل بطولة كبرى، ظل روبن هو اللاعب الأبرز في صفوف المنتخب الهولندي خلال العشر سنوات الأخيرة.

وفي عام 2008، بدأ روبن يعمل مع طبيب العظام هوب ويستوفنز، الذي قال عنه روبن: «لقد أعطاني الثقة في جسدي».

وفي هذا الصيف، قدم «الجناح الطائر» واحدا من أفضل أشواط كرة القدم في تاريخ هولندا، عندما قاد منتخب بلاده للفوز على فرنسا بأربعة أهداف مقابل هدف في نهائيات كأس الأمم الأوروبية عام 2008. شارك روبن مع بداية الشوط الثاني وقدم أداء استثنائيا، فانطلق بسرعة فائقة من الجانب الأيسر ومرر كرة سحرية إلى روبن فان بيرسي الذي لم يتوان في إيداعها الشباك. وبعد 12 دقيقة تلقى تمريرة من ويسلي شنايدر وراوغ المدافع الفرنسي ليليان تورام ووضع الكرة في الشباك محرزا الهدف الثالث لهولندا، قبل أن يضيف شنايدر الهدف الرابع ويعمق جراح المنتخب الفرنسي.

وقد اعتدنا في السنوات الأخيرة أن نرى اللاعبين الذين يلعبون على الأطراف وهم يراوغون لداخل الملعب لكي يسددوا الكرة على المرمى، وقد كان روبن يقوم بذلك بالفعل لكنه كان يفعل العكس أيضا، بمعنى أنه كان يراوغ من عمق الملعب باتجاه خط التماس ويسدد الكرات من زاوية ضيقة للغاية في أعلى الشبكة، كما يظهر في الهدف الذي سجله في مرمى المنتخب الفرنسي في كأس الأمم الأوروبية 2008. وبعد ذلك بعامين، تأهلت هولندا لنهائيات كأس العالم 2010 بفضل لاعبين رائعين كل منهما في السادسة والعشرين من عمره، الأول هو روبن الذي كان قد قاد نادي بايرن ميونيخ الألماني للتأهل للمباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا، والثاني هو شنايدر، الذي حصل على بطولة دوري أبطال أوروبا في هذا الموسم مع إنتر ميلان الإيطالي. وكان هذا الثنائي على وشك قيادة المنتخب الهولندي إلى مجد لم يحققه أي من أساطير الكرة الهولندية مثل يوهان كرويف وماركو فان باستن ودينيس بيركامب، عندما قادا هولندا للوصول إلى المباراة النهائية لكأس العالم.

وفي المباراة النهائية للمونديال، وجد روبن نفسه وجها لوجه أمام الحارس الإسباني إيكر كاسياس؛ لكنه لم ينجح في وضع الكرة في المرمى واصطدمت تسديدته بقدم كاسياس. يقول روبن عن تلك الفرصة: «إنها اللحظة التي ستطاردني دائما». وتقابل المنتخبان مرة أخرى في نهائيات كأس العالم 2014، لكن هذه المرة اكتسحت الطواحين الهولندية الماتادور الإسباني بخمسة أهداف مقابل هدف وحيد، وكان من المفهوم أن نرى روبن – في الهدف الخامس – لم يتسرع في تسديد الكرة. فبعدما تفوق روبن على سيرخيو راموس في سباق السرعة، وجد اللاعب الهولندي نفسه أمام كاسياس وجها لوجه مرة أخرى؛ لكنه هذه المرة لم يسدد الكرة مباشرة بعدما أغلق كاسياس زاوية التسديد، وقرر أن يراوغ للخلف باتجاه عمق الملعب ثم عاد ليراوغ كاسياس مرة أخرى ويضع الكرة بكل قوة في المرمى؛ وكأنه يتخلص من كل الإحباط الذي شعر به بعد إهدار تلك الفرصة الثمينة في المباراة النهائية بكأس العالم في جنوب أفريقيا.

وخلال المعسكر التدريبي للبرتغال في كأس العالم 2014، تحدث المدير الفني للمنتخب الهولندي لويس فان غال عن أسرار نجاح روبن قائلا: «قلت في مرات كثيرة إنه لا يوجد في العالم سوى عدد قليل من اللاعبين الذين يتعاملون مع جسدهم بصورة احترافية كما يفعل روبن. لو رأيتم روبن وهو يقوم بعمليات الإحماء وعقدتم مقارنة بينه وبين اللاعبين الآخرين لوجدتم أنه يقوم بشيء مختلف تماما. إن ما يقوم به شيء رائع للغاية».

ويوجه البعض انتقادات لروبن ويقولون إنه يراوغ بطريقة واحدة ومعروفة للجميع؛ لكن حتى لو كانوا محقين في ذلك فإنه يقوم بتلك المراوغة أفضل من أي لاعب آخر. ورغم أن المدافعين يعرفون أين سيركض روبن وكيف سيتسلم الكرة وماذا سيفعل بها؛ فإنهم رغم كل ذلك يقفون عاجزين أمامه، إضافة إلى أنه يمتلك أفضل قدم يسرى في العالم بعد القدم الساحرة للنجم الأرجنتيني ليونيل ميسي. وبعد المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا عام 2013، أشاد أسطورة كرة القدم الهولندية يوهان كرويف بروبن، ووصفه بأنه يملك «مزيجا جميلا من الموهبة والالتزام الخططي والرغبة الطبيعية في التوجه نحو المرمى مباشرة».

وحتى خلال مباراة المنتخب الهولندي أمام السويد التي أكدت خروج المنتخب الهولندي من سباق التأهل لكأس العالم، أحرز روبن هدفي المنتخب الهولندي، وكان يبذل كل ما في وسعه ولم يفقد الأمل حتى في ظل الحاجة إلى الفوز بفارق سبعة أهداف كاملة. وفي الحقيقة، لم يكن هذا غريبا على لاعب مثل روبن الذي دائما ما كان الملهم بالنسبة لزملائه من اللاعبين، سواء مع منتخب بلاده أو مع الأندية التي لعب لها. وحتى مع مرور الوقت وفقدان الأمل في التأهل، كان الجمهور الهولندي يتغنى بقائد الفريق آرين روبن، الذي بادلهم التحية. يقول روبن: «كنت أرغب بشدة في إظهار ما أستطيع القيام به مرة أخرى».

إن التحية التي تلقاها روبن من الجمهور في تلك المباراة تعد بمثابة شهادة تقدير وإعزاز لما قدمه اللاعب المخضرم، لدرجة أن قرار اعتزاله ربما يكون قد غطى على الشعور بالإحباط نتيجة عدم التأهل لنهائيات كأس العالم. وقال روبن: «في الظروف الطبيعية يمكنك القول إن هذه طريقة جيدة للغاية للاعتزال؛ لأنك حققت الفوز في المباراة وسجلت هدفين. يشبه الأمر ما حدث مع ديرك كاوت الذي اعتزل بعدما سجل ثلاثة أهداف مع نادي فينورد، بغض النظر عن حقيقة أنه فاز بلقب الدوري مع فريقه في هذا العام، ونحن فشلنا في التأهل لنهائيات كأس العالم».

وعندما ظهر «الأربعة الكبار» روبن فان بيرسي، وشنايدر، ورفائيل فان دير فارت، وروبن، كان ينظر إليهم على أنهم يمثلون الأمل والمستقبل بالنسبة لكرة القدم الهولندية. وظل شنايدر وروبن عمودين من الأعمدة الرئيسية للمنتخب الهولندي في البطولات الكبرى، بين عامي 2006 و2014، وهي فترة طويلة بالنسبة للعب على المستوى الدولي.

لم يكن روبن قائدا بطبيعته؛ لكن صفاته القيادية تطورت بمرور الوقت. وقال المدافع فيرجيل فان ديك بعد مباراة هولندا أمام السويد: «لقد تعلمت منه كثيرا من الأشياء التي لم أكن لأعرفها من دونه».

والآن، ورغم أن روبن هو أول من يعلن اعتزاله الدولي من «الأربعة الكبار»، فإن ذلك يعد نهاية لهذه الحقبة. لقد تحدث روبن عن «نقل الراية» للاعبين جدد؛ لكن هناك شعور بأنه لا يوجد كثير من المواهب الهولندية التي تستحق أن تحمل الراية من لاعب بهذا الحجم.

الخبر بالكامل
رأيك يهمنا