برعاية

كيفين دي بروين... صبي عنيد ارتقى لمصاف النجوم العالميين

كيفين دي بروين... صبي عنيد ارتقى لمصاف النجوم العالميين

يتطور مستوى اللاعب البلجيكي كيفين دي بروين بشكل ملحوظ للغاية، ومن الإنصاف أن نقول إنه قد وصل إلى مستوى مختلف تماما خلال الموسم الجاري. صحيح أنه لم يرتق بعد لمستوى النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي أو البرتغالي كريستيانو رونالدو، لكنه أصبح قريبا من هذا المستوى بالفعل، حيث يقدم أداء مثيرا للإعجاب مع مانشستر سيتي خلال الموسم الجاري وأصبح أفضل لاعبي الفريق الذي يحتل صدارة الدوري الإنجليزي الممتاز.

وتتسم شخصية دي بروين بالهدوء الشديد والاستماع إلى نصائح الآخرين – يكون كذلك بالفعل في 99 في المائة من الوقت ويعترف شخصيا بأنه «هادئ الطباع لدرجة البرود» – وتظهر الاختبارات التي يجريها الأطباء في مانشستر سيتي عشية كل مباراة أن مستويات الضغط والتوتر لديه منخفضة للغاية للدرجة التي تجعلها سلبية. ومع ذلك، نرى دي بروين ينفعل من آن لآخر، كما حدث بين شوطي مباراة مانشستر سيتي أمام نابولي الإيطالي في دوري أبطال أوروبا.

وبين شوطي مباراة فريقه أمام نابولي، انفعل دي بروين على زميله في الفريق ديفيد سيلفا الذي كان يمنعه من الوصول إلى الحكم الرابع حتى لا يتلفظ بأي كلمة ويتعرض للعقوبة، لكن دي بروين انفعل بشدة وظل يردد «دعني أتحدث! دعني أتحدث! دعني أتحدث!». وقال دي بروين بعد المباراة: «انتهى الأمر بعد دقيقة واحدة. إنه نقاش مثل تلك النقاشات التي أخوضها مع زوجتي أحيانا. قد تكون المناقشة جيدة من أجل أن يعود الجميع إلى هدوئهم، ويحدث هذا في أعلى المستويات».

ويطلق أصدقاء دي بروين المقربين عليه لقب «المجفف» نظرا لأنه يرد على الرسائل التي يتلقاها على تطبيق «واتسآب» بطريقة جافة للغاية. ولا تختلف شخصية دي بروين داخل الملعب عن خارجها، فهو يتسم بالتواضع والهدوء ورباطة الجأش، لكن عندما لا يتفق على شيء فإنه يكشف عن ذلك بكل صدق وشراسة. وقد حدث أكثر من موقف في السابق يعكس شخصية دي بروين وصراحته الشديدة، فعندما كان يلعب ضمن صفوف نادي جينك البلجيكي قام دي بروين بتوبيخ نجم الفريق إليانيف باردا لأن الأخير لم يبذل الجهد المطلوب في التدريبات، رغم أن دي بروين كان لا يزال في التاسعة عشرة من عمره.

وفي مقابلة تليفزيونية في فبراير (شباط) 2012 بين شوطي إحدى المباريات، اتهم دي بروين زملاءه في نادي جينك بأنهم لا يبذلون قصارى جهدهم، وقال: «أنا أخجل منهم، وأرى أنه يتعين على من ليس لديه الرغبة في اللعب أن يرحل». وعندما كان يلعب في صفوف نادي فولفسبورغ الألماني، التقطته كاميرات التليفزيون وهو يهين الصبي الذي يجمع الكرات لأنه قد تأخر في إحضار الكرة على ما يبدو. وقد اعتذر دي بروين بعد ذلك وأرسل قميصا يحمل توقيعه إلى الصبي. وقد حدثت كل هذه الانفعالات بدون تعمد توجيه الأذى للآخرين، لكن الرغبة في الفوز هي التي تجعله يتصرف بهذا الحماس الزائد في بعض الأحيان.

ويتميز دي بروين منذ نعومة أظافره بالصراحة الشديدة والرغبة القوية والقدرة الفائقة على التركيز على الهدف الذي يسعى لتحقيقه، فعندما كان في الحادية عشرة من عمره قال لوالدته: «أود أن أدرس اللغة اللاتينية لمدة عامين، ثم ألتحق بمدرسة الكرة، وعندما أبلغ 18 عاما سوف أركز بشكل كامل على كرة القدم». وبالفعل، التزم دي بروين بهذه الخطة تماما. وعندما كان دي بروين صغيرا كان يزين غرفة نومه بصور نادي ليفربول الإنجليزي، إذ أن والدته، وهي بلجيكية ولدت في بوروندي ونشأت في لندن، وجده قد غرسا فيه حب ليفربول. وكان دي بروين ينام على أغطية السرير التي تحمل صورا للاعبي ليفربول، كما كان يرتدي قميصا لنجمه المفضل آنذاك مايكل أوين.

ومثله مثل العديد من الأطفال كان دي بروين يتحين الفرصة لممارسة كرة القدم، وقد ساعده اللعب في حديقة أحد أصدقائه على تطوير اللعب بقدمه اليسرى التي لم يكن يجيد اللعب بها.

وقد عانى دي بروين في بداية مسيرته الكروية من أجل أن يغير الانطباع المأخوذ عنه بأن شخصية صعبة وعنيدة. وقال دي بروين لمدربه في نادي درونغن المحلي وهو في الثامنة من عمره إنه سيلتحق بنادي جينت «لأن حصصه التدريبية أفضل بكثير». وفي نادي جينت، جعل أحد المدربين مهمته الأساسية هي «ترويض» دي بروين، لكن تلك المحاولات جاءت بنتائج عكسية، لأن دي بروين، الذي ينتقد ذاته دائما من أجل تطوير قدراته، لم يفهم السبب الذي يجعل المدير الفني ينتقده دائما، حتى عندما يلعب بشكل جيد. وانتقل دي بروين لنادي جينك وهو في الرابعة عشرة من عمره وترك منزله وانتقل للجانب الآخر من بلجيكا لكي يجرب حظه في هذا النادي لأنه أعجب بطريقة لعبه. وفي جينك تعرض دي بروين لشيء غير شخصيته إلى الأبد وجعله أكثر إصرارا على تحقيق النجاح. فخلال العام الثاني له مع النادي، عاش دي بروين مع عائلة جديدة، لكن هذه العائلة أخبرت النادي بأنها لا تريده معها بعد الآن نظرا لأنه شخص انطوائي للغاية. شعر دي بروين بحزن شديد، وقال ذات مرة: «كان الناس يقولون إنني لن أنجح بسبب شخصيتي، لكنني قلت لنفسي حينئذ: دعونا نرى لمن ستكون الكلمة الأخيرة».

تألق دي بروين بشكل ملحوظ في صفوف الفريق تحت 21 عاما وكان يرسل عرضيات رائعة لكريستيان بينتيكي، وانضم للفريق الأول بالنادي وهو في السابعة عشرة من عمره. ووصفه هاين فانهيزبروك، أحد المديرين الفنيين الذين أشرفوا على تدريبه، بأنه «كرويف الجديد». وبعد فوز دي بروين بلقب الدوري البلجيكي مع نادي جينك، تعاقد معه تشيلسي الإنجليزي ليخلف نجم الفريق فرانك لامبارد في خط الوسط.

انتقل دي بروين لنادي فيردر بريمن الألماني على سبيل الإعارة، وكان يورغن كلوب المدير الفني لبروسيا دورتموند آنذاك يسعى بالقوة للحصول على خدماته لكي يكون بديلا لماريو غوتزه، وانهالت عليه المكالمات الهاتفية والرسائل النصية من كلوب لكي يقنعه بالانتقال إلى بروسيا دورتموند. اتفق دي بروين مع كلوب على التفاصيل الخاصة بعقده مع النادي وطلب دي بروين من تشيلسي السماح له بالرحيل، لكن مورينيو مدرب تشيلسي آنذاك أخبره بأنه لاعب جيد وأن الفريق لن يستغني عن خدماته. ورغم ذلك، لم يحصل دي بروين على فرص كثيرة مع تشيلسي، وغضب بشدة عندما انتقده مورينيو على الملأ بعد الأداء المخيب للآمال الذي قدمه أمام سويندون تاون في كأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة. وقال مورينيو: «لم أحب الطريقة التي لعب بها أما سويندون تاون ولم أحب الطريقة التي يتدرب بها».

وفي شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، وبعدما لعب دقائق معدودة في كأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة ودوري أبطال أوروبا، قرر دي بروين أن يحدد مصيره بنفسه. لم يكن دي بروين يحب أن يكون أحد اللاعبين الذين ينتقلون على سبيل الإعارة من ناد إلى آخر لمجرد البقاء في تشيلسي، ولذا قرر أن ينتقل إلى ناد آخر بشكل نهائي. وفي منتصف ديسمبر (كانون الأول) التقى دي بروين بوكيل أعماله ومورينيو ومجلس إدارة نادي تشيلسي. وتطرق دي بروين للتصريحات التي انتقده فيها مورينيو قائلا: «لقد أظهر لنا الإحصائيات الخاصة بلاعبي خط الوسط المهاجمين: صناعة الأهداف والأهداف ودقة التمرير والقرارات الحاسمة والمراوغات. كان يريد أن يثبت أنني لا أؤدي بنفس مستوى اللاعبين الآخرين. وقلت له: عفوا، هذا ليس منطقيا، لأنني لم ألعب سوى عدد قليل من المباريات، فكيف يمكن أن تعقد مقارنة بيننا؟».

وأضاف دي بروين: «لم يكن هذا إنصافا. تحدث مورينيو معي عن المنافسة والتدريب الجاد وعن وجود فرصة دائمة لمشاركتي في المباريات. وأشار أيضا إلى أنه لا يرغب في التخلي عن خدماتي، حتى لو على سبيل الإعارة، وأخبرني بأنني لاعب جيد. قلت له إنني أشعر بأنني لن أحصل على فرصة عادلة مطلقا. وكانت هذه هي النقطة التي بدأ عندها النادي أيضا ينظر في مسألة انتقالي لناد آخر». دخل نادي فولفسبورغ الألماني في مغامرة محسوبة عندما دفع 25 مليون يورو للحصول على خدمات دي بروين، الذي أثبت بالفعل أنه يستحق هذا المقابل المادي، وكلنا نعرف ما حدث بعد ذلك.

وأعرب المدير الفني الحالي لتشيلسي، أنطونيو كونتي، عن شعوره بالإحباط بسبب سماح النادي برحيل دي بروين، بعدما سجل اللاعب البلجيكي هدف الفوز لمانشستر سيتي على تشيلسي في ملعب «ستامفورد بريدج» في سبتمبر (أيلول) الماضي. ومن الواضح أن جوسيب غوارديولا قد ساعد دي بروين على تقديم أفضل ما لديه، عكس مورينيو، لكن يجب أن نعترف بأن دي بروين أصبح أكبر في السن وأكثر نضجا وخبرة بعدما نجح في الاستفادة من جميع الانتكاسات التي مر بها في السابق وتحويلها إلى دوافع تساعده على تحقيق النجاح.

الخبر بالكامل
رأيك يهمنا