ضياء الدين علي يكتب: الباطل القطري
"إن للباطل جولة".. حفظناها من الخطب والمقالات السياسية، وأيضاً من الأغاني والمقامات الشعبية، ولذا مهما طال الباطل القطري لا بد له من نهاية يراها ويسمع بها القاصي والداني لتكون عبرة لمن يعتبر.
أما لماذا طال أمد الباطل القطري؟ فالإجابة لها معطيات كثيرة وحيثيات متنوعة، بقدر تعدد وتنوع مجالات ذاك الباطل الذي يحتل فيه "الفساد" مساحة كبيرة يصنع بها قواسم مشتركة وليس قاسماً واحداً.
** وإذا اعتبرنا الفساد عنواناً؛ فمن السهولة بمكان أن ترصد تحت ذاك العنوان جملة من الصفات الكريهة: كالإرهاب والرشوة والتواطؤ والتآمر والابتزاز والكذب والتدليس.. وغيرها، وهي كلها ممارسات احترفتها الحكومة القطرية منذ أمد بعيد، ولا يمكن مع تنوع صور ذاك الباطل إلاّ التسليم بأن الفساد آفة عالمية، له أشياع من الفاسدين، ومريدون من المستفيدين، وقد عرفت قطر طريقهم جيداً؛ فاشترتهم جميعاً بالمال وبالمصالح.
** وفي ملعبنا الرياضي، الصورة واضحة تماماً، بالنسبة إلى الفساد القطري الذي عرف طريقه إلى الـ"فيفا" من اللحظة التي وضع فيها القطري محمد بن همام، (وقتما كان رئيساً للاتحاد الآسيوي) يده في يد "الداهية بلاتر" ليمول حملته الانتخابية الأولى لرئاسة المنظمة العالمية في 1998، وقد كان الاتفاق الضمني بينهما، والذي استمد صحة كل معانيه من "الصداقة المشبوهة" التي استمرت بينهما حتى عام 2011، بأن يتولى السويسري دورتين أو ثلاثاً على الأكثر في رئاسة الفيفا، وهو ماتم بالفعل، ثم يفسح الطريق لنائبه الآسيوي في الولاية التالية، ففي ذلك العام أعلن ابن همام ترشحه لرئاسة "فيفا"، وبدا كأنه يطالب بما يخصه ويخص بلده في "اتفاقية الشياطين" هذه، لا سيما وأن قطر في ذلك الوقت كانت قد فازت في عمومية 2 ديسمبر (كانون الأول) 2010 باستضافة مونديال 2022 على حساب الولايات المتحدة، لكن رئيس فيفا الذي تحولت المنظمة العالمية في عهده إلى "مافيا" بكل معنى الكلمة، "حليت في عينه" الولاية الرابعة، ورأى أن قطر "كفاية عليها" الفوز بالمونديال الذي قلب الدنيا كلها عليه ووصم الفيفا بالفساد علناً، فدبّر عن طريق لجنة الأخلاق والقيم، مؤامرة دولية لصاحبه الذي أصبح بين عشية وضحاها عدوه اللدود، فتم اتهامه برشوة أعضاء كونغرس الاتحاد الدولي، ووقع فيها ابن همام مثل "ال...." وانتهت السالفة بإيقافه مدى الحياة، ومن يقرأ معطيات المشهد جيداً حينذاك، يدرك أن اتفاقية الشياطين الأولى لحقت بها "تسوية أبالسة" جديدة مضمونها: "رحيل ابن همام مقابل تعهد رئيس فيفا باستمرار الضيافة القطرية للمونديال".
** وكما رأينا بعد ذلك، بلاتر شرب من الكأس نفسها، عندما تغطرس أكثر وتطاول أكثر وطمع أكثر، وطلب الولاية الخامسة، التي فاز بها بالفعل في عمومية مايو (أيار) 2015، فالعالم كله وقف ضده وشرع في كشف بلاويه، وبعد أقل من شهر قدم استقالته ودعا لعمومية جديدة في فبراير (شباط) 2016 (جاء عبرها مواطنه إنفانتينو الرئيس الحالي)، وهو يهم بالرحيل، سحب معه نائبه بلاتيني رئيس الاتحاد الأوروبي، وكأنه يقول للعالم "كلنا فاسدون ولن أرحل وحدي".