أزمة مونديال قطر 2022.. من الرياضة إلى السياحة
أكد أستاذ إدارة الفعاليات والإدارة السياحية بجامعة الملك سعود، عماد منشي، أن قطع علاقات الدول العربية الأربع، مع قطر، وإغلاق حدودها البرية وأجوائها ومياهها الإقليمية، سيلقي بظلاله السلبية على السياحة القطرية لهذا العام.
وقدم منشي تًحليلاً علميًا منهجيًا للآثار المترتبة على مقاطعة قطر من ثلاث دول مجاورة لها، المملكة العربية
السعودية والإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، وأكبر دولة عربية من حيث عدد السكان، جمهورية مصر العربية، بحسب صحيفة عكاظ السعودية، على استضافة قطر لمونديال كأس العالم لكرة القدم بعد خمس سنوات (2022)، عبر بحث يلخص أهم تداعيات المقاطعة من خلال 10 آثار ضمن المراحل الثلاث التي تمر بها أي فعالية، مرحلة ما قبل الفعالية (التخطيط)، ومرحلة أثناء انعقاد الفعالية (التنفيذ)، ومرحلة ما بعد الفعالية (التقييم)، على النحو التالي:
6 آثار ضمن مرحلة ما قبل الفعالية
أو ًلا: تأثر تنفيذ مشاريع المونديال
رغم تنظيم قطر لعدد من الفعاليات الرياضية الرئيسية (Events Major ) سابقًا، إلا أن مونديال كأس العالم الذي يعتبر أحد الفعاليات الأربع الضخمة على مستوى العالم (Mega Events)، يستدعي تجهيز بنى تحتية جديدة، وبناء بنى فوقية، فضلاً عن زيادة الطاقة الاستيعابية للعديد من المرافق المرتبطة بصناعة النقل، وقطاع الضيافة، وقطاع الصحة، وصناعة الخدمات المياه والكهرباء والصرف الصحي والاتصالات، لتناسب حجم زوار الفعالية الضخمة.
إغلاق المنفذ البري الوحيد لقطر مع السعودية، يصعب نقل المعدات الضخمة الخاصة بالحفر والبناء وأعمال المقاولات، ليجبر السلطات القطرية على استخدام قطاعي النقل الجوي والبحري اللذين لايزالان مفتوحين أمام حركة النقل في ظل عدم اكتمال مفهوم زعم الحصار الذي تروج له الدوحة، إلا أن الأول أعلى تكلفة وغير مناسب لنقل الآليات الضخمة، والثاني يتصف ببطئه. وبناءً عليه، ارتفاع تكاليف استضافة المونديال، خصوصاً أن المواد الأولية لقطاع المقاولات المستوردة من السعودية ذات جودة عالية وأسعار تنافسية، فضلاً عن المخاطرة بالوفاء بتسليم المشاريع حسب الخطط الزمنية المرسومة لها.
ثانيًا: تأثر الموارد البشرية الخاصة بتنفيذ مشاريع المونديال
مجموعة من الشركات المساهمة والأفراد العاملين بمشاريع المقاولات موجودون في السعودية والإمارات، وقطع العلاقات يمنع مواطني الدولتين من السفر لقطر، كما يحتم على العاملين المقيمين بها مغادرتها حتى لو لم تستبعدهم الدوحة، وهو ما حدث فعلاً بعد توقف الفلبين عن إرسال عمالتها بسبب مخاوف تتعلق بالإرهاب. هذا الأثر السلبي يعزز آثار الخطر السابق بارتفاع التكاليف، وتأخر مواعيد تسليم المشاريع.
من أهم تحديات استضافة الفعاليات الضخمة هي القدرة على توفير التمويل اللازم للمشاريع المرتبطة بالفعالية، والتي تسعى الدول المستضيفة لتلك الفعاليات عادًة لتمويلها من أربع قنوات رئيسية: مدخراتها وصناديقها السيادية، أو الاقتراض من مؤسسات التمويل المحلية، والدولية، فضلاً عما تجنيه من حقوق الرعاية.
أما المدخرات فكل الدول الخليجية تراجعت مدخراتها بسبب تراجع أسعار النفط، وتحقيقها لعجوزات مالية في ميزانياتها للعام الحالي. وبعد تخفيض التصنيف الائتماني لقطر بسبب المقاطعة من وكالتي ستاندرد آند بورز، وموديز، ووضع وكالة فيتش التصنيف الائتماني لقطر قيد المراجعة مع احتمال الخفض مستقبلاً، وارتفاع تكلفة الديون الخارجية، وتراجع سعر صرف الريال القطري وتوقف التعامل معه في بعض الدول ومراكز الصرافة العالمية، وهو ما يؤدي حتمًا لارتفاع تكاليف الاقتراض نسبيًا.
أما الرعاة الرئيسيون والثانويون لمثل هذه الفعاليات، قد يتراجعون كليًا أو جزئيًا عن رعاية المونديال، نظرًا لارتباط اسم الدولة المستضيفة بتهم الإرهاب حسب ما جاء على لسان الدول المقاطعة لقطر وهو ما حدث أخيراً بفسخ عقد رعاية الخطوط القطرية لنادي الأهلي السعودي (بغض النظر عن الجهة التي طالبت بفسخ العقد أو مبررات فسخه)، وبالتالي ارتفاع تكاليف التمويل، وتراجع العائد على الاستثمار لاستضافة المونديال.
بمجرد إعلان الدول العربية الأربع في بيانات مستقلة ومتزامنة مقاطعة دولة قطر، وإغلاق الأجواء، والمياه، والمنفذ البري الوحيد، مبررة ذلك بتهم تتعلق بدعم وتمويل ورعاية الإرهاب ماليًا وسياسيًا وإعلاميًا، تناقلت وسائل الإعلام العالمية المرئية والمقروءة والمسموعة تفاصيل الخبر بجميع اللغات الرئيسية (الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والصينية
وباقي اللغات الأوروبية والآسيوية). عناوين الأخبار العاجلة، وعناوين التقارير المستمرة، وحتى الأوسمة في شبكات التواصل الاجتماعي جمعت بين ثلاث مفردات أساسية: "قطر، قطع العلاقات، إرهاب"، وبالتالي فإن الصورة الذهنية لوجهة سياحية احتلت المركز السابع والأربعين على مؤشر تنافسية صناعة السفر والسياحة العالمي لعام 2017 الذي صدر في شهر أبريل (نيسان) أي قبل اشتعال الأزمة السياسية بشهرين (متراجعًة أربعة مراكز عن مركزها السابق في عام 2015م وستة مراكز عن مركزها في عام 2013)، التي تروج لنفسها على أنها وجهة سياحية فاخرة (Destination Tourism Luxury ) قد تعرضت صورتها الذهنية للتشويه، وفي حال استمرار التغطية الإعلامية على مستوى العالم، وحتى التغطية الإعلامية المضادة التي تنفي تهم الإرهاب، فإن التشويه سوف ينتقل أثره من الصورة الذهنية للصورة النمطية، التي يصعب معالجتها في الأجل القصير أو المتوسط قبل انطلاق المونديال، بل حتى بعد تنظيم المونديال، سوف تستمر الصورة النمطية المشوهة في فرض تحديات كبيرة لتطوير صناعة السياحة القطرية (تم توضيح هذه المعلومة ضمن الأثر العاشر).
خامسًا: تراجع فرص عقد المعسكرات الخارجية للمنتخبات المتأهلة للمونديال في الدول المجاورة لقطر
الأبحاث العلمية في مجال إدارة الفعاليات توضح الأدوار الإيجابية المباشرة وغير المباشرة التي تلعبها الدول المجاورة لإنجاح استضافة دولة ما لفعالية ضخمة. فعلى سبيل المثال، لأن المرافق الرياضية بالدول المستضيفة عادًة لا تكفي لاحتضان 32 منتخبًا لإقامة معسكراتهم، تتعاقد المنتخبات المتأهلة مع الفنادق وملاك الملاعب الرياضية بالدول المجاورة لاستضافة معسكرات التدريب بظروف مناخية مشابهة للبلد المستضيف قبل انطلاقة المونديال، فضلاً عن تقليل زمن الرحلة بين معسكر التدريب والبلد المستضيف بعد نهاية المعسكر، لتقليل الآثار الفسيولوجية السلبية على اللاعبين. قرار قطاع العلاقات قد يعقد فرص وجود تلك المنتخبات في ملاعب السعودية والإمارات والبحرين.
سادسًا: عناصر نجاح الفعاليات والوجهات السياحية
يمثل هذا الموضوع أحد أهم مجالات الأبحاث العلمية في العلوم السياحية (Factors Success Destinations Tourism and Events)، والتي تبحث كل ما من شأنه إنجاح الفعالية والوجهات السياحية المستضيفة للفعاليات، وتعظيم الآثار الاقتصادية والاجتماعية، وتقليل الآثار السلبية، وهذه العناصر ليست مرتبطة بالفعالية فحسب، مثل جودة تنظيمها وإدارة مخاطرها، وإنما تمتد للفعاليات والأنشطة السياحية المصاحبة للفعالية، وكذلك ما ينظم قبل وبعد الفعالية الضخمة.
جميع الأنماط السياحية الرئيسية التي تروج لها قطر قد تأثرت سلبًا بشكل مباشر أوغير مباشر بالأحداث السياسية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: سياحة الترانزيت (Tourism Transit ) بسبب إغلاق المجالات الجوية للدول المجاورة، سياحة السفن السياحية العملاقة (Tourism Ship Cruise ) والتي تخطط موانئ قطر لاستضافة 22 سفينة منها خلال عام 2017، بسبب منع الدول المجاورة من تنقل السفن بين مياهها الإقليمية ومياه قطر الإقليمية، وسياحة زيارة الأصدقاء والأقارب (Tourism Relatives and Friends Visiting VFR ) بسبب قيود السفر على الأفراد، مع أهمية الإشارة لاستثناءات الدول الخليجية للعائلات المشتركة من هذا القرار، والسياحة الفاخرة (Tourism Luxury (بسبب تراجع دوافع السياح ضمن هذا النمط من زيارة وجهات سياحية متوترة أو لحاجتهم لساعات أطول للوصول لها جوًا، والسياحة الإقليمية (Tourism Regional ) التي يبحث السواح فيها عن زيارة أكثر من وجهة سياحية ضمن المنطقة نفسها، فضلاً عن سياحة الفعاليات (Tourism Event ) للأسباب المذكورة آنفًا ولاحقًا.
حتى القطاع الفندقي الذي بلغ متوسط إشغاله للعام الماضي 62 % قد تتراجع فيه هذه النسبة إذا استمرت
الأزمة السياسية، ما قد يؤدي لهروب الرساميل المستثمرة في القطاع من السلاسل الفندقية العالمية، وتسرب الموارد البشرية السياحية عمومًا التي بلغت العام الماضي 79284 وظيفة (تشكل 7.4 %من سوق العمل القطرية). عدم قدرة قطر أو تراجع قدراتها للاستمرار أو تفعيل هذه الأنماط السياحية قبل وأثناء وبعد استضافة المونديال، والمحافظة على مستويات إشغال وعوائد مالية مقبولة ضمن القطاع الفندقي، سوف تكون آثارهما سلبية على متعة التجربة السياحية للفرق المشاركة بالمونديال ولجماهير كرة القدم ('Tourists Experiences)، وعلى فرص تحقيق شروط "فيفا" لاستضافة المونديال بمضاعفة الطاقة الاستيعابية للقطاع الفندقي من 23000 غرفة إلى 46000 غرفة، فضلاً عن المحافظة على الطاقة الحالية.
صعوبة الوصول لقطر وتأثر الإمداد والدعم
سابعًا: تراجع سهولة الوصول لقطر
أحد أهم عناصر نجاح الفعاليات الضخمة هو سهولة الوصول للوجهة/ للوجهات السياحية المستضيفة لها (Accessibility' Destinations Tourism )، وقطع الدول العربية الأربع لعلاقاتها مع قطر يمنع مواطني تلك الدول من السفر لقطر، كما يخفض السعة المقعدية التي كانت توفرها ثمانية خطوط طيران رئيسية تابعة للدول الأربع. وحسب إحصاءات الهيئة العامة للسياحة القطرية لعام م فإن جنسيات مواطني الدول الأربع كانت ضمن أعلى جنسيات زارت قطر على النحو التالي: السعودية في المركز الأول (949 ألف زائر)، والبحرين في المركز الثالث (135 ألف زائر)، والإمارات في المركز الرابع (134 ألف زائر)، ومصر في المركز التاسع (81 ألف زائر)، إذ إجمالي الزوار من الدول الأربع يشكل نسبة 44 %من إجمالي عدد زوار قطر البالغ 2938000 زائر العام الماضي. أما العمانيون والكويتيون الذين احتلوا المركزين السابع والثامن ضمن أعلى 10 جنسيات زارت قطر العام الماضي (99 ألفاً و93 ألفاً، على التوالي) فإنهم لن يتمكنوا من زيارة قطر برًا، وعبر الجو قد تستغرق رحلاتهم وقتًا أطول في حال استقلوا الخطوط القطرية، وهو نفس حال الزوار العراقيين والأردنيين واليمنيين.
دون أدنى شك، إغلاق الحدود البرية، والمجالات الجوية والبحرية للسعودية والإمارات والبحرين، يقلل من سهولة الوصول لقطر لكل القادمين لها من شمالها وجنوبها، ومن جهة الغرب تحديدًا، فزوار قطر من الدول الأوروبية (455 ألف زائر)، ومن القارة الأفريقية (254 ألف زائر)، ومن القارتين الأمريكيتين (157 ألف زائر).
تراجع سهولة الوصول لقطر لن يؤدي فقط لتوقف الزوار من الدول الأربع المسؤولة عن المقاطعة، بل يؤثر على تكاليف السفر لبقية الزوار من دول العالم، وتأثر تجربتهم السياحية سلبًا، ما قد يساهم بشكل مباشر في تراجع أعدادهم، فضلاً عن فرص انضمام دول أخرى لقرار المقاطعة، وهو ما حدث فعليًا مع مجموعة من الدول العربية والإسلامية أخيراً.