برعاية

جيل تلامذة جديد في أياكس.. مفاجأة الدوري الأوروبي

جيل تلامذة جديد في أياكس.. مفاجأة الدوري الأوروبي

وصل أياكس إلى نصف نهائي الدوري الأوروبي لهذا الموسم، بعد مباراة ماراثونية ضد شالكه في ألمانيا، ليعود الفريق الهولندي من بعيد ويسجل هدفين في الإضافي، لتنتهي المباراة بفوز أصحاب الأرض لكن مع تأهل الضيوف إلى الدورالمقبل بمجموع المباراتين.

وضرب رجال أمستردام موعداً مع المجد القاري بعد سنوات طويلة من الفشل، خصوصاً أن آخر عهد لأياكس مع نصف نهائي أي بطولة أوروبية يعود إلى سنة 1997، حينما وصل الفريق الهولندي إلى المربع الذهبي لدوري أبطال أوروبا، وخرج وقتها أمام بروسيا دورتموند، ليبتعد بعد ذلك كثيراً بسبب التفريط في النجوم وبيعهم إلى فرق القارة الغنية، وصعوبة المنافسة أمام أباطرة الكرة الجدد.

يحكي مارسيلو بييلسا عن أكثر الأمثلة التي أثرت في مسيرته تدريبياً، ويتحدث بتقدير وإعجاب شديدين عن تجربة أياكس التسعينات. أياكس لويس فان غال هو أنجح نموذج كروي في حقبة التسعينات، تجربة كانت فريدة في كل شيء، من حيث الناحية الاقتصادية، أن تصنع فريقاً بطلاً للشامبيونزليغ بتكلفة أقل من مليون يورو! مليون يورو فقط قيمة الفريق ككل، بالجهاز المعاون، بكل شيء يذكر. رقم لا يقارن بالمليارات التي تُنفق مؤخراً، وحتى الملايين الطائلة في النصف الثاني من التسعينات، دون أي نجاحات تُذكر.

فنياً أيضاً هذا الفريق لا يقارن بأحد، لأنه صُنع في أكاديميات الناشئين، 11 لاعباً من إنتاج محلي، مع مدرب يبدأ خطوات الشهرة والنجومية، بعد أن عمل كمساعد لعدة سنوات. وتكتيكياً، صيحة الـ 3-1-3-3 التي قلبت الكرة وقتها، الخطة التي تحولت تدريجياً إلى 3-4-3، والتي كانت المفتاح السحري لتغيير خريطة اللعبة في أميركا اللاتينية، بعد أن اقتبسها مارسيلو ونجح في تحويلها إلى نسخة لاتينية أكثر نجاعة على الصعيدين البدني واللياقي، مع جماعية مفرطة من خلال اللعب بـ 11 لاعباً في الدفاع والهجوم معاً.

إنها كرة الفوز التي تمتزج بسياسة المتعة وثقافة الفرحة للجماهير. كان لعب اياكس أشبه بالعرض الفني رفيع المقام، مع تمركز لاعبيه بشكل مثالي بين خطوط الفرق المنافسة. لعب الفريق مع فان غال ثم بعده لعدة سنوات بطريقة خاصة تركز على فرض الشخصية دون أي اعتبار للمنافس، نحن فقط من نضع السؤال ونجاوب عليه، قبل أن يفكر غيرنا مجرد تفكير بسيط، في معرفة الإجابة. الغريب في كرة هذا النادي أن الفريق كان يعيد الكرة للخلف حوالى 37 مرة في المباراة الواحدة، أمر بدا غير جذاب في البداية، لكنه سرعان ما تحول إلى مبدأ كروي لخلق محاولة هجوم جديدة دون توقف.

ابتعد أياكس كثيراً منذ الألفية الجديدة بسبب صعوبة المنافسة اقتصادياً مع الآخرين، ليصبح الفريق أشبه بمصانع إنتاج النجوم وبيعها إلى أندية إسبانيا وإيطاليا وإنكلترا، لكن بعد تولي فرانك دي بوير القيادة الفنية، تحسنت الأمور كثيراً على الصعيد المحلي، وفاز النادي بعدة بطولات متتالية، مع بقاء الوضع الأوروبي كما هو، مجرد مشاركات خجولة في المراحل الأولى من عصبة الأبطال والدوري الأوروبي، حتى رهان الإدارة الرياضية على بيتر بوس، المدرب الذي صنع لنفسه هالة تكتيكية خاصة، تعتمد بشكل رئيسي على مبادئ الكرة الشاملة التي صنعها رينوس ميتشيلز وأضاف لها كرويف الكثير.

عمل بوس في بداياته كمدرب لفرق دي جرافشاب وهيراكليس، قبل أن يتولى منصب المدير التقني لفينورد، ويخطو أولى خطوات النجومية في هولندا بتوليه تدريب فيتيسه في الفترة ما بين 2013 إلى 2016. وقتها تقدم الفريق سريعاً في جدول ترتيب الدوري الهولندي، ونال مراكز مؤهلة للبطولات الأوروبية، مع ترشح المدير الفني لجائزة مدرب العام. وبجانب الأرقام المميزة للنادي، تعاون بوس مع المدير الرياضي لفيتيسه، الهولندي من أصول مغربية محمد ألاش، في الاهتمام بفرق الناشئين بالأكاديمية، وتصعيد عدد كبير من المواهب الشابة إلى الفريق الأول.

مثله مثل أقرانه، ينتهج بوس طريقة لعب 4-3-3 التي تتحول إلى 3-4-3 في حالات الاستحواذ، مع ثلاثي متحرك ومتنوع في منطقة الارتكاز، رفقة مهاجم غير ثابت وثنائي من الأجنحة القادرة على القطع في العمق وداخل منطقة الجزاء. لذلك يركز في لعبه على الاختراق العمودي بصعود لاعبي الوسط، واستخدام الأطراف في فتح الملعب عرضياً، مع الارتداد السريع في الحالة الدفاعية، لذلك صنع أياكس معه فرصاً عديدة هذا الموسم، ونجح على الصعيدين المحلي والأوروبي في آن واحد.

في تحليلها لقمة الدوري الهولندي بين أياكس وفينورد بالمباراة التي انتهت بفوز ممثل أمستردام منذ فترة، تحدثت مدونة "سبيلفير" عن الدور التكتيكي للمدرب بيتر بوس في حسم المباراة لفريقه. يلعب فينورد دائماً بنظام الرقابة الفردية في كل مكان بالملعب، لأن فان برونكهورست يعتمد على مزيج خططي بين 4-3-3 و 4-2-3-1 من دون الكرة، ليراهن أياكس عند بناء الهجمة على التمريرات الطولية من الدفاع إلى قلب الهجوم مباشرة، مع إعادة الكرة من المهاجم سريعاً إلى لاعبي الوسط الهاربين من الرقابة في أنصاف المسافات بين الطرف وعمق الملعب.

يتحرك لاسه شوني لاعب الارتكاز في المنتصف، يسحب اللاعبين بعيداً عن دفاعه، حتى يصعد قلب الدفاع بالكرة ويمررها مباشرة إلى المهاجم تراوري، الذي يعيدها قصيرة إلى حكيم زياش أو كلاسين، ليقوم صناع اللعب بالربط السريع من الأجنحة على الخط الجانبي، ليحصل أياكس على تفوق نوعي أسفل الأطراف، بخلق موقف 2 ضد 1 والتركيز على حسم الهجمة بالرجل الحر الخالي من الرقابة.

وفي مباراة ربع نهائي الدوري الأوروبي ضد شالكه، وضح تماماً العمل التكتيكي للمدرب على كل اللاعبين، من خلال مشاركة الحارس الكاميروني أونانا في بدء الهجمات بقدمه، مع استخدام الظهيرين فالتمان وفيرجيفير بذكاء، بتحولهما إلى العمق على مقربة الدفاع عند البناء من الخلف، لسحب هجوم الألمان إلى الأمام ومن ثم لعب كرة طولية بعيداً عن الرقابة إلى لاعبي الوسط، بالإضافة إلى استغلال سرعة الأجنحة في تحولهم إلى منطقة الجزاء وقيامهم بدور مساعدي الهجوم أثناء تشديد الخناق على المهاجم الوحيد تراوري، ليسجل أمين يونس هدفاً قضى به على آمال شالكه وأكد صعود فريقه إلى مربع الكبار.

ينتهج أياكس سياسة تصعيد الناشئين إلى الفريق الأول سريعاً، دافي كلاسين وفالتمان وغيرهما من نجوم الفريق القدامى رغم صغر سنهم، بسبب لعبهم مع الكبار منذ سنوات طويلة. ويركز المدراء في أمستردام على متابعة الفرق المنافسة جيداً، من أجل خطف أي اسم قابل للتطور بسعر زهيد قبل التقاطه من الفرق الأوروبية الكبيرة، كما حدث في حالة حكيم زياش، صانع اللعب المغربي الذي تألق بشكل لافت في هولندا، لينتقل إلى أياكس ويبدأ خطوة جديدة على طريق الشهرة.

الخبر بالكامل
رأيك يهمنا