برعاية

محمود الورتاني لـ «الشّروق» .. بطولتنا «غير شريفة» وتدور تحت شعار «حوت ياكـــل حــوت»محمود الورتاني لـ «الشّروق» .. بطولتنا «غير شريفة» وتدور تحت شعار «حوت ياكـــل حــوت»

محمود الورتاني لـ «الشّروق» .. بطولتنا «غير شريفة» وتدور تحت شعار «حوت ياكـــل حــوت»محمود الورتاني لـ «الشّروق» .. بطولتنا «غير شريفة» وتدور تحت شعار «حوت ياكـــل حــوت»

لم يعد محمود الورتاني في حاجة إلى الإشهار في وسائل الإعلام، أوالاستظهار بهويّته ليقدّم نفسه للجمهور العارف بالمشوار الطّويل للرّجل في عالم التّدريب، ومجال التّحليل الذي حاول أن يدافع من خلاله عن الأفكار البنّاءة، وأن ينتصر عبره للفنيات على حساب المشاكل الجانبيّة، والحسابات الخفيّة وإن كان ضيف "الشّروق" على علم بجانب كبير بما يحصل خلف السّتار وهو "امتياز" ظفر به بفضل تجربته الثريّة في الملاعب التونسيّة، وأستوديوهات التلفزات المحليّة، ومكاتب الإدارات الفنيّة...

وكلّ هذه الخصال تجعل الورتاني من الأشخاص الأكفاء، والنّزهاء للإدلاء بدلوهم في الأزمة الشّاملة الكرة التونسيّة، وإبداء الرأي في وضع فريق القنال، والخوض في مسائل التّدريب، والتّحليل، والتّحكيم بعين الخبير، وبقدر عال من الموضوعية وهي سمة لا جدال حولها في خطابات هذه الشّخصية الرياضيّة المتّزنة في زمن طغت فيه المواقف المتشنّجّة.

هل هجرت أستوديوهات التّحليل بملء إرادتك أم أنّك ضحيّة الغربال الذي يسقط البعض، ويحتفظ بالبعض الآخر حسب عدّة اعتبارات، وحسابات تتذيّلها طبعا الكفاءة؟

علاقتي بمجال التّحليل الفني ضاربة في القدم. ولن أبالغ في شيء إذا قلت إنّ تجربتي في هذا الميدان - المرتبط عضويّا بالتدريب - بدأت منذ حوالي عقدين من الزّمن، وقد تجوّلت أثناء هذه الفترة الطّويلة بين عدد من التلفزات، والإذاعات مثل الوطنيّة بقناتيها الأولى، والثّانية علاوة على "حنّبعل"، و"موزاييك"، و"شمس. آف. آم" (أثناء التقطّعات التي تشهدها رحلتي التدريبيّة). ويشهد المتابعون لقراءاتي الفنيّة أنّني حاولت قدر المستطاع تقديم المعلومة بشكل مبسّط، وبطريقة تضمن الموضوعيّة، وتحترم الذّوق العام مع الحرص على عدم الإنزلاق في فخّ تصفيّة الحسابات، والتورّط في مصيدة الانتماءات الضيّقة. ومن المؤسف حقّا أنّ بعض المحلّلين الحاليين، وقعوا في المحظور، وظهروا على الشّاشات بجبّة المحب المتعصّب لجمعيته بل أنّ ثلّة منهم ساهموا من حيث لا يعلمون في تغذية النّعرات الجهويّة المقيتة شأنهم شأن عدد من المسؤولين. وكان لزاما على المشتغلين في مجال التّحليل أن يكونوا على قدر المسؤولية، وأن يقدّموا للمشاهدين بضاعة جيّدة تساعد على تثقيف الجمهور، وترتقي بالخطاب إلى مستوى الانتظارات. ومن واجب المشرفين على مختلف وسائل الإعلام المرئية، والمسموعة، والمقروءة انتقاء الأشخاص الأمثل لأداء هذه المهمّة التي استغلّها بعضهم للظّفر بالمكاسب، والمناصب حتّى أن أحدهم غنم مقعدا فنيّا في الجامعة بعد أن ساهم في تبييض صورة "الرّئيس" (في الانتظار الإعلان الرّسمي عن التعيين). وبناء عليه، لابدّ من مراجعة الحسابات، والسّياسات المتّبعة في هذا القطاع الذي ابتعدت عنه مؤخرا لأسباب خارجة عن نطاقي. ذلك أنّه لا يعقل أن يطرق مدرّب في مثل تجربتي، وعمري باب المسؤولين للظّهور في أستوديوهات التّحليل...

لماذا لم تنسج على منوال بعض المخضرمين من أبناء جيلك، وترجع إلى الميادين؟

اقتحمت عالم التّدريب منذ حوالي أربعة عقود، وأؤمن شخصيا أنّ العشق المجنون للميادين لا ينتهي، ولا يخضع أبدا لعامل السنّ. وأؤكد أنّني دخلت مؤخرا في فترة "تأمّل"، ورفضت العروض التي وصلتني من بعض الجمعيات لكن ذلك لا يعني أنّني سأعتزل، وأضع نقطة النّهاية لمسيرتي التدريبيّة بل أنّ الفرصة مازالت متاحة لخوض مغامرات جديدة شرط أن يحفظ أصحاب العرص المقدّم كرامتي، ويحترموا أفكاري، ويعاملني أهل الحلّ والعقد معاملة راقية تليق بمربّ، ومدرّب محترف. والحقيقة أنّ هذا الأمر غير متاح في صفوف السّواد الأعظم من الجمعيات التونسيّة التي تجعل منه كبش فداء لإلهاء الجمهور عن أخطاء المسؤولين الذين سقط بعضهم في فخّ "إهانة" المدربين سواء عبر التدخّل في شؤونهم الفنيّة، أومن خلال هضم حقوقهم الماديّة (تذكّروا عدد الشكاوى المعلّقة في لجنة النّزاعات)، وأيضا تحميلهم ما لا طاقة لهم به. ويحزّ في نفسي أن يتعرّض بعض الزّملاء إلى هذه المعاملة الظّالمة. وأتعاطف شخصيا مع مدرّب بن قردان شكري الخطوي الذي حقّق معجزة كرويّة بإمكانات محدودة بل شبه معدومة ومع ذلك فإنّه لم يسلم من الانتقادات، والضّغوطات. ولن نمرّ على هذا النّموذج النّاجح دون التّنويه بـ"معجزة" أخرى من توقيع نجم محمّد الكوكي، وبوجلال بوجلال وهما مثال يحتذى في العمل الجاد، والتّسيير على أسس سليمة. وأعتبر أنّ ما أنجزه الكوكي، والخطوي هو النّجاح الحقيقي أمّا ما نسجّله من تتويجات في الجمعيات الـ"كبيرة" فهذا أمر بديهي قياسيا بالامكانات المتوفّرة.

ماذا يحصل في فريق القنال وأنت أحد أبناء الدار، والعارفين بما يحدث في كواليس "قرش الشّمال" الفاشل في الكأس، والموجوع في البطولة؟

ينبغي أن نؤكد أوّلا وقبل كلّ شيء أنّني ابتعدت عن أجواء الفريق منذ أن أنهى الرئيس السابق المهدي بن غربيّة مهامي، وأجبرني على التّوقيع على وثيقة تثبت أنّني تبرّعت بمستحقاتي المالية (بعنوان رواتبي من خطّتي كمدير رياضي) لفائدة الجمعيّة. وهذه النّادرة ليست سوى عيّنة صغيرة عمّا اقترفه الرّجل في حقّ "ضحاياه" وهم كثر. ونعود إلى الوضع الراهن للـ"قرش" لنشير إلى أنّ المحبين يعيشون حالة تمزّق بين ما هو موجود وما هو منشود. ذلك أنّ النادي العريق يستحقّ (نظريا) مكانة أحسن في البطولة قياسا بتقاليده المعروفة في المراهنة على الألقاب، وتاريخه الكبير في تكوين المواهب (نظرة عاجلة على النّسخة الأخيرة من "دربي" العاصمة تقيم الدّليل على الكمّ الهائل للاعبين الذين فرّط فيهم النادي). أمّا الواقع فهو مغاير تماما، حيث تجرّع النادي مرارة الانسحاب من الكأس. ويواجه عدّة مشاكل في "البلاي .آوت" بعد أن كان من المرشّحين للعبور إلى "البلاي. أوف". والحقيقة أنّ الجمعيّة تدفع الآن فاتورة سوء التّدبير. ولا يخفى على أحد أنّ الهيئة المتخلية برئاسة بن غربيّة اجتهدت في البداية، وجعلت الفريق رقما صعبا في السّاحة، وكبرت أحلام الـ"بنزرتيّة" قبل أن تتعاظم نرجسيّة بن غربية، ويهدم ما بناه في لمح البصر، ويقصي الكفاءات (في التدريب، والتّسيير)، ويفوّت في النّجوم، ويحكم على الجمعيّة بالعودة إلى نقطة الصّفر. والأخطر من ذلك أنّه أهدى خليفته السعيداني تركة ثقيلة. ولم يحسن الرئيس الحالي للأمانة التعامل مع الوضع، وارتكبت إدارته جملة من الهفوات منها عدم مراعاة الأولويات، وغياب استراتيجيّة واضحة الملامح لمعالجة الأزمة قبل استفحالها كما أنّ النادي تضرّر من التّفريط في بعض ركائزه في "الميركاتو" الأخير. وأتفهّم شخصيا الصّعوبات التي اصطدم بها ماهر الكنزاري ليحقّق المطلوب خاصّة أنّه عاد إلى بنزرت في فترة عسيرة لكن ذلك لا يخفي أبدا التحفّظات التي أظهرها شقّ من أبناء الدار على هذا الخيار حيث يعتقد البعض أنّه وقع تعيين ماهر رغم أنف الجميع. (ماهر كان على خلاف مع ثلّة من الأحباء، وقد بادر بالإعتذار قبل أن يعود إلى عاصمة الجلاء)

خطابات الرئيس عبد السّلام السّعيداني تحتوي على إشارات ضمنيّة، ودلات رمزيّة على وجود "قوى خفيّة"، وبلغة أوضح "حكومة ظلّ" تحاول التّشويش على الجمعيّة. فهل من معلومات اضافيّة؟

(ضاحكا). جبهات المعارضة منتشرة في محيط كلّ الجمعيات دون استثناء. ولا يمكنني أن أؤكد أوأن أنفي وجود هذه الظّاهرة في فريق عاصمة الجلاء. وكلّ ما أعرفه أن تحقيق الانتصارات، وحصد النّجاحات، ووضع الاستراتيجيات المدروسة هم الضّامن الوحيد لإسكات المنتقدين، والمشوّشين، و"النّبارة" بلغة بعض الرياضيين.

من منطلق متابعتك الدّقيقة للّعبة، وتجربتك الطّويلة في عالم التّدريب، هل تؤكد أوتنفي تهمة "الانحراف" في سلك التّحكيم؟

إنّ معرفتي الدقيقة بعالم كرة القدم تسمح لي بالخوض في ملف التّحكيم. والحقيقية أنّنا لم نعد في حاجة إلى أدلّة ساطعة، وبراهين قاطعة أنّ بطولتنا المحليّة غير شريفة، وصافرتنا غير نزيهة. وأعتقد أنّ ساحتنا الكروية أصبح ينطبق عليها مثلنا القائل: "حوت ياكل حوت وقليل الجهد يموت"، أي أنّ البقاء للأقوى (وهذه الظّاهرة سيطرت تقريبا على كلّ المجالات). ومن الواضح أنّ الوضع أصبح خارج نطاق السّيطرة. وقد شاهدت شخصيا عدّة أخطاء تحكيميّة في "كلاسيكو" صفاقس، ومباراة المرسى و"الستيدة"، ولقاء الترجي وبن قردان... وتابعنا أيضا تلك الأحداث التي يندى لها الجبين بين القصرين، وقفصة في بطولة الرابطة الثانية وما رافقها من اتّهامات، وتحقيقات. وتظهر كلّ المؤشرات أنّ كرتنا انحرفت عن المسار في وقت انشغلت فيه الجامعة وهي المشرف الأوّل على اللّعبة بإصدار البيانات، وعقد الاجتماعات كما حصل في الجلسة الأخيرة بين مكتب الجريء، وممثلي الأندية. ويعدّ هذا الاجتماع فضيحة في حدّ ذاته بحكم أنّه كان مناسبة لمهاجمة بعض المسؤولين، ووسائل الإعلام (القناة الوطنيّة). وانتظرت أن يعقد هذا الاجتماع قبل انطلاق سباقي "البلاي. أوف"، و"البلاي. آوت" لتوعية المسيّرين لا أن يرى النّور بعد سيل التّصريحات الناريّة، وتكرّر الانفلاتات في ملاعبنا. كما أنّ الهجوم الذي شنّه المجتمعون على الإعلام غير مقبول بحكم أنّ حريّة التّعبير خط أحمر لا يجب المساس به...

الإستفسار عن "لغز" التّحكيم يقودنا وجوبا إلى سؤال كبير عن دور الجامعة لمواجهة هذه الفوضى العارمة؟

الجامعة جزء من المشكل، ولا أظنّها قادرة على مجابهة الأزمة بجملة من الحلول الترقيعيّة التي لم تجد نفعا طيلة السّنوات الخمس التي قضّاها المكتب الجديد - القديم على رأس هذا الهيكل. وأصبحت عمليّة الإصلاح معقّدة حتّى لا نقول مستحيلة بعد أن تأزّم وضع التحكيم، وتمّ تقسيم البطولة بطريقة أحالت البعض على البطالة بصفة مبكّرة (باجة وبوزيد نموذجا)، وقد تتسبّب هذه البدعة الكرويّة في الكثير من القيل والقال في الأمتار الأخيرة من سباقي "البلاي. أوف"، و"البلاي .آوت" خاصّة عندما تفقد بعض الجمعيات الرّهان... وقد يطول الحديث عن الصلاحيات المسلوبة من الرّابطة، وعن الواقع المرير لمنتخباتنا الوطنيّة (اخفاقات في كلّ الأصناف)، وعن الغموض الذي يرافق مهام الإدارة الفنيّة التي كنت قد تركتها احتجاجا على محاولات "الإعتداء" الفاضح على صلاحياتي... وبالمختصر المفيد لا أحسب الجامعة تملك الحلّ الذي يكمن في تغيير المنظومة برمّتها لأنّ "ما بني على باطل فهو باطل".

هل من نقطة ضوء في خضمّ هذا الإنحطاط، والإحباط؟

الوضع يبعث على التشاؤم، والحزن لكن ذلك لا يعني أن نفقد الأمل في غد أفضل طالما أنّ السّاحة لم تخل بعد من أصحاب الضمائر الحيّة، والعقول النيّرة، وطالما أنّ البلاد تعجّ بالكفاءات العالية، والشّخصيات "النّظيفة" التي تنتظر فرصة العمر لتقلّد المناصب، والمساهمة في تصحيح المسار.

لم يعد محمود الورتاني في حاجة إلى الإشهار في وسائل الإعلام، أوالاستظهار بهويّته ليقدّم نفسه للجمهور العارف بالمشوار الطّويل للرّجل في عالم التّدريب، ومجال التّحليل الذي حاول أن يدافع من خلاله عن الأفكار البنّاءة، وأن ينتصر عبره للفنيات على حساب المشاكل الجانبيّة، والحسابات الخفيّة وإن كان ضيف "الشّروق" على علم بجانب كبير بما يحصل خلف السّتار وهو "امتياز" ظفر به بفضل تجربته الثريّة في الملاعب التونسيّة، وأستوديوهات التلفزات المحليّة، ومكاتب الإدارات الفنيّة...

وكلّ هذه الخصال تجعل الورتاني من الأشخاص الأكفاء، والنّزهاء للإدلاء بدلوهم في الأزمة الشّاملة الكرة التونسيّة، وإبداء الرأي في وضع فريق القنال، والخوض في مسائل التّدريب، والتّحليل، والتّحكيم بعين الخبير، وبقدر عال من الموضوعية وهي سمة لا جدال حولها في خطابات هذه الشّخصية الرياضيّة المتّزنة في زمن طغت فيه المواقف المتشنّجّة.

هل هجرت أستوديوهات التّحليل بملء إرادتك أم أنّك ضحيّة الغربال الذي يسقط البعض، ويحتفظ بالبعض الآخر حسب عدّة اعتبارات، وحسابات تتذيّلها طبعا الكفاءة؟

علاقتي بمجال التّحليل الفني ضاربة في القدم. ولن أبالغ في شيء إذا قلت إنّ تجربتي في هذا الميدان - المرتبط عضويّا بالتدريب - بدأت منذ حوالي عقدين من الزّمن، وقد تجوّلت أثناء هذه الفترة الطّويلة بين عدد من التلفزات، والإذاعات مثل الوطنيّة بقناتيها الأولى، والثّانية علاوة على "حنّبعل"، و"موزاييك"، و"شمس. آف. آم" (أثناء التقطّعات التي تشهدها رحلتي التدريبيّة). ويشهد المتابعون لقراءاتي الفنيّة أنّني حاولت قدر المستطاع تقديم المعلومة بشكل مبسّط، وبطريقة تضمن الموضوعيّة، وتحترم الذّوق العام مع الحرص على عدم الإنزلاق في فخّ تصفيّة الحسابات، والتورّط في مصيدة الانتماءات الضيّقة. ومن المؤسف حقّا أنّ بعض المحلّلين الحاليين، وقعوا في المحظور، وظهروا على الشّاشات بجبّة المحب المتعصّب لجمعيته بل أنّ ثلّة منهم ساهموا من حيث لا يعلمون في تغذية النّعرات الجهويّة المقيتة شأنهم شأن عدد من المسؤولين. وكان لزاما على المشتغلين في مجال التّحليل أن يكونوا على قدر المسؤولية، وأن يقدّموا للمشاهدين بضاعة جيّدة تساعد على تثقيف الجمهور، وترتقي بالخطاب إلى مستوى الانتظارات. ومن واجب المشرفين على مختلف وسائل الإعلام المرئية، والمسموعة، والمقروءة انتقاء الأشخاص الأمثل لأداء هذه المهمّة التي استغلّها بعضهم للظّفر بالمكاسب، والمناصب حتّى أن أحدهم غنم مقعدا فنيّا في الجامعة بعد أن ساهم في تبييض صورة "الرّئيس" (في الانتظار الإعلان الرّسمي عن التعيين). وبناء عليه، لابدّ من مراجعة الحسابات، والسّياسات المتّبعة في هذا القطاع الذي ابتعدت عنه مؤخرا لأسباب خارجة عن نطاقي. ذلك أنّه لا يعقل أن يطرق مدرّب في مثل تجربتي، وعمري باب المسؤولين للظّهور في أستوديوهات التّحليل...

لماذا لم تنسج على منوال بعض المخضرمين من أبناء جيلك، وترجع إلى الميادين؟

اقتحمت عالم التّدريب منذ حوالي أربعة عقود، وأؤمن شخصيا أنّ العشق المجنون للميادين لا ينتهي، ولا يخضع أبدا لعامل السنّ. وأؤكد أنّني دخلت مؤخرا في فترة "تأمّل"، ورفضت العروض التي وصلتني من بعض الجمعيات لكن ذلك لا يعني أنّني سأعتزل، وأضع نقطة النّهاية لمسيرتي التدريبيّة بل أنّ الفرصة مازالت متاحة لخوض مغامرات جديدة شرط أن يحفظ أصحاب العرص المقدّم كرامتي، ويحترموا أفكاري، ويعاملني أهل الحلّ والعقد معاملة راقية تليق بمربّ، ومدرّب محترف. والحقيقة أنّ هذا الأمر غير متاح في صفوف السّواد الأعظم من الجمعيات التونسيّة التي تجعل منه كبش فداء لإلهاء الجمهور عن أخطاء المسؤولين الذين سقط بعضهم في فخّ "إهانة" المدربين سواء عبر التدخّل في شؤونهم الفنيّة، أومن خلال هضم حقوقهم الماديّة (تذكّروا عدد الشكاوى المعلّقة في لجنة النّزاعات)، وأيضا تحميلهم ما لا طاقة لهم به. ويحزّ في نفسي أن يتعرّض بعض الزّملاء إلى هذه المعاملة الظّالمة. وأتعاطف شخصيا مع مدرّب بن قردان شكري الخطوي الذي حقّق معجزة كرويّة بإمكانات محدودة بل شبه معدومة ومع ذلك فإنّه لم يسلم من الانتقادات، والضّغوطات. ولن نمرّ على هذا النّموذج النّاجح دون التّنويه بـ"معجزة" أخرى من توقيع نجم محمّد الكوكي، وبوجلال بوجلال وهما مثال يحتذى في العمل الجاد، والتّسيير على أسس سليمة. وأعتبر أنّ ما أنجزه الكوكي، والخطوي هو النّجاح الحقيقي أمّا ما نسجّله من تتويجات في الجمعيات الـ"كبيرة" فهذا أمر بديهي قياسيا بالامكانات المتوفّرة.

ماذا يحصل في فريق القنال وأنت أحد أبناء الدار، والعارفين بما يحدث في كواليس "قرش الشّمال" الفاشل في الكأس، والموجوع في البطولة؟

ينبغي أن نؤكد أوّلا وقبل كلّ شيء أنّني ابتعدت عن أجواء الفريق منذ أن أنهى الرئيس السابق المهدي بن غربيّة مهامي، وأجبرني على التّوقيع على وثيقة تثبت أنّني تبرّعت بمستحقاتي المالية (بعنوان رواتبي من خطّتي كمدير رياضي) لفائدة الجمعيّة. وهذه النّادرة ليست سوى عيّنة صغيرة عمّا اقترفه الرّجل في حقّ "ضحاياه" وهم كثر. ونعود إلى الوضع الراهن للـ"قرش" لنشير إلى أنّ المحبين يعيشون حالة تمزّق بين ما هو موجود وما هو منشود. ذلك أنّ النادي العريق يستحقّ (نظريا) مكانة أحسن في البطولة قياسا بتقاليده المعروفة في المراهنة على الألقاب، وتاريخه الكبير في تكوين المواهب (نظرة عاجلة على النّسخة الأخيرة من "دربي" العاصمة تقيم الدّليل على الكمّ الهائل للاعبين الذين فرّط فيهم النادي). أمّا الواقع فهو مغاير تماما، حيث تجرّع النادي مرارة الانسحاب من الكأس. ويواجه عدّة مشاكل في "البلاي .آوت" بعد أن كان من المرشّحين للعبور إلى "البلاي. أوف". والحقيقة أنّ الجمعيّة تدفع الآن فاتورة سوء التّدبير. ولا يخفى على أحد أنّ الهيئة المتخلية برئاسة بن غربيّة اجتهدت في البداية، وجعلت الفريق رقما صعبا في السّاحة، وكبرت أحلام الـ"بنزرتيّة" قبل أن تتعاظم نرجسيّة بن غربية، ويهدم ما بناه في لمح البصر، ويقصي الكفاءات (في التدريب، والتّسيير)، ويفوّت في النّجوم، ويحكم على الجمعيّة بالعودة إلى نقطة الصّفر. والأخطر من ذلك أنّه أهدى خليفته السعيداني تركة ثقيلة. ولم يحسن الرئيس الحالي للأمانة التعامل مع الوضع، وارتكبت إدارته جملة من الهفوات منها عدم مراعاة الأولويات، وغياب استراتيجيّة واضحة الملامح لمعالجة الأزمة قبل استفحالها كما أنّ النادي تضرّر من التّفريط في بعض ركائزه في "الميركاتو" الأخير. وأتفهّم شخصيا الصّعوبات التي اصطدم بها ماهر الكنزاري ليحقّق المطلوب خاصّة أنّه عاد إلى بنزرت في فترة عسيرة لكن ذلك لا يخفي أبدا التحفّظات التي أظهرها شقّ من أبناء الدار على هذا الخيار حيث يعتقد البعض أنّه وقع تعيين ماهر رغم أنف الجميع. (ماهر كان على خلاف مع ثلّة من الأحباء، وقد بادر بالإعتذار قبل أن يعود إلى عاصمة الجلاء)

الخبر بالكامل
رأيك يهمنا