نوستالجيا | عقاب تسع سنوات في ست دقائق فقط!

نوستالجيا | عقاب تسع سنوات في ست دقائق فقط!

منذ 7 سنوات

نوستالجيا | عقاب تسع سنوات في ست دقائق فقط!

عندما تعبث في أوراقك القديمة .. هناك، ستجد النوستالجيا...

في صباحٍ مدرسي معتاد بفصلٍ تطلُ واجهته على بحيرة ساحرة في المدينة السلوفينية بليد، يقف جوستاف حاملًا قلمه الأحمر الذي تبدو آثاره واضحة على لوحةٍ بيضاء في الخلف، والتي تنُم عن عنوانٍ سابق يُمكننا تمييزه بأنه "الانشطار اليوغوسلافي" ولا بقيةٌ له، بينما يجلس أمامه عددٌ لا بأس به من الطلاب الذين تظهر عليهم ملامح الدهشة نوعًا ما

وهنا يستكمل المعلم جوستاف حديثه والذي كان له مقدمة لم أتمكن من سماعها وقال: إذًا، كانت ملامح الانفصال واضحة منذ الثمانينيات، الانفصال عن مملكة يوغوسلافيا التي تكونّت مباشرةً بعد الحرب العالمية الثانية وكان لبيتر الأول وابنه ألكسندر منافذ الحكم، حتى أصبح يحكمنا نحن سلوفينيا، ومعنا مقدونيا، كرواتيا، صربيا، البوسنة، الهرسك، دالماشيا وأخيرًا الجبل الأسود

ولكن الأمور لم تسر على ما يرام، فقد ساد التوتر واتهمنا الصرب والكروات بأن لنا النفوذ الأكبر وأصبح العداء واضحًا بعد تكوُّن الأحزاب، نحن نريد الاستقلالية بالقرار وصربيا تريد استمرار يوغوسلافيا القديمة ولكنها لا ترضخ للسياسات القائمة، حتى ساء الوضع الاقتصادي وتدخلت الولايات المتحدة، لكننا تمسكنا بما نريده فحسب، الحرية ثم الحرية، وفي الخامس والعشرين من يونيو عام 1991 انشطرنا بالفعل وأصبحت لنا الكلمة الأولى في مصائرنا ..

وقبل أن يسرد بقية التفاصيل قاطعه إيفان وهو يرفع هاتفه لأعلى وسط نظرات تعجب من بقية الطلاب قائلًا: أستاذي جوستاف آسف لمقاطعتك، ولكن الملل ينتابني حقًا من هذه السياسات، أنا لا أفهم في كل ذلك ولكن هذا فقط ما أفهمه، واقترب منه يتساءل: هل ترى تلك الصورة؟ إنها صورة من مباراة منتخبنا السلوفيني أمام يوغوسلافيا، ولكنها يوغوسلافيا غير التي تحكي عنها بالطبع، يبدو أننا لم نتحرر حقًا فيما يُعرف بعالم الجلد المدور، فما رأيك؟

ابتسم جوستاف ابتسامة الراغب في الحديث وأجاب: ذكّرتني بيوم العقاب يا إيفان، يوم انتظرناه كثيرًا ولكنه جاء بما لا تشتهي السفن، وكأن يوغوسلافيا القديمة قد بُعثت لتلقننا درسًا، درسًا قاسيًا في الظهور الأول ببطولة يورو، يورو 2000 ويوم الثالث عشر من يوليو، لم ولن أنسى، كانت المباراة الافتتاحية في البطولة وفي مجموعة ضمت كلًا منا، يوغوسلافيا اللعينة، إسبانيا والنرويج

أكثر من 16 ألفًا يشهدون الحدث والجميع من ناحيتنا يتوقعها مباراة للتاريخ الذي نعمله جميعًا، ولكننا لم نعلم أنه قد يخذلنا في الجزء الثاني من سيناريو المباراة، انطلقت صافرة الحكم البرتغالي ميلو بيريرا من هنا وانطلقت معها صيحات الحاضرين يطالبون بعدالةٍ كروية تمس من الكرامة أكثر مما تتخيلون، عدالة ربما تبقينا في بطولة رغبنا بها بكل ما نحمل من رغبة، حتى اتفقنا على الجلوس لنرتاح ونرى ما سيحدث

أقل من 15 دقيقة مرت لنجد صاروخية من زلاتكو زاهوفيتش عريس البداية، صاروخية أُقسم أنها كادت تخترق المرمى لولا الحظ العثر، جعلتنا ننتفض من أماكنا لبدء الاحتفال ولكنها كانت إنذارًا كاذبًا كما قلت، دقائق تمر ونحن على أهُبة الاستعداد وكأن حُكم محكمة سوف يتم النطق به في التو، وبالفعل لم ينتظر زاهوفيتش حتى تغيّر الصفر البارز في لوحة النتيجة ليصبح الواحد الذي أردناه بعد إرسال قوي برأسه التي كانت تحمل الكثير من الأفكار ونجحت إحداها في الدقيقة 23

ارتفعت أعلامنا حتى أعاقت مستوى نظري على المرمى ويبدو أن الحفلة قد بدأت رسميًا في الشوط الثاني من ليلة تأكيد الحُلم، وذلك حينما أنقذ ميران بافلين ماء وجهنا وأرسل كرة جاءت إليه بقدم زاهوفيتش لتسكن الشباك في الدقيقة 52 وكأنها ثورة انفصالٍ أخرى، أنا لا أبالغ ولكن هذا ما شعرتُ به، شعرت بأن أول ثلاث نقاط قد اقتربت ولربما نصنع ما نريده في عالم نعشقه جدًا، وبينما أنا غارقٌ في حسابات المشجعين تلك، أوقظني زاهو للمرة الثالثة بعد خمسة دقائق فقط، أي في الدقيقة 57 حيث اقتنص خطأ فادحًا في دفاع الخصم بتمريرة جاءت إليه على طبق من فضة ورفعها رفعة لا تُصد وظل يحتفل كالمجنون

ولكن الأحلام لا تحقق بهذه السهولة، حتى عندما ثار غضب سينيشا ميهالوفيتش اليوغوسلافي واعتدى على زاهوفيتش بالضرب الأمر الذي تسبب في طرده على الفور لمضاعفة متاعب الفريق، فقد عاد الخصوم لمستواهم في ستة دقائق فقط، ستة دقائق كان عجوزٌ بجانبي يتناول وجبة بسيطة خلالها وأنا من كان يفاجئه بالنتيجة في كل مرة .. فكأنني أرى عقابًا لم أتلقاه طوال تسع سنوات من الحرية، كأنني أرى أحدًا يملأ تلك البحيرة بالتراب كي تختفي ملامحنا

حلت الدقيقة الملعونة 67 لنجد سافو ميلوسوفيتش ينتظر الكرة كالفهد يراقب فريسته، مرت الفريسة من ركنية إلى زميل له إلى يد الحارس إليه ثم إلى الشبكة، أسكنها المرمى دون أن نراه بقدمٍ خبيثة كان لها السبق في تنفيذ الحكم الأول بعدما تخلى البقية عن تنفيذه طوال شوط مباراةٍ ونصف، اعتقدنا جميعًا أن استفاقتهم المتأخرة قد تتوقف عند هذا الحد وأنه قد تنتهي تلك القصة بين دقيقةٍ وأخرى كي نحتفل فحسب، ولكن ها هو درولوفيتش يهز رأسه بالنفي

الخبر من المصدر