برعاية

الرابطة الأولى : «دربي» من نار... وتشويق بين «الصغار»

الرابطة الأولى : «دربي» من نار... وتشويق بين «الصغار»

شارفت رحلة الجارين على قرن من الزّمن دون أن يضعف وقار شيخ «المحترفين»، أو تخور قوى صاحب الرباعيّة التاريخيّة الذي ولد مع غريمه الأزلي في المكان نفسه، وفي الظّروف ذاتها، وسحرا سويّا المتفرجين من بنزرت إلى بن قردان، واستوليا على قلوب، وعقول الملايين من التونسيين العاشقين حدّ النّخاع لـ»دربيات» العاصمة التي أكّدت بمرور الأيام، والأعوام أنّها قمّة القمم، وأنّ الجمهور على اختلاف الألوان، والأهواء لن يحيد عن حبّها، ولن يتنازل عن مشاهدتها حتى إن عرضوا عليه لقاء بين الكبير ريال، والعملاق بيارن...

إنّه سحر الـ»دربي» الكبير، والمثير الذي لم يقاومه المحبّون، و السياسيون بما في ذلك زعيم البورقيبيين، والذي تتهافت عليه جحافل الإعلاميين من تونس الأعماق، وحتّى من قطر، ويعلن معه الأمن حالة الإستنفار القصوى، وتتزيّن له كامل أرجاء، وأحياء الخضراء احتفاء بفارسيها بعد أن نجحا في إضاءة ليل تونس الدامس زمن المستعمرين الذين لم يصدقوا (مثل الكثير من أبناء البلد) أنّ «حومتين» بذلك الحجم الصّغير ستصنعان العجب، وتحصدان إعجاب الغرب، والعرب من المحيط إلى الخليج، ومن السعودية، حيث أسقط فريق الشّعب «الهلاليين» إلى اليابان، حيث بلغت «الدّولة» الترجية ذروة مجدها.

إنّه العشق المجنون لـ»الدربي» الذي إستولى على إهتمام النّاس مهما اختلف الرّهان، وفي كلّ مكان، وزمان، سواء عندما كانت حوارات الجارين تدور في «البطاحي»، والأرضيات الصّلبة، أوفي الملاعب المعشّبة مثل المنزه، ورادس وهو أحد المسارح التي رقص فيها الناديان من شدّة الفرح، وعرفا فيه أيضا الأتراح، وتأكد جميع المتابعين المعاصرين، والسابقين أنّ الـ»دربي» «سجال»: يوم ينتصر فيه أحدهما، ويوم ينتهي بلا غالب ولا مغلوب. ولا يقبل الـ»دربي» التكهن، وهي حقيقة يعرفها كلّ من شهده أثناء فترة المستعمرين، أوبعد الإستقلال، أوفي عهده الزين، أوكذلك إثر «ثورة» الياسمين، وسواء كان اللّقاء بقيادة الحكم التواتي، أو مواطنه بودبّوس، أو»كلود» الفرنسيين، أوحتى «كولينا» الطّليان... ويبقى التنبؤ بنتيجة الـ»دربي» ضربا من الجنون، أو هو من أراجيف «الدجّالين»، و»كبيرهم» الذي ظهر في إحدى تلفزاتنا ليقرأ كفّ رياضتنا في زمن المحن، والفتن الذي مازال يحتل فيها «دربي» العاصمة مكانة مرموقة رغم ما طرأ عليه من تحوّلات في عصر الانتخابات المزعومة، والمليارات المهدورة هباء منثورا على أشباه اللاعبين، والصراعات «المشبوهة» على «الفايس بوك»، وفي المدرّجات بين المجموعات...

لقد تعاقبت الأجيال، وتغيّرت العقليات، وتبّدلت النّفوس في حديقتي الرّمزين الخالدين حسّان، ومنير، حيث انهارت بورصة المواهب في قلعتي طارق، والشايبي، وحضرت المليارات، وغابت الإبداعات، وظهرت «دربيات» موازية في المدرّجات، حيث عوّضت «الدخلات» العالمية، واللّوحات الفنيّة النّقص الفادح في المهارات، وظهرت «دربيات» أخرى في سوق «الكساد» التي يتنازع فيها الغريمان الأزليان على «الماركسيين»، و»الماليين»، واللاّعبين على الحبلين قبل أن يكتشفوا أنّهم نسخ مضروبة، وصفاقات مغشوشة لن تنسي المحبين عمالقة الزّمن الجميل، والفنّ الأصيل، وزمن حبّ المريول، والكرة من أجل الكرة، وليس لجمع المال جمعا، ولخدمة مآرب مكشوفة للجماهير الحقيقيّة للـ»غالية»، وشيخ الأندية التونسيّة.

إنّ النّسخة التي سنشاهدها اليوم في رادس بين ترجي السويح، وافريقي قيس ستوقظ الذاكرة النائمة، حيث تسكن تلك الصّورة الخالدة للاعبين، والهدافين المتعاقبين على الـ»دربيات»، عندما كانت الفرجة أولوية الأولويات مع الأسطورة «عتّوقة»، والفنان بن مراد ، ومع القنّاص بعيو، و»السّهم السريع» تميم، وأيضا بين يحيى، والبيّاري، وبوصحيح، وبن عثمان، وشوشان...

ولن تزيد تلك المشاهد التي تقشعرّ لها الأبدان محبي الترجي الفخور برباعياته الخالدات، والافريقي المعتز بالخماسيتين التاريخيين في الـ»دربيات» سوى تعلّق بحوار الجارين الباحثين اليوم عن إنتصار يحقّق به أحد المدربين المتنافسين الأمان في ظلّ القيل والقال عن مصيرهما الذي تتهدّده الأخطار خاصّة بالنسبة إلى عمّار الذي تعادل فريقه في مناسبتين متتاليين، وعجزت «فلسفته» إلى حدّ الآن في تحسين أداء «الماكينة» الترجيّة التي كان من المفترض أن تأكل الأخضر واليابس بالنظر إلى حجم النّفقات، والتّضحيات، وترسانة النجوم. وكان من الطّبيعي أن يغضب الأنصار على تأخّر الإقلاع، وغياب الإقناع. ولاشكّ في أنّ اليعقوبي يدرك بدوره أنّ الإنتصار على الجار العنيد هو أفضل اليعقوبي يدرك علاج لصداع الهزيمة الأخيرة أمام «الستيدة»، والسبيل الوحيد لردّ الإعتبار بعد التنازل منذ فترة ليست بالطويلة عن «الأميرة» لفائدة «المكشخين».

ونختم الكلام عن الـ»دربي» (ونحن عارفون أنّه لن ينتهي إلى يوم يبعثون) لنعرّج على بقية اللّقاءات بإقتضاب شديد فرضه هذا الحوار الكبير الذي ينتظره الجمهور من الشّمال إلى الجنوب. ويواجه بوزيد خالد السّعيد بالفوز في القيروان فريق اتحاد تطاوين الحالم بإنهاء العثرات تماما مثل «العكّارة» المهزومين بثلاثيّة في بن قردان، والذين أقالوا مدرّبهم لبيض دون الخوض في الأسباب على أمل الإنتفاض بسرعة أمام الشبيبة العريقة التي هرب منها سفيان بعد أن سال لعابه لعرض القبائل. وتجمع المباراة الرابعة، والأخيرة بين «الستيدة»، والمتلوي، وهما من المتراهنين بجديّة على البطاقة الثّالثة لمرحلة التتويج عن المجموعة التي تضمّ قطبي العاصمة، وهما مركز الإهتمام في جولة اليوم، وفي كلّ يوم.

بطولة الرابطة «المحترفة» الأولى (بقيّة لقاءات الجولة السّادسة ذهابا)

في رادس (س17): النادي الإفريقي ـ الترجي الرياضي (الحكم وليد الجريدي)

الخبر بالكامل
رأيك يهمنا