برعاية

قلم يخربش | برج العرب .. أكذوبة الملعب "العالمي"

قلم يخربش | برج العرب .. أكذوبة الملعب "العالمي"

تعاني الكثير من الأندية حول العالم من وجود ملاعبهم في مناطق باتت مكتظ بالسكان ما يصعب من عمليات وصول الجماهير إلى الملعب ثم تفرقها من جديد عقب انتهاء المباريات.

لذلك تجد أغلب الأندية التي تبني ملعبًا جديدًا يتخذون من الأراضي الجديدة خارج المدن مقصدًا رئيسيًا لها لإتمام عملية تخطيط منظمة فيها كل قطعة محسوبة من بداية وصول الجماهير نهاية بخروج آخر فرد من الملعب.

وإن كان اختيار وجود محطة مترو أنفاق مستحيلًا في ملعب كبرج العرب لعدم وجود مترو بالأسكندرية وكذلك لابتعاده عن الحدود الرئيسية للمدينة أصلًا فإن باقي العناصر كانت متوافرة لملعب وصفه البعض بالعالمي لوجوده خارج الكردون الرئيسي للمدينة واتساع المنطقة التي يتواجد بها فضلًا عن كونها أرض تابعة للقوات المسلحة ما يسهل من عملية إفساح مجال لتخطيط كل شيء بدقة.

لكن ما رأيناه "كالعادة" في يوم أمس في نهائي دوري أبطال أفريقيا بين الزمالك وماميلودي صن داونز كان أبعد ما يكون عن العالمية.

اخترت بالأمس أن أحضر المباراة من مدرجات المشجعين رغم استخراجي لتصريح صحفي من الاتحاد الافريقي وذلك رغبة مني في معايشة الأجواء الساحرة التي كانت عليها المدرجات، وقبل أن تفكر في أنني "أستاهل" عليك أن تعرف أن الصحفيين أنفسهم تعرضوا لنفس الكارثة التي تعرض إليها أغلب من حضروا مباراة أمس.

حاول أن تتخيل الآتي .. طريق لا يزيد عرضه المنطقة الصالحة لسير السيارات فيها 15 مترًا ويبلغ طوله من 4 لـ 5 كيلو متر بدون أسفلت في أغلب أجزائه هو المدخل الوحيد لبوابات ملعب برج العرب .. يسير فيه البشر والسيارات والدواب وكأنه يوم الحشر.

الأمور قياسًا إلى بلادنا مقبولة نوعًا ما بينما أنت ذاهب إلى الملعب نظرًا لتفاوت أوقات وصول الجماهير فتستغرق حوالي نصف ساعة لتصل لمبتغاك لتفاجأ بأن الطريق قد اكتظ بالسيارات على جانبيه فلا يوجد ساحة انتظار محترمة تتسع لكل هذا الكم من السيارات فيكتشف الناس أنهم قد صاروا فريسة سهلة للبدو الذي يفرضون عليك إتاوة تتراوح ما بين 30 إلى 50 جنيهًا لتركن سيارتك التعيسة التي ساقها القدر إلى هذه الجبال من الرمال والأحجار.

تذكرت وقتها تصريحات رئيس الزمالك مرتضى منصور وهو يناشد المسؤولين عن الملعب لـ"سفلتة" الطريق وتذكرته أيضًا وهو يقوم بزيادة معاناة جماهير الفريق بعملية بيع تذاكر أقل ما يقال عنها بأنها فاشلة ومهينة.

بعد أن تركن سيارتك وسط الرمال تكتشف سريعًا أنه لا شبكة انترنت على الإطلاق في محيط الملعب ويستمر ذلك بعد أن تدخل لتدرك أن ما كان يُقال في المباريات السابقة "الهامة" هو حقيقي فعلًا رغم محاولتك تكذيب نفسك وأنه من المستحيل أن يحدث أمر كهذا في نهائي أهم بطولة أفريقية للأندية.

بعد الدخول –الذي كان الشيء الإيجابي الوحيدة في هذه التجربة الأليمة لكثرة البوابات المتاحة ما منع وجود زحام لا يمكن السيطرة عليه على العكس مما حدث في مأساة الدفاع الجوي مثلًا- تصل إلى المدرجات، وفي الوقت الذي تتخيل فيه أن مقاعد الدرجة الأولى ستكون درجة أولى إذا بك تجد مقاعد بنفس مستوى الدرجة الثالثة سواء في الجودة أو في حجم الأتربة الهائل والذي جعلني رأيت أكثر من شخص لا يعرفون بعضهم البعض يقسمون بأن هناك بودرة ما موضوعة على الكراسي تصيبهم بحكة غريبة، لكن هذه كانت أقل المشكلات.

وبينما تحاول تناسي أنه مازال 4 ساعات قبل بداية المباراة، تفكّر فجأة فيما لو كنت قد ذهبت إلى المباراة كصحفي، وكيف كان سيكون الحال مع عدم وجود انترنت على الإطلاق حتى إنه كانت المعاناة شديدة في إجراء اتصالات تليفونية عادية قمت فيها بسؤال أكثر من صحفي عما إذا كان الملعب يخصص شبكة واي فاي خاصة للصحفيين يمكنهم فيها أداء عملهم لكن الإجابة كانت بالنفي .. سرحت بخيالي الحالم عندما كنت أنوي عمل بث مباشر على صفحتي على فيسبوك قبل المباراة وأخذت أضحك.

ثم أنه إلى متى سنذهب لملاعب كرة القدم في مصر فتجد المياه مقطوعة في دورات المياه وإن تواجدت تجد المرافق غير كافية على هذه الجموع، وإلى متى لا يتم حساب كميات الأطعمة والمشروبات لتناسب الأعداد الهائلة فلا تنتهِ قبل بداية المباراة من الأساس ليجلس المشجع البائس مُطالبًا بالتشجيع المتواصل رغم احتراق حلقه من قلة الماء ورغم ذلك فعلها لكن هذا لم يكن حتى ربع الحكاية.

فما تلى نهاية المباراة كان الشيء المفجع .. تخيل 60-70 ألف متفرج يخرجون في نفس الوقت من الطريق الوحيد المؤدي للاستاد وكل ما يحتاجونه هو الراحة بعد يوم مرهق انتهى بعدم قدرة فريقهم على التعويض لكن المأساة لم تكن قد بدأت بعد، بعد أن اكتظ الطريق بالسيارات الراغبة في الخروج بسرعة من هذا الجحيم المصغّر، لكن أحدًا لم يخرج بسرعة أبدًا!

الخبر بالكامل
رأيك يهمنا