برعاية

هل كان مارادونا وحيداً في نابولي؟

هل كان مارادونا وحيداً في نابولي؟

اعتاد جزء مهم من الجيل العاشق لكرة القدم خلال الثمانينات القول لنا إن دييجو مارادونا كان لوحده في نابولي، وأنه صنع التاريخ من لا شيء هناك.

ومع عصر ليونيل ميسي، ودخوله في مقارنة مباشرة معه، كانت تلك “المعلومة” سلاحاً مهماً بيد الجماهير الرافضة لمحاولات جماهير برشلونة تتويج ميسي الأفضل في التاريخ، مما أعادها إلى الواجهة، وجعل من المنطق أن نبحث فيها.

الجواب على هذا السؤال، يحتاج أن نمر بالتاريخ قليلاً، وأن نفهم أوضاع ذلك الزمان، فمن الاستحالة النظر إليه بعين الحاضر، فلا بد لنا من نظرة مختلفة تماماً.

أين كان مارادونا قبل نابولي؟ .. رقم قياسي مجهول

ظهر أن مارادونا لاعب عبقري قبل أن يصل إلى أوروبا، فقد استطاع كسر حاجز الـ 100 هدف وعمره 20 عاماً، وعندما غادر أرجنتينوس جونيورز عام 1980 (21 عاماً) كان قد سجل معهم 116 هدفاً، كما أنه كان قد وصل حاجز 24 مباراة دولية سجل خلالها 11 هدفاً.

ثم انتقل لبوكا جونيورز، وهناك خلال موسم واحد تألق من جديد وسجل 28 هدفاً وفاز بلقب الدوري، ليصبح أغلى لاعب في التاريخ بموجب انتقاله إلى برشلونة عام 1982، وذلك بعد تقديمه كأس عالم لافتة للنظر، حمل فيه رقماً قياسياً صامداً حتى الآن، عندما تعرض لـ 23 خطأ في مباراة واحدة ضد ايطاليا.

خلال تلك الفترة الكتلونية، اضطرت جماهير ريال مدريد للتصفيق له، ويعتبر ذلك أول موقف إيجابي من قبل جماهير العاصمة تجاه أي لاعب من برشلونة، وسبق حادثة رونالدينيو الشهيرة بأكثر من 20 سنة.

عانى دييجو هناك من نوع بسيط من مرض الالتهاب الكبدي، ثم من إصابة ركبة كادت تنهي مسيرته، ولكن رغم ذلك عاد وأظهر جودته حتى جاءت اللحظة التي أجبرت البرسا على بيعه.

ذلك كان في نهائي كأس ملك اسبانيا 1984، خلال مواجهة مارادونا أتلتيك بلباو، وهناك بعد تعرضه لخطأ من أندوني غويكيوتكسيا، وهو نفس اللاعب الذي كان قد تسبب بغيابه لفترة طويلة بعد إصابة الركبة، قام مارادونا بردة فعل عنيفة، نتج عنها تطور الأمور، وتحول الملعب إلى أرض معركة جرح بسببها 60 شخصاً.

تلك الحادثة كانت النهاية، فمنذ وصول مارادونا إلى برشلونة وهو على خلافات مستمرة مع إدارة النادي، لم يكن لاعباً بعقلية منضبطة يبحث عنها برشلونة، ولم يكن منصاعاً لكل الأوامر، ومع هذه الحادثة أدركت إدارة النادي الكتلوني أن هذا الموهوب .. مجنون !

مارادونا انتقل إلى نابولي في نهاية الموسم، وأصبح أغلى لاعب في التاريخ للمرة الثانية، وذلك في صيف 1984، وهذا يوضح حجم جودة وموهبة مارادونا حتى قبل أن يتحول للأسطورة رقم 1 في ايطاليا أو في مونديال المكسيك.

أين كان نابولي قبل مارادونا … ومن أين لهم المال؟

في موسم 1982-1983 كان نابولي في المركز التاسع، وفي الموسم التالي السابق لشراء مارادونا مباشرة، احتل المركز 12، وبفارق نقطة واحدة عن المركز 14 الذي كان يتسبب بالهبوط آنذاك.

كان وضع نابولي سيئاً، وهنا يجب التوضيح أن لوتشيانو مودجي، الإداري الشهير في تاريخ يوفنتوس ونابولي، لم يكن هو الشخص الذي اشترى الأسطورة، فقد التحق مودجي بنابولي بعد فوزهم بلقب الدوري الأول موسم 1986-1987، رغم وجود بعض التقارير التي تحدثت عن لعبه دوراً استشارياً في الصفقة.

لكن الرجل الذي لعب دوراً في ذلك هو أنطونيو يوليانو، لاعب نابولي السابق الذي تحول للعمل كمدير رياضي فيه، والسؤال هنا “كيف لنادٍ لم يفز بالدوري الإيطالي أبداً، ويصارع للهروبط من الهبوط أن يشتري مارادونا بصفقة قياسية؟”.

الجواب له شقان؛ شق يتعلق بإدارة نابولي كشفه الرئيس كورادو فيرلاينو، حيث قال في مقابلة تلفزيونية بمناسبة 25 سنة على فوز نابولي بلقبه الأول، أنه لم يكن أمامهم أي خيار إلا المغامرة، كان من الواضح أن الفريق ينحدر نحو الهبوط إن لم يقوموا بشيء غير مسبوق، وعندما عرفوا بتوفر مارادونا في السوق قرروا القفزة الكبيرة.

أما الشق الثاني، فيتعلق بأجواء الكرة الإيطالية آنذاك، كان هناك صعود لنجم كرة القدم كلعبة اقتصادية وإعلامية في البلاد، وكان هناك سهولة كبيرة بالحصول على القروض والتمويل من البنوك لشراء أسماء كبيرة، فحتى فريق مثل أودينيزي نجح بشراء زيكو وجعله ثاني أغلى لاعب في التاريخ عام 1983.

وصول مارادونا قام بتغيير تاريخ نابولي

البداية عادية ثم النجاح المبهر

لم يكن نابولي حالة مميزة في الموسم الأول لمارادونا، فقد احتل المركز الثامن رغم تسجيل مارادونا 14 هدفاً كثالث الهدافين؛ بعد كل من بلاتيني والتوبيلي.

أما موسم 1985-1986 فشهد قفزة هائلة لنابولي إلى احتلال المركز الثالث، حيث كان مارادونا هداف الفريق مسجلاً 11 هدفاً، وجاءه دعم مهم من برونو جوردانو الذي سجل 10 أهداف، وبعدها جاء الموسم الأسطوري الذي فاز به نابولي باللقب الأول مباشرة عقب حمل مارادونا كأس العالم.

ذلك الموسم لم يكن عادياً، بل فاز به نابولي أيضاً بلقب الكأس، لتكون ثنائية محلية وحيدة في تاريخهم حتى يومنا هذا.

هل كان مارادونا وحيداً مع نابولي؟

يجب الانتباه جيداً إلى أن القوانين في تلك الفترة لم تكن تسمح بأكثر من 3 لاعبين لا يحملون الجنسية الإيطالية، وبالتالي يجب التركيز على الناحية المحلية أكثر عند نقاش التشكيل.

وحتى نعرف لو كان مارادونا وحيداً في تلك الفترة، علينا النظر إلى تشكيلة فريقه موسم 1986-1987، ومعرفة ماذا كان يمثل اللاعبون في تلك الفترة، ثم سنرى تشكيلة اللقب الثاني.

عندما تنظر لأسماء نابولي في الموسم الأول، تجد حفنة من اللاعبين العاديين بمعنى الكلمة، فتحت قيادة المدرب أوتافيو بيانكي، لم يكن هناك سوى مارادونا، ولاعبين اثنين يحملان الصفة الدولية، ويمثلان منتخب ايطاليا هما فرناندو دي نابولي و سالفاتوري باني، في حين تحول بعض اللاعبين لاحقاً بعد إنجاز الدوري لتمثيل المنتخب في بعض المناسبات.

تشيرو فيرارا ومارينو واليساندرو رينيكا والحارس المميز كلاوديو جاريلا وأندريا كارنيفالي هي أسماء اجتهدت في موسم النجاح، ثم حصدت نتائج ذلك خلال مسيرتها لاحقاً.

في تلك الفترة مثلاً، كان يوفنتوس يعج بالنجوم واللاعبين الدوليين، وكان التفوق على بطل أوروبا (1985) بخطف لقب الدوري منه أمراً لافتاً يستحق الوقوف معه.

أما الموسم الثاني الذي فاز به مارادونا بلقب الدوري عام 1989-1990، فقد كان الوضع مختلفاً، هناك كان نابولي من مستوى آخر تماماً، امتلك أفضل مهاجم برازيلي بتلك الفترة كاريكا، ولاعب خط الوسط البرازيلي المميز أيضاً اليماو، وكانت بدايات الموهوب زولا.

إضافة لهذه الأسماء، اللاعبون السابق ذكرهم من صعود نجمهم عام 1987 تحول معظمهم إلى لاعبين بخبرة دولية ومحلية كبرى، إضافة إلى تدعيمات مهمة في السوق مثل لاعب وسط اليوفي ماسيمو ماورو ولاعب المنتخب لوكا فوسي والدولي كريبا .. باختصار كان موسماً أقل إعجازية، رغم أن ميلان المرعب بدأ يتكون آنذاك.

كان مارادونا وحيداً فعلاً في نابولي خلال اللقب الأول من حيث الجودة، لكن في اللقب الثاني لم يكن كذلك، فقد كان معه الكثيرون من النجوم والمتألقون.

محرز وكوستا فعلوها .. لكن الفارق أكبر من ذلك بكثير

يقول أحدهم؛ ما فعله دييجو مارادونا مع نابولي في موسم 1986-1987 لا يختلف كثيراً عما فعله ليستر سيتي تحت قيادة محرز وبزوغ نجم كانتي وفاردي، أو ما فعله أتلتيكو مدريد ضد العملاقين موسم 2013-2014 في ظل تألق مذهل لدييجو كوستا.

الخبر بالكامل
رأيك يهمنا