برعاية

صالح الثّابتي لــ «الشروق» الرياحي قاد الجمعيّة الى الهاوية والانهيــــار بـــــدأ مـع العتــــروس

صالح الثّابتي لــ «الشروق»   الرياحي قاد الجمعيّة الى الهاوية والانهيــــار بـــــدأ مـع العتــــروس

تراكمت الديون والأحزان في حديقة منير القبائلي التي تستولي على وجدان، وقلوب، وعقول الملايين من المحبين من الشّمال إلى الجنوب. كيف لا وهي مصنع الأبطال، والرّجال، وقلعة النضال والأمجاد، ومهد «عتّوقة» والشايبي والجديدي، وأيضا البيّاري الشّاهد على الانجازات والابداعات، والمواكب في الوقت الرّاهن للأزمات التي ستعقبها وجوبا النّجاحات، وتلك سنّة الحياة في كلّ الجمعيات. ومن يقول العكس فإنّه لم يقرأ التاريخ، أوأنّه تورّط في المزايدات.

وشرب فريق «باب الجديد» كأس المرّ في الدّور النهائي بعد مردود هزيل حيّر الجميع. وأعاد النادي الكبير إلى المربّع الأول حيث الشكّ القاتل، واليأس والإحباط.

وكان «الشّعب» العظيم للنادي العريق يمنّي النّفس بالقبض على «الأميرة» بقيادة ابن الدار قيس لتكون أفضل علاج من الصداع الذي عاشته الجمعية خلال السنة الماضية، والذي زعزع أركان الحديقة «أ»، واهتزت له البلاد. وهذا ليس من المبالغة في شيء.

وتزامنت خيبة الكأس مع تفاقم المشاكل الإدارية والمالية التي اتخذت صبغة «وطنية» ودولية بعد أن شغل وضع النادي الناس في كامل أنحاء الجمهورية بحكم شعبيته الجارفة. أمّا البعد «الدولي» فهو معلوم، واكتسبته الأزمة من العقوبات الماليّة المؤلمة التي سلّطتها «فيفا» «إينفانتينو» على الفريق جرّاء الاهمال وأشياء أخرى. وكان من الطبيعي أن توجّه سهام النقد من جديد لربان السفينة البيضاء والحمراء سليم الرياحي الذي فشل في تخليص الجمعية من الأسقام، بل «قاد الجمعية إلى الهاوية بسبب الارتجالية والعشوائية والنرجسية». والكلام للمسؤول القدير، والوجه المعروف في «باب الجديد» صالح الثابتي الذي اخترناه لتشريح الوضع الأليم للنادي، وذلك لعدّة اعتبارات موضوعية على الأقدمية، والجرأة العالية، والدراية الكبيرة بكلّ مكونات العائلة الموسّعة للنادي الافريقي.

ومن المعلوم أنّ صالح الثابتي تقّلد العديد من المناصب في الحديقة «أ» على امتداد عقدين أو يزيد من الزّمن. وعاصر ثلّة من الرؤساء المتعاقبين على الفريق الأحياء منهم والأموات.

لا يمكن للحوار مع صالح الثابتي إلا أن يبدأ بالسؤال الحارق والمتعلّق بالوضع الراهن في النادي الافريقي. فماذا يحدث بالضبط في «باب الجديد»؟

يؤكد الثابتي أنّ الأزمة الحالية في الحديقة «أ» شاملة وعميقة. ويضيف موضّحا: « سيكون من الاجحاف والاستخفاف بعقول النّاس أن نتكلّم عن جبال المشاكل التي يواجهها الافريقي في نسخته الحالية بقيادة سليم الرياحي دون النّظر إلى الخلف، والعودة بعقارب الساعة إلى الوراء. وكنت قد قلت مرارا وتكرارا في وسائل الإعلام إن الأزمة في الافريقي هي نتيجة طبيعية لتراكمات الأخطاء على امتداد السنوات الأخيرة. ويمكن القول إن بوادر الأزمة الفعلية انطلقت فجر الثورة التونسية: أي منذ أن تسلّم الرئيس السابق جمال العتروس المشعل. وتواصلت في عهد سليم الرياحي الانحرافات عن المسار الطبيعي، والانزلاقات الخطيرة التي وقع بفعلها التخلي بشكل واضح عن المبادىء التي رسّختها الهيئات المتعاقبة على الجمعية.

وسيكون من الجحود والظلم أن ننكر الدّور البارز لسليم الرياحي في توفير تمويلات ضخمة قدرت بالمليارات لتجاوز المشاكل المادية، والتخلّص من التركات الثقيلة التي تناهز ثلاثة مليارات أوأكثر في تلك الفترة الصعبة. ولا جدال حول أهمية هذا التدّخل الفاعل الذي جاء في توقيت حساس ودقيق في ظلّ غياب المستشهرين، التراجع الرّهيب للمداخيل المتأتيّة من حضور الجماهير التي كانت توفر أموالا طائلة لخزينة الجمعيّة.

رفض صالح الثابتي التعامل مع الوضع الراهن في الافريقي بسطحية. وقال إن الأزمة الحالية نتيجة تراكم الهفوات، والتركات الثقيلة على امتداد سنوات، لكن ما مدى مسؤولية سليم عن هذه المشاكل وهو الذي يقود فريق «باب الجديد» منذ أربع سنوات أويزيد؟

يؤكد الثابتي أن المنطق كان يفرض أن يتسلّح «شعب» النادي بالكثير من الصّبر. ويمنح هيئة الرياحي حيزا زمنيّا معقولا، ومهلة مقبولة (وغير مفتوحة) لإعادة البناء على أسس سليمة، وبطرق علمية. وتستجيب للمبادىء العامة للجمعية العريقة، وصاحبة الأمجاد التليدة، لكن الحصيلة العامّة لم تكن للأسف في مستوى الانتظارات والتطلّعات. ويشرح الثابتي موقفه على النّحو التالي:» لقد اختار الرياحي الاستثمار في النادي الافريقي. وأنفق بغير حساب في البدايات. وكان من الطّبيعي أن يحقّق بعض النجاحات المحدودة والظّرفية - على غرار البطولة المحلية، وبعض الألقاب في الاختصاصات الأخرى – واتّسمت سياساته ومخطّطاته بالعشوائية. وكانت الهفوات المرتكبة كارثية، ومتكرّرة رغم مرور أكثر من أربع سنوات على وصوله إلى الحديقة. والحقيقة أننا لن نعد في حاجة إلى براهين وأدلّة على أن الاشكال الأكبر، والمعضلة الأوضح في النادي الافريقي تكمن في سوء التّدبير والتسيير. وأظن أن سليم الرياحي لم يتّعظ من الدروس، ولم يستفد من أخطائه وهفواته، استنفد من وجهة نظري كلّ الفرص.

ويواصل صالح الثابتي - وهو الخبير بأجواء الحديقة والعارف بنفوس ومعادن كل المسؤولين تقريبا - حديثه عن سياسات سليم الرياحي قائلا:» دخل النادي الافريقي سباق «المحترفين» في الموسم الفارط وهو في ثوب البطل. وساد الاعتقاد أن النادي سيكون أكثر قوّة وتماسكا وحرصا على تدعيم هيمنته المحلية مع استرجاع هيبته القارية من بوابة رابطة الأبطال الافريقية، وهي حلم كلّ الأجيال، ومبعث فخر واعتزاز لجمعيتنا المتحصّلة على الرباعيّة التاريخيّة. وكانت الصدمة كبيرة في السنة الماضية حيث عشنا أزمة نتائج غير مسبوقة بل تاريخية ومخجلة بالنظر إلى عراقة وحجم نادي «باب الجديد». وحطّما كل الارقام السلبية. وانحنى فريقنا في 13 مناسبة. وجلس على بعد عشرات النقاط من ثلاثي المقدّمة. كما ودع الكأس القارية الأغلى من الباب الصغير، وهذا فضلا عن المشاكل الإدارية والمادية، والخلافات الجانبية مع الهياكل الرياضية على رأسها جامعة كرة القدم التي لا نعرف إلى حدّ اللّحظة لماذا قام رئيس الجمعية بـ»معاداتها» ثمّ الارتماء في أحضانها؟ وهل أنه كان من الضّروري الدخول في مصادمات ومشاجرات مع الأطراف الفاعلة في السّاحة؟ وهل كان من الضروري الادلاء بتلك التصريحات النارية والاستفزازية من قبيل «معادش تهزّوا معانا شيء»؟

ولا أحد ينكر الأضرار الجسيمة التي تكبّدتها الجمعيّة جرّاء الصّافرة التحكيمية لكن من الجنون أن نعلّق هذه الاخفاقات الجسيمة على شمّاعة لجنة بركات وإدارة عوّاز.

وقال الثابتي بكل جرأة وثقة إن سليم الرياحي استفاد من شعبية النادي الافريقي. وأضاف بأعلى صوت: أجزم بأن سليم - بحزبه الناشىء - ما كانه له ليصبح من القوى السياسية الفاعلة في البلاد لو الجمعيّة. ولاشكّ في أن المتابعين للشأن العام لاحظوا أن عدة أحزاب سياسية ضاربة في القدم. وتقودها شخصيات وطنية أشهر من نار على علم لم تستطع فرض نفسها في السّاحة السياسة بما فيها من حسابات خفيّة، وألاعيب قذرة. وقد رقص الرجل على جبلين. وكان من الواضح أنه يعيش حالة تذبذب بين الأمرين. وكانت الجمعية بالطّبع هي الخاسر الأكبر لهذا الازدواجية التي أصبحت ثقافة مترسّخة بعد «الثّورة» التونسية».

وتساءل صالح الثابتي - وهو عارف - عن القيم الأصيلة التي نشأت عليها الجمعية في العشرينات، والتي تمسّك بها الأجداد والأحفاد على امتداد عقود من الزّمن؟

ويضيف صالح الثابتي أن الجمعية كانت تعيش بالأمس القريب بـ 70 أو80 مليونا شهريا (جميع مصاريف فرع أكابر كرة القدم). وكانت لها هويتها المعروفة، وهيبتها المعلومة. أمّا اليوم، فإن المعاملات بالمليارات، والنجاحات صغيرة وظرفية والخيبات كبيرة والصّدمات كثيرة وهذا فضلا عن الضبابية الأزلية حول المسائل المالية التي أصبحت لغزا أيضا في الحديقة منير القبائلي.

هو نجم والبقيّة لا شيء

اعتبر صالح الثابتي الرئيس الحالي للنادي الافريقي من الشّخصيات النرجسية. وقال إنّه يريد أن يكون النجم الدائم والوحيد في الحديقة، وفي وسائل الإعلام، وفي السياسة، والرياضة، وفي كل شيء. ويقوم في المقابل بتهميش البقية الذين ينبغي أن يكونوا أتباعا يحيطون بهذا النجم. وينفّذون أوامره. ولا يقولون له سوى السمع والطّاعة. وأضاف الثابتي أن تعلّم في الحديقة أن يكون مسؤولا فاعلا، وأن يحترم في الوقت نفسه حدوده ولا يتجاوز صلاحياته. وينسحب من تلقاء نفسه كلّما شعر بأنه مجّرد «ديكور». وذلك ما قام ضيفنا عندما اشتغل في إدارة الرياحي كمسؤول عن كرة القدم.

ويؤكد الثابتي أن رئيس الجمعيّة شخصية مزاجية أيضا فهو ينفق حينا بسخاء. ويتابع، ويراقب الوضع في الحديقة صباحا ومساء ويوم الأحد. وينشغل أحيانا أخرى بطموحاته السّياسية. ويترك الفريق يواجه مصيره بنفسه وهو ما أثّر سلبيا على أداء الإدارة، وعاد بالوبال على نتائج الفريق.

أليس من الظّلم أن نمسح كلّ الأخطاء على بدلة الرياحي؟

سؤال وجّهناه إلى ضيفنا العزيز - وهو مذهل في جرأته وصراحته - وهذا الانطباع سيخرج به كلّ قارىء لحواره. وقد قال الثابتي في ردّه عن هذا الاستفسار إنه أكد منذ البداية أن أزمة الجمعية قديمة وعميقة. ويرفض شرحها بطريقة انفعاليّة حتّى لا يظلم أحدا، ولكنه واثق في الوقت نفسه ومؤمن إيمان العجائز أنّ الرياحي هو العنصر الأهمّ في مشاكل النادي الافريقي، وأنّه لا مفرّ من مراجعة نفسه وحساباته ليستقيم الحال. ويتجنّب النادي الأسوأ، أوأن يقدم على الرّحيل.

سألنا الثابتي عن سرّ ابعاد العشرات من المسؤولين في عهد سليم الرياحي. فقال إن رئيس الجمعية يتّبع سياسة مكشوفة تقوم على حماية نفسه بكل الطّرق. فهو صاحب الفضل في النجاح. ولا دخل له طبعا في الفشل. وعادة ما يبادر بإبعاد ما استطاع منهم. ويظهر للجميع أنّ المسيرين والمدربين هم من يتحمل الاخفاقات والنكسات. والحقيقة أن «كبش الفداء» جاهز على الدّوام في ذهن سليم الرياحي الذي يعتبر نفسه صاحب الرأي الصائب ويضع البقية في خانة المذنبين والمخطئين. وأتساءل شخصيا هل أنه من المعقول أن يكون كل هؤلاء - وهم بالعشرات - من المفلسين، والذين لا قدرة لهم على النّهوض بالنادي؟ أليس بينهم مسؤول يتيم ممّن يتمتّع بالكفاءة؟

الخبر بالكامل
رأيك يهمنا