برعاية

بسام المهري لـ «الشروق» :الافريقي دفع فاتورة محيط الرياحي وعليه مراجعة حساباته

بسام المهري لـ «الشروق» :الافريقي دفع فاتورة محيط الرياحي وعليه مراجعة حساباته

أعيش بإصابة عمرها ربع قرن، ضحيّت بعملي من أجل «الغالية»»ورفضت صرف صكوك المنح لاحتوائها ختم الفريق

«أندري ناجي» سابق لأوانه والبياري ظاهرة كروية

كيــــف لا أبكـــــي والافريقــي عوّضني عـــــــن اليتــــــم

الفريق تضرّر كثيرا من «حربه» مع الجامعة وظلم الحكّام ولا مكان لهؤلاء في الجمعية

الصّرارفي واعد، الشبّان أمل الافريقي ولابدّ من انتداب مهاجم «كبير»   

يحذق الكلام في البلاتوهات التلفزية. وتحترم تحاليله الفنيّة الذّوق العام في زمن يبيع فيه بعضهم الأوهام. ويعشقون الخصام. ويطلقون بين الحين والآخر عبارات خادشة للحياء.

ضيفنا رمز للأدب، وهذا ليس بالغريب عن لاعب ينتسب إلى مدرسة "عتّوقة" والشّايبي والجديدي و"فابيو" و"ناجي" الذي يعتبره النّجم والمسؤول السّابق لفريق "باب الجديد" "المعلّم" الأكبر، والملهم الأبرز للأفارقة.

ضيفنا المبجّل مثال يحتذى في التّضحية و"حبّ المريول"، والوفاء للجمعيّة، والإنتماء الدائم للقلعة الحمراء والبيضاء.

ضيفنا "متّهم" بـ"البكاء" من قبل "القاسية قلوبهم" الذين قلبوا المفاهيم والقيم. وأصبحوا يخلطون بين دموع التماسيح التي يذرفها بعض المسؤولين لكسب التعاطف أو لعب دور الضّحية، وبين الكلام الصّادق، والنّابع من الأعماق والمرفوق بدمع الرّجال - وهو غال - كذلك الذي يسكبه بسّام.

وكيف لا يذرف المهري الدّمع المدرار على الأمجاد الضّائعة، وفي ظلّ هذه الفوضى العارمة، والقوى الخائرة، والأقدام "النائمة"، والسّياسات الخاطئة داخل أسوار مركّب منير القبائلي الذي كان منذ أشهر معدودة مسرحا للأفراح قبل أن "ينهار" بطل تونس، ويرضى بالسّير خلف بقيّة الـ"كبار" وسط غضب الأنصار؟

وكيف لا يبكي بسّام وهو الذي وجد في الافريقي الحضن الدافىء، والحصن الأمين بعد فقدان الأب وهو في عمر الزهور (كان عمره 15 عاما)؟

ضيفنا لاعب متخلّق، ومحلّل صادق، ومسؤول يؤمن بالأخلاق و"التوافق"، وعاشق مجنون للـ"غالية" التي نشأ على حبّها طفلا في "باب الجديد". ودافع عن رايتها لاعبا مع جيل الذّهب. وسخّر نفسه. وضحّى بعمله وراتبه لخدمتها كمسؤول. وظل وفيّا لها، مستبسلا في حمايتها من "المتطفلين" و"المزايدين" على حبّها ولو بكلمة طيّبة وصادقة من منبر إعلامي.

هل ولد بسّام المهري ليحبّ النادي الافريقي؟ سؤال له جواب عند ضيفنا العزيز الذي يقول:" لقد نشأت في "باب الجديد" وهو المعقل التاريخي لفريق "الشّعب". وله عدّة دلالات رمزية بالنّسبة لجماهير النادي الكبير والعريق. والطّريف في الأمر أنّني كنت أقطن في منزل يبعد أقلّ من 60 مترا عن مقرّ الافريقي، وعلى مسافة قصيرة أيضا من مكان إقامة اللاّعب "الأسطورة" في تاريخ الكرة التونسية، والنادي الافريقي الرّاحل الطّاهر الشّايبي... وغيرهم من الرّموز الخالدين واللاّعبين المبدعين الذين تركوا بصمة واضحة في مسيرة الافريقي الحافلة بالألقاب والانجازات في كلّ المسابقات، وجميع الاختصاصات والحقبات الزّمنية. لقد كانت كلّ المؤشرات تقيم الدليل على أنّ الأقدار فرضت عليّ عشق الجمعيّة وشرف تقمّص أزيائها "الغالية".

عاصر بسّام المهري الجيل الذّهبي للنادي الافريقي. وعاش عشريّة "ذهبية" (1980/1990) قياسا بالقيمة الفنيّة العالية لـ"أسود باب الجديد" آنذاك أمثال الهدّاف التاريخي محمّد الهادي البيّاري وأيضا موسى والعبدلي والقاسمي وبوصحيح والقليبي والنايلي والمحايسي واليعقوبي .... ويستعيد ضيفنا ذكريات مسيرته مع الافريقي قائلا:" لقد نلت شرف اللّعب مع علامات مضيئة في تاريخ الكرة التونسية و"باب الجديد" كما هو الشأن بالنّسبة إلى الهادي البيّاري الذي كان أفضل سند لشخصي أثناء أوّل مصافحة لي مع أكابر النادي الافريقي. وتلقّت شباكنا في تلك المباراة هدفا وهو ما جعل معنوياتي تهتّز. وشعرت بالشّرود غير أن الهادي خاطبني بلغة الواثق. وقال لي بالحرف الواحد:" واصل اللّعب. وستأكفّل أنا بالبقيّة". وقد كان الهادي في مستوى الإنتظارات. وقلب الطّاولة على "المرساوية" بثنائية ظلّت عالقة في ذهني حتّى اللّحظة لأنّني تعلّمت أنّ الافريقي يرفض الاستسلام، ورمي المنديل. ويراهن في ذلك على الروح القتالية لأبنائه، والدعم غير المشروط لجماهيره الإستثنائية. وأعتقد شخصيا أن الهادي كان ظاهرة كروية غير عادية في الافريقي. وكان يتمتّع بنجاعة هجومية كبيرة. وأعتبره من العناصر الاستثنائيين في مشوار الأحمر والأبيض شأنه في ذلك شأن عدّة لاعبين آخرين أمثال الشّبلي...وغيرهم كثير.

صعد المهري مع الافريقي على منصات التتويج، لكنه يتذكّر بأسف كبير سوء الحظّ الذي لازم ناديه في تلك العشرية على مستوى الكأس. وخسر الفريق عدّة نهائيات بطريقة غريبة أمام بنزرت بن دولات، و"الهمهاما" والترجي والملاسين...

"لم أعاصر المدرّب الإيطالي الشهير للنادي الافريقي "فابيو" - وهو مكتشف الحارس الأسطورة عتّوقة - وأعتبر الفني المجري – الإسباني "أندري ناجي" الأفضل على الإطلاق". هكذا تكلّم بسّام المهري عن مدرّبه السّابق ومعلّمه الأكبر "ناجي". ويضيف قائلا:"سمعت الكثير عن بصمة "فابيو" في النادي الافريقي. ولاشكّ في أنّه من الفنيين الخالدين في ذاكرة الأفارقة، لكنّني أعتقد أنّه بوسعي الحكم على "أندري ناجي" خاصّة أنّني تعلّمت منه كلّ شيء. لقد كانت توجّهاته الفنيّة سابقة لأوانها. ولن أبالغ إذا قلت إنّني شاهدت في البطولات الأوروبية أندية تطبّق تلك التعليمات التي كان يقدّمها لنا "ناجي"، وذلك بعد سنوات طويلة من مغادرتي ميادين كرة القدم. والحقيقة أنّ الرّجل يمثّل لوحده محطّة تاريخية قائمة الذّات في مسيرة النادي الافريقي".

«LES QUATRE B» تسمية أطلقها "أندري ناجي" على الرباعي المتكوّن من البيّاري وبسّام وبوصحيح وباش حامبة. ويفاخر ضيفنا بهذا المصطلح الذي ابتدعه المدرب الظّاهرة "ناجي" ليختزل أسماء وألقاب الرّباعي المذكور (جميعها تبدأ بحرف الباء). وتحمل هذه التّسمية طبعا عدّة دلالات على مؤهلاتهم الفنيّة.

يتمسّك "شعب" النادي الافريقي برفع شعار "الافريقي عقليّة" في إشارة صارخة لحبّ الجمعيّة، والإلتزام بمساندتها في السّراء والضّراء مع وضعها فوق كلّ الإعتبارات. ومن جهته يظنّ بسّام المهري أنّ هذا الشّعار ليس مجرّد كلام بل هو حقيقة دامغة وقف عليها عندما كان "أندري ناجي" يقود الفريق. ويقول بسّام في هذا السّياق: "لقد نجح "ناجي" في تكريس روح المجموعة. وأذكر أنّه كان يحرص على معاملة اللاعبين الأساسيين والاحتياطيين على قدم المساواة حتّى عندما يتعلّق الأمر بـ"التوزيع العادل" للمنح، وذلك تجنّبا لـ"تشقّق" الصّفوف، وفرضية اندلاع "ثورة" الاحتياطيين. وكان يأمرنا بأن يتّجه مسجّل الهدف فورا لتحيّة صاحب التمريرة الحاسمة قبل الاحتفال بهدفه مع الجمهور..."

اعتزل ضيفنا اللّعب في سنّ مبكّرة نسبيا، وذلك بعد أن تعرّض إلى إصابة على الأربطة المتقاطعة. ويستحضر بسّام المهري التفاصيل بشعور يختلط فيه الحزن بالفخر، حيث يقول:" انتهت مسيرتي مع الافريقي بعد عشر سنوات تقريبا مع الفريق الأوّل. وأمرني الدكتور "ليتيّم" في تلك الفترة بالعلاج خارج حدود الوطن. وقد كانت مصيبتي كبيرة، وفرحتي أكبر، ذلك أنّ جمعيتي الأمّ لم تتنكّر للخدمات التي قدّمتها في سبيل رفع رايتها، والذّود عن ألوانها على إمتداد عقد من الزّمن مع الأكابر، ولسنوات طويلة كقائد للأشبال. وتكفّل مسؤولو الافريقي بمصاريف العلاج في الخارج في زمن لم تكن فيه للكرة التونسية تقاليد تذكر في مثل هذه الاجراءات".

يؤكد المهري أنّ العلاقة التي تربطه بالنادي الافريقي "أزلية" و"عضوية"، فهو مولود في "باب الجديد". وقضى أجمل سنوات عمره في الافريقي. كما أنّه اختار بعد الاعتزال - لأسباب قاهرة - أن تتواصل إقامته في النادي كمسؤول. ويستحضر بسّام بعض الجزئيات عن مسيرته مع صاحب الرباعية التاريخية وهو في جبّة المسيّر. ويقول:"إنّنا ندين بالكثير للمسؤولين البارزين والخالدين في الافريقي على غرار لصرم وبوصبيع والعزّابي وبوليمان... وتعلّمنا من مسؤولي النادي عدّة قيم سامية منها حبّ الجمعيّة، والعطاء بغير حساب، والإستقامة والإنضباط... وسمح لي الاحتكاك لعدّة سنوات بـ"كبار" المسؤولين في الافريقي من اقتحام عالم التسيير. وأذكر أنّني كنت ضمن لجنة التأديب التي تكفّلت بالنّظر في ملف "المضربين". وحرصنا آنذاك على اتّخاذ القرارات اللازمة بعد جملة التحريات، ذلك أن المسؤول المحنك مطالب بأن يمزج بين الصّرامة واللّين حسب ما تقتضيه الظّروف. كما أنّني اشتغلت في فرع الشبّان. وجبنا البلاد من أقصى الشّمال إلى آخر نقطة في الجنوب. ونظّمنا عدة دورات. واستقطبنا المواهب الكروية. وقمنا بكلّ الوسائل للقضاء على المظاهر السلبية من محسوبية ومحاباة، وضغوطات جانبية على المدربين الذين حرصنا على تمكينهم من مستحقاتهم في آجالها مع توفير كلّ ممهدات النّجاح للأشبال...

نادرا ما يتكلّم بسّام المهري عن التّضحيات الجسيمة التي قدّمها للنادي الافريقي لأنّه يعتبر الخدمات التي قام بها تدخل في خانة الوفاء للجمعيّة التي احتضنته. وصنعت شهرته. و"مسحت" على حدّ تعبيره "دموعه بعد أن تيتّم وهو صغير". ويؤكد بسّام في هذا السّياق:" لم أبخل بحبّة عرق واحدة من أجل رفع راية النّادي الافريقي عاليا. وكنت أشعر بالخجل الشّديد من الجمهور كلمّا أخفقنا في تحقيق الإنتصار. كما وظّفت جميع الخبرات التّي اكتسبتها لخدمة الجمعيّة كمسؤول. ولا يخفى على العارفين بمسيرتي مع الافريقي أنّني غادرت الميادين جرّاء اصابة خطيرة أنهت المشوار قبل الأوان. والحقيقة أن آثار هذه الاصابة مازالت موجودة حتّى يومنا هذا. ومازالت الأوجاع تعاودني بين الحين والآخر. وتثير الذكريات القديمة. كما أنّني لم أتردّد في الحصول على إجازة دون راتب من المؤسسة التي أشتغل فيها للتفرّغ لمهمّتي كمسؤول في الحديقة "أ" لعدّة أشهر... واخترت الاحتفاظ ببعض الصّكوك التي كنت قد تحصّلت عليها كلاعب (بعنوان منح قدرها 60 و70 دينارا...). وتجنّبت صرفها لأنّها تحتوي على رائحة الجمعيّة... إنّ العلاقة بيني وبين الافريقي غير عادية. ومن الصّعب جدا تفسيرها..."

الخبر بالكامل
رأيك يهمنا