برعاية

بعد 20 سنة من انطلاق التجربة:كرتنــا مـن الاحتــــراف الى الانحـــــــــراف

بعد 20 سنة من انطلاق التجربة:كرتنــا مـن الاحتــــراف الى الانحـــــــــراف

"الإحتراف"مصطلح رنّان نجترّه صباحا مساء ويوم الأحد منذ عشرين سنة ونيف دون النّجاح في تطبيق قواعده على أسس سليمة مثلما خطّط "الأب الرّوحي" للمشروع وهو المسؤول القدير والوزير السّابق رؤوف النّجار الذي كان يحلم بالقضاء على مظاهر "التخلّف" والعنف والفوضى التّي عاشها كلاعب في صفوف "الس .آس .س" في ذلك النهائي الشّهير الذي أكمله وهو معصوب الرأس (عام 1971 في المنزه).

وحظي هذا المشروع الذي كان من المفروض أن يخلّص الرياضة التونسية من شوائب الهواية. وينقلها إلى "جنّة" الإحتراف الحقيقي بحملة دعائية غير عادية. وتجنّدت الجامعة التونسية لكرة القدم و"كبار القوم" في البطولة المحليّة لتجسيم الحلم على أرض الواقع بمباركة من الجهات السياسيّة الواعية بأهميّة النّجاحات الرياضية، ومدلولاتها الرّمزية وهو أمر يدركه "المتهافتون" على "البورقيبية"، والمعاصرون لعهد بن علي ومن تبعه.

أين نحن من هؤلاء بعد 20 سنة "احتراف"؟

آلاف الأسئلة تتبادر إلى الأذهان. وتشغل بال التونسيين من بنزرت إلى بن قردان حول منظومة "الاحتراف" الذي أصبح بعد عقدين من تطبيقه في ملاعبنا يثير سخرية المتابعين حتّى أنّ بعضهم يصف "الاحتراف" في بطولتنا بـ"الانحراف".

والحقيقة أنّنا نجد آلاف الأعذار لهؤلاء بحكم أن رياضتنا وكرتنا بصفة خاصّة خرجت على سياق الأعراف في زمن "الاحتراف" بدل أن تكون كاملة الأوصاف كمثيلتها في البلدان الغربية التي تجعلنا بطولاتها وجمعياتها وأبطالها نشعر بأنّها بعيدة عن كوكبنا آلاف السّنوات الضوئية من حيث العروض الرّاقية، واللّوحات الفنية، والأمور التنظيمية، والمداخيل المالية والحضور الجماهيري والنّقل التلفزي والعقليّة "الاحترافية" وهي بيت القصيد من وجهة نظرنا في هذه "المنظومة" التي تضع السلوك في صدارة الأولويات وقبل الشّعارات والتمويلات والاستثمارات و"الشّركات" التجارية" والتعاقدات بمليارات الدولارات.

تؤكد كلّ الوقائع أن الأطراف المتداخلة في منظومة "الاحتراف" في بلادنا فهمت هذا المشروع بطريقة خاطئة. وتوهّم البعض أن "الاحتراف" يعني التلحّف بشعار "ميكافيلي" القائل: "الغاية تبرّر الوسيلة"، واستخدام كلّ الوسائل الشّرعية وغير الشّرعية لتحقيق مكاسب رياضية وماديّة. وتضاعفت في الكرة التّونسية قضايا "التحايل" على القوانين الرياضية تحت مظلّة الاحتراف الذي يبيح حسب البعض "اختطاف" اللاّعبين، واحتضان "القاصرين"، والاسراف في سوق الانتقالات الصّيفية والشّتوية. وينفق مسؤولو الجمعيات "المحترفة" المليارات على "أنصاف" اللاّعبين. كما أصبحت منتخباتنا الوطنية وأنديتنا خلال السّنوات الأخيرة تكسب المقابلات الرسمية بالاحترازات الفنيّة، وفي أروقة اللّجان القضائية عوضا عن الربح بـ"عرق الجبين" في الميدان. والغريب أن "المبذّرين" في سوق اللاّعبين والمدربين وحتّى المعدين البدنيين يقفون بكلّ جرأة أمام باب الوزير للحصول على نصيبهم من المال العام الذي كان من المفترض أن يوظّف لتحسين البنية التحتية وهي "كارثية". وتغنم الجمعيات والجامعات ما لا يقلّ عن 57 مليارا كان من الأحسن أن يسخّر جزء كبير منها للرياضة الفردية والنسائية وللـ"منسيين" و"المهمّشين" والمعطّلين (أكثر من 5800 في الرياضة والتربية البدنية).

كما أن الشّبهات تحوم حول نشاط "المحترفين" خاصّة بعد فضيحة التسجيلات الصّوتية التي هزّت أركان الكرة التونسية. وحوّلت الجامعة إلى مكتب للتحقيقات "البولسية". والأخطر من ذلك أن "المحترفين" يريدون العيش فوق القوانين حيث أنهم يرفضون دفع المعاليم الجبائية، وأداء الخدمة العسكرية، وتسوية ملفاتهم مع الصّناديق الاجتماعية. ولايطبّقون القرارات القضائية. ولا يعترفون بالشّرعية بل أنهم أصبحوا يعتمدون بعد "الثّورة" إلى "تجييش" الجماهير الرياضية، والنزول بها إلى الشارع، والدّخول في اعتصامات واضرابات مفتوحة. وأتقن "المحترفون" مهنة "التسوّل"، وفنّ "البكائيات" بدل أن يبدعوا في حرفة كرة القدم التي تخضع مثلها مثل أيّة مهنة أخرى إلى جملة من الضّوابط والشّروط و"الأخلاقيات" مثل الانضباط، وأداء الواجبات على أحسن وجه، والالتزام بكافّة بنود العقد، واحترام الخصم، وعدم "تعنيفه" كما يحصل في ملاعبنا التي أصبحت حلبة للمصارعة بين "المحترفين" الذين كان من المفترض أن يساهموا في الارتقاء بالأداء.

تاريخيا، دخلت البطولة التّونسية عالم الاحتراف المزعوم منذ النّصف الثاني من التسعينات، لكنّها مازالت إلى حدّ يومنا هذا تبحث عن اعتراف من التاريخ، وآخر من الجمهور الرياضي الذي أصبح على اقتناع تامّ بأن كرتنا تسير نحو الخلف، ودون أن تتقدّم خطوة واحدة نحو الأمام على عكس ما نظّر له "لينين". ومازالت بطولتنا التي تصنّف

ظلما وبهتانا على أنّها الأولى في القارّة الافريقية تلهث وراء سراب "الاحتراف" الحقيقي. وتمنّي النّفس بالحصول على هويّة ثابتة بدل أن تحمل مجموعة من الهويّات "المزيّفة" ("غير الهاوية"، "الرابطة المحترفة"، "بطولة البرومسبور"، قسم النّخبة، الدرجة الأولى...)

أدرك المشرفون على حظوظ الـ"صّغار" منذ البداية أن الـ"كبار" قد يستغلّون الموقف لوضع يدهم على أفضل وأمهر اللاّعبين، وتكريس سيطرتهم المطلقة على المنافسات المحليّة سلاحهم في ذلك سلطان المال وقانون القوّة. وكان من الطبيعي أن يصبح "الرباعي التقليدي" (أوالبيغ فور كما يسمّى في انقلترا) القبلة المفضّلة للاعبين المحليين والأجانب. وسيطر الـ"كبار" في عهد "الاحتراف" على لقب البطولة بالعرض والطّول. ونجحوا في تكريس عقدة الـ"صّغار" الذين حاولوا عبثا الاقتراب من منصة التويج كما فعل "قرش الشّمال" وهو صاحب آخر بطولة (كفريق من خارج الرباعي التقليدي) وذلك خلال موسم 1983/1984.

سيحفظ التّاريخ بالحبر الذّهبي المجهودات الجبّارة لجامعة محمّد رؤوف النّجار (1994- 1996) في سبيل دفع الكرة التونسية لدخول عالم "المحترفين" من أوسع الأبواب، وعدم التخلّف عن ركب المتقدّمين. ويحسب أيضا لرؤساء الأندية الكبيرة، وبصفة خاصّة شيبوب الترجي وجنيّح النّجم الانخراط في مشروع النجّار (وثلاثتهم من أهل الإختصاص). واجتهدت الجمعيات الكبيرة في تلك المرحلة المفصلية في تاريخ الكرة التونسية. وساهمت من حيث تعلم ولا تعلم في قطع خطوات مهمّة على درب "الاحتراف" وهو ما انعكس حسب الجيل الذي عاصر مهندسي مشروع "الاحتراف" على نتائج فرسان تونس حيث كدّس الـ"كبار" الألقاب الدولية في كلّ الاختصاصات تقريبا، وهذا فضلا عن النجاح الباهر لمنتخب "كاسبرزاك" في "كان" جنوب افريقيا عام 1996. وبلغ الـ"نسور" آنذاك المحطة النهائية من الكأس الافريقية وهو انجاز عظيم لأنه جاء بعد الاخفاق الكبير للفريق في "كان" تونس عام 1994.

في 2011، تولّى "امبراطور" الكرة التونسية والافريقية طارق ذياب قيادة وزارة الشباب والرياضة وسط استبشار "الكوارجية" خاصّة أنه عارف بواقع الجلد المدوّر في البلاد. ويتوق للإصلاح. وأظهر الفتى الذّهبي للكرة التونسية رغبة كبيرة في دفع مشروع "الاحتراف" نحو الأمام، وتوفير كلّ سبل النّجاح. واجتمع مع رؤساء الرابطة "المحترفة" الأولى. وأشعر الجميع بأن الفرج آت. واشتغلت إدارة الهياكل الرياضية ليلا نهارا لتجاوز القيود القانونية، وتهيئة الأرضية لتنفيذ المشروع غير أن ولاية طارق انتهت بسرعة. وغادر مقرّ الوزارة "باكيا" على حلم كبير تأخّر إلى أجل غير مسمّى. وقد أخذ صابر بوعطي المشعل عن طارق. وحاول بدوره الإسراع في انجاز المشروع الذي طال أكثر من اللاّزم. وانتقل الملف إلى طاولة الوزير الحالي ماهر بن ضياء الذي يسابق الزّمن لإنهاء ما أنجزه الأسلاف، وبعث الأمل في صفوف الرياضيين.

قطعت الجزائر خطوات مهمّة في تنفيذ مشروع "الإحتراف"، لكن يبدو أن الأشقاء واجهوا - مثلنا تماما - عدّة قيود وصعوبات لتطبيق "الإحتراف" الحقيقي. وقد أطلّ أحد المسؤولين في الكرة الجزائرية. وقال بالحرف الواحد إن "الاحتراف" هو "كذبة القرن" في بلد رابح ماجر. وبعيدا عن خلفيات هذا التصريح الناري، فإن المنطق يفرض الآن أن تتوخى وزارة الشباب والرياضة الحذر، وأن تدرس جيدا المشروع الذي تعتزم انجازه. والعاقل من اتّعظ بجاره.

يمثّل التحكيم حلقة مهمّة في عالم "الاحتراف". ونالت الصّافرة التونسية النصيب الأكبر من الانتقادات في بطولة الموسم الحالي. ولا اختلاف حول الشّبهات التي تحوم حول هذه القطاع الذي في حاجة إلى تدخّل عاجل. ولابدّ من ضمان الشّروط الدّنيا للحكّام للنجاح في مهامهم خاصة على المستوى المادي ذلك أنه من المضحك الحديث عن "الاحتراف" في هيكل يتأخر فيه صرف المستحقات لعدّة أشهر. ويحمل الإعلام الرياضي على عاتقه مسؤولية جسيمة للتوعية، والتحسيس والتثقيف والمساهمة في تغيير "العقليات" (وهي أمّ المعارك)، لكنه في حاجة بدوره إلى العمل في ظروف ملائمة. وسنكتفي بالإشارة في هذا السياق إلى أن بعض ملاعبنا تفتقر إلى منّصة للصحفيين بعد أكثر من عشرين عاما من تطبيق "الاحتراف" في تونس.

أيّ دور لـ "وداديات المحترفين"؟

لا جدال حول حاجة الجمعيات "المحترفة" واللاعبين المنتمين لها إلى "وداديات" و"اتحادات" تتولّى الدفاع عن حقوقهم. وقد تكفلت "وداية" رؤساء الأندية "المحترفة" (36 فريقا) بهذه المهمّة. كما يتحرّك اتحاد اللاعبين "المحترفين" بين الحين والآخر لحماية المنخرطين فيه. ونعتقد أن دور هذه "الوداديات" لا ينبغي أن يقتصر على المستحقات المالية، والمسائل الهامشية. ولابدّ أن تلعب دورا بارزا في التأطير، ودفع اللاعبين وهم العنصر الفاعل لتطبيق هذا المشروع على أسس صحيحة.

السنوسي يتحدّث عن شروط الـ"كاف"

عانقت "الستيدة" التاريخ. وترشّحت إلى كأس الكنفدرالية للمرّة الأولى في تاريخها غير أنها واجهت عدة صعوبات نتيجة غياب التمويل، وعدم استجابة البنية التحتية في عاصمة الحنّاء للشروط المنصوص عليها من قبل الـ"كاف". وفي هذه السياق يقول الأستاذ القدير ماهر السنوسي عضو اللجنة القانونية في الـ"كاف" إن "الاحتراف" ضرورة حتمية للكمرة التونسية. ويضيف أنه لا مفرّ من تطبيق البنود الواردة في توصيات الكنفدرالية الافريقية التي تتضمن جملة من الشروط المتعلّقة بالبنية التحتية والفنادق..

- أنفق الافريقي 55 مليارا في عهد سليم الرياحي ولم يقبض الفريق سوى 200 ألف دينار بعد تتويجه بلقب البطولة

- تعاقد الترجي مع آدم الرجايبي بمليار و250 مليونا وأنفق حمدي المدب ما لا يقلّ عن 56 مليارا منذ أن تولى رئاسة الجمعية. ويلعب الفريق الآن في كأس الكنفدرالية التي لا يتحصل فيها البطل سوى على 800 ألف دولار.

- يوجد ما لا يقلّ 5800 عاطل عن العمل في مجال الرياضة والتربية البدنية في الوقت الذي تصل فيه رواتب بعض لاعبي الرابطة الأولى إلى 100 مليون. وتتحصل الجمعيات والجامعة على 57 مليارا من المال العام.

نموذج يحتذى في "الاستثمار الرياضي"

انتقال يوسف المساكني وبغداد بونجاح من الترجي والنجم إلى قطر: أكثر من 20 مليارا في كلّ عملية

تواريخ مهمة في تطورات الاحتراف

1995: رئيس الجامعة رؤوف النّجار يعلن عن دخول الكرة التّونسية في مرحلة "غير الهاوية"

2010: تركيز اللّجنة الاستشارية لإصلاح كرة القدم وهو قرار اتخذه الوزير السابق للشباب والرياضة سمير العبيدي وتنفيذا لأمر رئاسي.

2013: اجتماع الوزير طارق ذياب مع رؤساء الأندية "المحترفة" والاتفاق على تنفيذ مشروع الاحتراف بعد اجراء التعديلات الضرورية وتجاوز العوائق القانونية.

2014: أشادت الـ"كاف" بمشروع الترجي الذي يهدف إلى بعث قطبين الأوّل رياضي والثاني اقتصادي، لكن مازال هذه المشروع في حاجة جملة من التحسينات ليكون في مستوى الانتظارات

خطــــوة واحــــــدة تفصلنـــا عن تنفيذ مشروع «الاحتراف»

كان من الضروري أن نستفسر وزارة ماهر بن ضياء عن سير مشروع "الاحتراف" لعلّ القلوب تطمئن على مصير رياضتنا التي تعيش حالة ضياع. وتوجهنا إلى المشرف على إدارة الهياكل مكرم شوشان الذي أكد أن المشروع في مراحله الأخيرة، وأضاف:" ستنظم سلطة الاشراف ندوة في الغرض يومي 29 و30 أفريل الجاري. ومن المنتظر أن يتمّ الإعلان عن كلّ التنقيحات والاجراءات الكفيلة بتجسيم المشروع الذي تناوب على مناقشته طارق ذياب وصابر بوعطي وماهر بن ضياء الحريص على تطبيق المشروع في أقرب الآجال. وأشار شوشان إلى أن المشروع يتضمن أكثر من 60 فصلا. ويهدف إلى تغيير القانون وبطريقة "تنبثق" منها "الشركات التجارية" من الجمعيات الرياضية وهو ما سيحدث تغييرات كبيرة على المستويات التنظيمية والمالية.

 ماذا قال جنيح، النجار، المغيربي وشيبوب؟

الخبر بالكامل
رأيك يهمنا