برعاية

تقرير في الجول - ميكانيزمات العجول الكروية

تقرير في الجول - ميكانيزمات العجول الكروية

(من عالم الكتاب) - "هناك بلاد نشأت لصناعة لاعبي الكرة، وأخرى نشأت لشرائهم".. مانويل باثكيث مونتالبان في كتابه "دوري المهربين".

”في العصر الذهبي للتصوير الفوتوغرافي قبل 100 عام قال والتر بينجامين إن الجهل بلغة الصورة سيكون بمثابة جهلاً بكيفية القراءة والكتابة ، وبعد قرن كامل من تلك الأطروحة أعتقد أنه كان سيقول إن من يجهل ميكانيزمات سوق لاعبي كرة القدم سيكون أمياً أيضاً”.

*خوان بابلو مينيسيس في أحد اللحظات التي كاد يترك فيها مشروع إكمال الكتاب.

خوان بابلو مينيسيس فكر جدياً في ترك مشروع كتاب “لاعبون أطفال” للمرة الأولى مستلقياً داخل شقة جييرمو كوبولا – وكيل دييجو أرماندو مارادونا لنحو اكثر من عقدين.

شقة كوبولا كانت بمثابة القمة، مينيسيس كان ينظر في ارتباك شديد إلى البواخر والقوارب الفاخرة التي تقطع نهر لا دي بلاتا قرب الغروب، والتي تطل عليه شقة كوبولا القابعة في أحد أرقى أحياء بوينوس آيريس.

مينيسيس يستمع في صمت لحكايات كوبولا التي لا تنتهي، حكايات امبراطور روماني يتحدث عن مملكته السابقة، عن قوانين العهد الجديد لكرة القدم وهو الذي على حد قوله اخترع مهنة "وكيل اللاعبين" في شكلها الحديث منذ نهاية السبعينات.

"اللاعبون وأسرهم يبحثون عن وكيل لاعبين وهم لازالوا في سن الطفولة.. إنه شيء بشع، في الماضي كان بحوزتي 200 لاعب قبل أن أتعرف على مارادونا، كلهم كانوا يسعون خلفي ويريدون خدماتي. كل شيء تغير، السوق والقواعد، كل شيء قابل للخطف الآن، أن يكون لاعب بحوزتك لعدة سنوات، قبل أن تجده في حافظة وكيل أخر، الوكلاء الآن هم الذي يقبلون أقدام اللاعبين وأسرهم".

كوبولا الذي عاش مجموعة من أهم لحظات الكرة العالمية في الـ40 عاماً الماضية برفقة مارادونا يشعر بالمرارة، "دوماً كنت أحب الحفلات وما اعنيه هنا هن الفاتنات، الشامبانيا، الأصدقاء، أسلوب التعامل بين أبناء الوسط الواحد، الكل كان يسعى للتعرف على مارادونا، بما فيهم كاترين دينيف في معظم حفلاتنا في مونت كارلو”.

مينيسيس الكاتب التشيلي النحيل مازال يراقب البواخر التي تغدو بعيداً في النهر، يشعر بأنه دخل مصيدة لا يعرف منها خلاصاً.

منذ اللحظة التي قرر فيها تطبيق أسلوبه الخاص المعروف ب”الصحافة الكاش” ، أو ما يطلق عليه حسابياً “الاستهلاك + الكتابة” ، مقرراً عمل جزءاً مكملاً لكتابه الأسبق فائق النجاح “حياة بقرة” ، مطبقاً كل قواعد “الصحافة الكاش” متتبعاً رحلة بقرة أرجنتينية منذ ولادتها ، حتى تقديمها في طبق فاخر بأغلي مطاعم أوروبا متقمصاً دور تاجر مواشي يريد دخول المجال للمرة الأولى.

هذه المرة يقرر مينيسيس في “لاعبون أطفال” دخول عش دبابير حقيقي في دور سمسار يسعى لاكتشاف أحد الناشئين دون 14 عاماً مما يتم اعتبارهم “ميسي الجديد” ، وتقديمه لوسيط أوروبي على أمل الانضمام او التعاقد مع نادي أوروبي.

صورة مينيسيس في الصفحة الثالثة لا تنتمي لسمسار بأي حال من الأحوال، هي تبدو لأستاذ جامعي، أو صعلوك مثقف غير مستعد إطلاقاً لمهمة مثل هذه.

ولكن الشريط الأصفر الذي يحتضن الكتاب يحتوي على تفاصيل رحلته الأوديسية داخل “المنجم الكروي” ، أو ما يقال عنه “أمريكا اللاتينية ، 89 ساعة تسجيل صوتي، 15 مفكرة ورقية من الملاحظات تم حرقها في 16 مدينة بتسع دول مختلفة، من المكسيك إلى جنوب تشيلي، مشاهداً ما يقرب من 134 مباراة كسمسار متنكر، كلها للاعبين دون سن الـ14، رحلة غرائبية ربما تعطي تفسيراً عن سبب صعود عمليات انتقال أو تهريب العبون الأطفال بمقدر 27 % كل عام منذ سنة 2008، وبشكل متطرد.

توقيت "لاعبون أطفال" يبدو مثالياً جنباً إلى جنب صدور كتاب روبرتو سافيانو "صفر صفر صفر" الذي يعد سرداً وثائقياً لصعود كارتلات الكوكايين في المكسيك، وبين صور كتاب اخر عن السيرة الشخصية لخورخي مينديز القيصر الأول في عالم وكلاء اللاعبين في العقد الأخير، وتقدر حافظة لاعبيه بـ600 مليون دولار.

كتاب مينديز هو بروباجاندا كفاح تقليدية من النوع الذي تدينه كل صفحة من صفحات كتاب مينيسيز، مصادفة عجائبية أن يجمع كتابه نفس مصطلحات أباطرة الكوكايين في كتاب سافيانو!

فبصرف النظر عن الإشارة إللى عمليات قتل جماعية للاعبين صغار من أثناء لعيبهم من قبل كارتلات المخدرات المكسيكية خلال السنوات الأخيرة، فإن شخصيات “لاعبون أطفال تتبادل جملاً مثل:”هذا الولد لا يساوي أكثر من 200 دولار".. "هل وقع إينك لأي ناد أخر؟”، “هل يريد ان تذهب لأوروبا؟”، “هل لديك أبن أخر موهوب غير هذا؟".

مينيسيس يدو تائهاً في لحظات عديدة من الكتاب، خاصة عندما يدرك سبب وعورة وخطورة طريق اللاعبين الصغار.

إنهم مجموعة واعدة بحق ولكن حقيقة وصولهم للهدف النهائي ، للوصول إلى النسبة المثقررة التي يرغب فيها السمسار أو الوسيط ، أن يخرج “الجميع ب”لقمة حلوة” هي نسبة ضئيلة، هو رهان قد يحقق نجاحاً ساحقاً مرة كل خمس سنوات.

مينيسيس يشخص حالة سوق اللاعبين الصغار في كلمتين بسيطتين “في عالم سوق اللاعبين الأطفال” ، هناك مرحلتين مهمتين “الخروج” وهو الخروج من قاع قريتهم الفقيرة المغموسة في التراب ، ثم “الوصول” ، وهو التعاقد مع نادي اوروبي كبير ، القصور ، الفتيات ، السيارات ، ثم العودة على “الطريقة البرازيلية” إلى أرض الوطن لانتشال العائلة من بؤسها ، وفي أحيان أخرى انتشال القرية كلها.

قليل جداً نجحوا في الخروج ، نادراً ما نجح أحدهم أصلاً في الوصول” ، ميكانيزم يؤمن به الجميع ، لا يمكنهم تغييره ، وفي حقيقة الأمر هم لا يريدون المس به مطلقاً.

الأباء الذين يصرخون في أبنائهم مع كل مباراة ، على أمل “الخروج” ، والتي تصل إلى حد تحطيمهم معنوياً ، وصولاً إلى ما قاله أحد الوسطاء بانه “يتوجب الابتعاد عن إقامة صداقات مع اللاعبين الصغار ، فعندما يفشلون تكون الصدمة الأكبر، حاول الابتعاد عنهم وعن أسرهم عاطفياً بقدر الإمكان الأمر بسيط، ينتهي بعملية التوقيع واستلام النسب".

أحد أكثر الفصول رعباً هي صرعة تلفزيون الواقع التي تهتم باكتشاف المواهب الصغيرة ، على أمل الفوز بالجائزة الكبرى وهي “الخروج” للتدريب والاختبار في ريال مدريد على أمل “الوصول” في قلب فترة أزمة سياسية واقتصادية عنيفة تمر بها عدة بلاد لاتينية.

يقوم مينيسيس بتتبع فريق عمل برنامج “الطريق إلى المجد” الأرجنتيني قائلاً :”مقدم البرنامج يخترق الملعب بين لاعبين اعمارهم تتراوح بين 14 و 19 عاماً ، يريدون الفوز بالجائزة ، الخروج من حيهم البائس، ان يكون وجه إعلانات ، عاشق للفتيات الموديل ، أن يمتلك سيارة ، المزيد من الحوارات الصحفية، المزيد من القصور، لا بأس ببعض الحفلات من وقت للأخر، المزيد من الأهداف..

هكذا سيبيع المزيد من القمصان التي تحمل إسمه، العودة للوطن كبطل ، الحشود تستقبله من المطار ، ان يمر بكل ميدان مهم في بوينوس آيريس ، أن يلقي خطاباً من شرفة قصر الرئاسة ، أن يشكر جدته ووالدته اللائي قاما بتضحيات عديدة ، إهداء النصر لوالده الجالس في السماء حالياً وساعده للخروج من الفقر ، والذي آمن به حتى اللحظة الأخيرة.

من بين 5000 صبيا سيعبر 2500 فقط للجولة التالية قبل أن يتم تصفيتهم إلى 400، ثم التصفية مجدداً لـ 200 لاعب، قبل الوصول للمرحلة الأخيرة ، وهي اختبار 19 لاعباً ، يشكلون قوام فريق أساسي وأخر احتياطي.

في النهاية يكون الصراع النهائي بين لاعبين ، والفائز هو واحد فقط ، هذه المرة كان إسمه آيمار سينيتنو ، هذا الولد ذهب للتدرب مع ريال مدريد ، تعرف على ويدان وراؤول وكل الكبار، تمت إصابته في أحد مباريات الاختبار!

قضى أسبوعين في العاصمة الإسبانية ، قبل أن يعود لبلدته مرة أخرى ، هو الآن في ال27 من عمره ، كمهاجم بديل لفريق من أنصاف الهواة ، لديه إين وحيد ، ويعمل بقية اليوم في بيع المرطبات من دكانه الخاص”.

كتاب مينيسيس لحد كبير يلاحظ و يراقب من بعيد، كفيلم من أفلام فريدريك وايزمان الوثائقية، خاصة فيلمه "كريزي هورس"، والذي يشهد عملية “كاستنج” بالغة الصعوبة لاختيار راقصات استربتيز من كل أنحاء العالم للعمل بالملهى الليلي الباريسي فائق الشهرة، عندما تتعدى فتاة سن الـ22 تصبح كبيرة في السن.

وفي كتاب مينسيس يصبع عام ال16 هو أخر فرصة لاكتشاف اللاعب الشاب ، مينيسيس يعترف بأنه لا يسعى لاصطياد اطراف عملية تهريب صغار أمريكا اللاتينية لأوروبا، إنها عملية فهم للطريق الذي اختاره كل لاعب لاتيني تنهال عليه اللعنات مع كل ركلة جزاء يهدرها، أو الاحتفالات التي تقام على شرفه في كل هدف يحرزه بمقصية رائعة. حقيقية يكررها الكاتب التشيلي أكثر من مرة ، حتى وهو يقترب بالفعل من بيع لاعب اكتشفه في موطنه إسمه الحركي “ميلو” في العاشرة من عمره ، يمسيه مينيسيس على فترات متقطعة من الكتاب ب”البطل”.

الخبر بالكامل
رأيك يهمنا