برعاية

فوبيا (نظرية المؤامرة)

فوبيا (نظرية المؤامرة)

تلفّت المثقف المشهور يميناً وشمالاً ليتأكد من نوعية الحضور قبل أن يتحدث ويحلل ما يجري في العالم الآن.

لم يتأكد من خلوّ المجلس من الرقباء، رقباء النخبوية، فاضطر لاستخدام كليشة وقائية من التصنيف الشعبوي. قال في مطلع كل جملة تحليلية يسوقها: «رغم أني لا أؤمن بنظرية المؤامرة، إلا أني ...». كانت تلك هي الوقاية عن سلخه من قائمة المثقفين التنويريين، وتصنيفه مع المثقفين الظلاميين.

هو يدرك أن التصاق اسم المثقف الطليعي بالمصطلح السيء السمعة (نظرية المؤامرة) يشبه ذهابه لمشاهدة مباراة كرة قدم، أو حضوره حفلة غنائية لمطرب شعبي.

هو يعرف أن لا حل وسطاً عند القوم في هذه المسألة، فإما الاتكاء على أريكة نظرية المؤامرة أو التجمّل بإنكارها المطلق.

تلفّت المثقف المستنير في وجوه الحاضرين بقلق، ثم قال: رغم أني لا أؤمن بنظرية المؤامرة، إلا أن التحولات الملفتة في العلاقة بين أميركا وإيران مؤخراً تثير العجب والتساؤل، كيف تحوّل الشيطان الأكبر إلى ملاك، وكيف أصبحوا فجأة هم الأصدقاء ونحن الأعداء؟!

استطاع أن يلمس شيئاً من العجب في وجوه المستمعين، لكنه كان يتوقع عجباً أشد من هذا، لذا تشجّع في استكمال حديثه: ورغم أني لا أؤمن بنظرية المؤامرة، لكن الشبهات التي أثارها بعض الكتّاب الفرنسيين حول سيناريو أحداث تشرين الثاني (نوفمبر) الدامية في باريس تثير الانتباه فعلاً. كما أن ردود فعل الحكومة الفرنسية الإجرائية كانت من الجاهزية والإتقان كأنها معدّة سلفاً!

وحين شعر بأنه وضع الأرضية الملائمة للتخفيف على مستمعيه، مضى المثقف بكل عزم، لكن من دون أن يتخلى عن الكليشة الوقائية، ليقول: ورغم أني لا أؤمن بنظرية المؤامرة، إلا أن توالي الأحداث في العالم كأحجار الدومينو بات يزيد من فرص تصديق السيناريوات البديلة لأحداث أيلول (سبتمبر) ٢٠٠١. هل كانت تفجيرات سبتمبر سبباً لما جرى أم توطئة لما سيجري؟!

استرخى المثقف الكبير على مقعده وقد زال عنه الخوف من العيون التي انهزمت أمام شجاعته. ثم انطلق بكل ثقة، كبقية المثقفين، وبكل شجاعة لا كبقية المثقفين، ليقول ومن دون الكليشة الوقائية هذه المرة: لا أستطيع أن أفسر ما يجري في منطقتنا العربية منذ خمس سنوات إلا أنه مؤامرة مرسومة لتغيير وجه المنطقة، بل ليس فقط وجهها... (!). وواصل حديثه: هذا المخطط الشرس ربما بدأ مع أحداث سبتمبر، وإن رأى آخرون أنه بدأ منذ الجهاد الأفغاني. ليس مهماً أن نعرف متى بدأ، بل الأهم أن نعرف متى سينتهي! لكنه تراجع فقال: لكن للأسف لن نعرف متى سينتهي ما لم نعرف متى بدأ. ولو أن أحداً تتبّع خط التطور والارتقاء من «القاعدة» إلى «داعش» لوجد فيه كثيراً من المحطات التفسيرية والتحليلية لما يجري الآن.

الخبر بالكامل
رأيك يهمنا