محرز..محارب الصحراء الذي انفجرفي الملاعب الإنجليزية
لاعب موهوب يملك قدما يسرى سحرية مكّنته من نسج لوحات فنية فوق المستطيل الأخضر، أُعجب به عشاق الكرة المستديرة، ويتفاعلون مع كل حركة من حركاته. هدّاف من طينة الكبار.. هو رياض محرز، لاعب يتميز عن غيره من اللاعبين بالمواظبة على اللعب الجدي، ولا يبالغ في المراوغات، حتى وإن صُنف كخامس أحسن مراوغ في القارة العجوز. ويمتاز مهاجم ليستر سيتي الإنجليزي رياض محرز بتمريراته الدقيقة وقدرته على اللعب في الرواقين الأيمن والأيسر على حد سواء. كل تلك المميزات جعلته يفجّر طاقاته الفنية خلال هذا الموسم، ووضعته في خانة ثاني أحسن هدّافي الدوري الإنجليزي الممتاز. “الخبر” سلطت الضوء على مشوار النجم الجزائري الوحيد الذي تمكن من تسجيل “هاتريك” في الدوري الإنجليزي الممتاز “بريميرليغ”.
“لقد كان يومًا مثاليًا.. لقد فزنا بالمباراة ونحن نتصدّر الدوري، وأنا سجّلت هاتريك وساعدت فريقي على الفوز، لذلك أنا سعيد جدا”.. هكذا عبّر المهاجم “المثالي” لاعب نادي ليستر سيتي الإنجليزي رياض محرز عن فرحته، عقب اللقاء الذي تألق فيه في 5 ديسمبر الماضي ضد نادي سوانسي سيتي، ضمن الأسبوع 15 من منافسات الدوري الإنجليزي الممتاز، مانحا فريقه فرصة التربع على عرش صدارة الدوري، وحاشرا أنفه وسط ألمع نجوم الكرة العالمية، باعتباره ثاني أحسن هداف في “بريمير ليغ”، وسادس أحسن ممرر كرات حاسمة في البطولة نفسها، وخامس أفضل مراوغ في القارة العجوز.
مزاحمة رياض محرز صاحب 24 ربيعا لأبرز هدافي دوري النجوم الإنجليزي، ليس إلا حصادا لمشوار احترافي أوروبي خالص لم يبح بعد بكامل أسراره، بل هي مواصلة لتسطير تاريخ جديد للنجوم الجزائريين الذين ذاعت أصواتهم في مختلف البطولات الأوروبية.
تاريخ دُونت أحرفه الأولى في المدرسة الفرنسية بناحية “إيل دو فرانس” ضواحي العاصمة باريس، وبالضبط في بلدية “سارسيل” حيث ولد رياض في فيفري 1991، من أب جزائري ينحدر من بني سنوس بولاية تلمسان أقصى غرب الجزائر، ومن أم مغربية. وهناك أخذ سحر الكرة المستديرة يسكن روح محرز اليافعة، وراح يداعب الكرة ويتعلم أبجدياتها على مدار 4 سنوات أمضاها رفقة نادي مدينته سارسيل.
كان محرز منذ صغره أحد الموهوبين الذين يصنعون الفرجة فوق المستطيل الأخضر، ويجعل المشاهدين يستمتعون بلمساته الفنية الساحرة، دون أن يضجروا أثناء متابعتهم للمباريات، وهو ما جعل صيته يذيع في المحيط الذي كان يقطن فيه. وفي سنة 2009 اكتشفه نادي كامبير بمقاطعة فيناستير التابعة لإقليم “لابروطون” بأقصى شمال غرب فرنسا، ليمضي سنة واحدة رفقة الفريق الذي كان ينشط ضمن البطولة الفرنسية للهواة.
أمضى سنة واحدة رفقة فريفه الهاوي “كامبير” ولعب معه 27 مباراة سجل فيها هدفين، قبل أن يغادره في صائفة 2010 باتجاه منطقة نورمونديا العليا، وهناك أمضى عقدا احترافيا مع نادي “لوهافر” الذي كان ينشط في الدرجة الثانية تحت قيادة المدرب الفرنسي سيدريك دوري.
انطلق رياض محرز مع فريق لوهافر ضمن التشكيلة الاحتياطية، واستطاع أن يسجل 10 أهداف خلال مرحلة الذهاب من الموسم 2010-2011، مبرزا التقنيات الساحرة التي كان يمتاز بها كعبه العالي، ولافتا انتباه مسيري النادي النورموندي الذين قرروا أخيرا ترقيته إلى الفريق الأول.
أبرم محرز عقدا احترافيا لمدة 3 سنوات مع النادي الفرنسي لوهافر خلال “الميركاتو” الشتوي، لكن مدربه سيدريك لم يمنحه الثقة اللازمة، وظل محرز في أغلب المواجهات خارج حساباته، بحجة أن بنية اللاعب الجزائري لا تزال ضعيفة ولا تؤهله للعب في غمار البطولة الفرنسية للدرجة الثانية.
كان على محرز انتظار انطلاق الموسم الجديد ورحيل نجم الفريق وقتها المهاجم ريان مانديس كي تتسنى له فرصة الاستدعاء ولو في مقاعد الاحتياط، وهو الأمر الذي تحقق مع رحيل مدرب فريقه الذي عوضه الكوتش الجديد إيريك مومبارت، هذا الأخير منحه الثقة الكاملة بعد أن آمن بقدراته الفنية وبعلو كعبه وأمسى يعتمد عليه في أغلب المباريات.
بداية البطولة الفرنسية لموسم 2012-2013 كانت مميزة بالنسبة للنجم الجزائري، بل كانت بمثابة منعرج حاسم في مشوار اللاعب الذي أمسى الجناح الأيمن الأساسي في الفريق دون أي منازع، إذ شارك في 34 مباراة مكَّنته من تشغيل عداد أهدافه في البطولة الفرنسية للدرجة الثانية، وأنهى الموسم بتسجيل 4 أهداف وتمرير 6 كرات حاسمة.
أبدى اللاعب الفرانكو-جزائري مردودا طيبا مع فريقه لوهافر إلى غاية جانفي 2014، عندما قرر حينها تغيير الأجواء نحو البطولة الإنجليزية للدرجة الثانية، والانضمام إلى نادي ليستر سيتي الذي كان يسير بخطوات ثابتة نحو الصعود إلى الدوري الإنجليزي الممتاز، وهو ما كان يتوافق مع طموحات النجم الصاعد، مثلما قال في إحدى تصريحاته الصحفية قبيل انتقاله إلى “فوراكس”. وسجل رفقة فريقه الجديد ظهورا حسنا في 19 مباراة خاضها خلال 6 الأشهر الأخيرة من الموسم، سجل خلالها 3 أهداف، واحتفل بتحقيق الصعود رفقة فريقه الجديد إلى الدوري الإنجليزي الممتاز الذي يعج بألمع نجوم الكرة العالمية.
اكتشاف محرز لأجواء “البريميرليغ” الجنونية زادت من عزيمته على رفع وتيرة العمل الجاد أكثر فأكثر، إذ ساهم في صمود فريقه على البقاء للموسم القادم أيَما مساهمة أمام أعرق وأكبر نوادي الكرة العالمية، حيث شارك في 30 مقابلة سجل خلالها 4 أهداف، أحدها في مرمى نادي هال سيتي، ثم ثنائية في مرمى نادي ساوث همبثون.
واصل رياض محرز نقش اسمه على قائمة هدافي الدوري، واستطاع أن يخطف الأضواء منذ انطلاق الموسم الجاري (2015-2016)، مفجرا قدراته الفنية وكاشفا عن مستوى فني راق، إذ سجل 3 أهداف في 3 مباريات الأولى المتتالية ضد نادي ساندرلاند التي فاز فيها فريقه بنتيجة 4 أهداف مقابل 2، وأعادها في مرمى نادي ويستهام ثم توتنهام، بغض النظر عن العروض القوية واللمسات الفنية التي تطبعها حركاته الرشيقة وهو يداعب الكرة فوق أرضية الميدان، ما أكسبه حب ومودة الإنجليز.
وفي 19 سبتمبر الماضي ترجم ضربة جزاء إلى هدف في مرمى ستوك سيتي قبل أن يمرر كرة حاسمة عدل بها زميله جيمي فاردي النتيجة، وواصل محارب الصحراء أداءه الرائع في البطولة بتمريره كرتين حاسمتين إلى زميله الإنجليزي فاردي ضد ساوثهامبتون، وبعدها سجل هدف الفوز ضد فرق كريستال بالاس.
وبعد 3 أيام، وجد رياض طريق الشباك مرة أخرى في مباراة الكأس ضد هال سيتي، ولم يكتف بهذا الحد بل تابع بنفس الوتيرة مكسرا كل “التابوهات”، واستطاع أن يسجل هدفين في 31 أكتوبر الماضي ضد نادي ويست برومويش في مباراة انتهت بتفوق فريقه 3 أهداف مقابل 2، تفوق يرجع الفضل الكبير فيه إلى رياض.