برعاية

«الشروق» تفتح ملف منتخبات الشبان:ارتجـــــــــال... تهميــــــش ومعانـــــــاة من المدربيــن والوسطـــاء

«الشروق» تفتح ملف منتخبات الشبان:ارتجـــــــــال... تهميــــــش ومعانـــــــاة من المدربيــن والوسطـــاء

كثيرا ما يتساءل الجمهور عن الأسباب الحقيقية لتدهور حالة الـ«نسور» وعجزها عن التحليق في كل المسابقات الدولية. وقد حاولنا أن نقدّم عشرات القراءات والتفسيرات لتبرير دخول المنتخب عصر الرداءة و»الانحطاط»، وشعور المحبين بالاحباط نتيجة الأداء المتواضع للمنتخب الأول الذي من الواضح أنه انعكاس لحالة الضّياع التي تعيشها منتخبات الشبان وهي «الخزان» الرئيسي للفريق الأول والمحطة الحاسمة في مشوار الدوليين قبل الحصول على شرف تقمص أزياء منتخب الـ»كبار». ويبدو أن تشريح وضع منتخبات الشبان قد يفكّ جانبا كبيرا من «لغز» الـ»نسور» الـ»كبار» الذين عجزوا عن تطوير الأداء وارضاء الجمهور سواء مع أهل الدار مثل سامي الطرابلسي ونبيل معلول أوبقيادة الفنيين القادمين من وراء البحار على غرار «كرول» و«ليكنز» و«كاسبرزاك».

قد تفتقر الكرة التونسية إلى الموارد المالية، وربما تعاني الأمرين جراء البنية التحتية المهترئة والمهازل التحكيمية والتصرفات «الصبيانية» للمسؤولين بقيادة كبيرهم وديع الجريء، لكننا نؤمن مع ذلك بأن مستقبل كرتنا قد يكون أفضل، وعلى اقتناع تام بأن تونس تمتلك طاقات بشرية ومواهب كروية هائلة من شأنها أن تصنع الفرح. وتحقق نجاحات تاريخية مع الجمعيات والمنتخبات شرط تكوينها على أسس سليمة، وتأطيرها ومتابعتها في مختلف مراحل التكوين، وانتقاء المدربين الأكفاء، وحماية اللاعبين من الوسطاء والدخلاء، وتمكين مراكز التكوين من نصيبها من التمويل وايلائها العناية التي تستحق...

من المفترض أن تكون منتخبات الشبان في صدارة الأولويات، وعلى رأس الاهتمامات والمخططات، لكن يبدو أن أهل الحلّ والعقد في الكرة التونسية انصب تركيزهم على المنتخب الأول لكونه الواجهة الرئيسية. وفاتهم أن «البناية» ستصبح متداعية للسقوط طالما أن القاعدة (وهي أصناف الشبان) غير سليمة، ولا تحظى بالعناية الضرورية. وبما أن الأرقام لا تكذب، وقد تكون أفضل من الكلام العام، فإننا نشير إلى أن المعطيات الرسمية تؤكد بأن الجامعة التونسية لكرة القدم كانت تتصرف في ستة مراكز جهوية لتكوين الشبان موزعة على عدة أنحاء من تراب الجمهورية. ويبدو أن غياب التمويل دفع المشرفين إلى غلق مركزين وهو أمر ينذر حتما بالخطر على مستقبل مواهبنا الكروية المغمورة التي كان من المفترض أن تتجمع في هذه المراكز قصد الحصول على التكوين اللازم تمهيدا لتمثيل المنتخبات الوطنية في كلّ الفئات العمرية ورفع الراية الوطنية في المحافل الدولية.

إن المتابعين عن كثب لنشاط منتخبات الشبان يدركون حتما حجم التجاوزات والإخلالات، وهو ما ينعكس سلبيا في مرحلة موالية على المنتخب الوطني الأول الذي التجأ إلى «التوريد». واضطر إلى توزيع الجنسيات على بعض «الطيور المهاجرة»، واستقطاب بعض «المرتزقة» للذّود عن الراية التونسية، وهو «كاره» لهذه السياسة التي فرضها ضياع مواهبنا الشبة في سنّ مبكرة وعجزها عن فرض نفسها لخلل ما في التكوين والتأطير. وتواجه منتخبات الشبان عراقيل كبيرة جراء ضعف البنية التحتية، والتوقيت المدرسي، وغياب «ثقافة» الإعداد النفسي للاعبين الشبان(تؤكد بعض الدراسات أن الانجازات الرياضية تعتمد على 40 بالمائة من الإعداد النفسي للاعبين مقابل 60 بالمائة للجوانب المهارية والبدنية)، وهذا فضلا عن تدخلات الوسطاء والأولياء، وشطحات بعض المدربين المشرفين على الأشبال. ومن المؤكد أن الجمهور الرياضي استغرب كثيرا من الجدل الكبير الذي رافق خيارات مدرب المنتخب الأولمبي ماهر الكنزاري الذي دخل أيضا في «حرب» كلامية مع مسؤولي الافريقي، والحقيقة أن ما حصل هو مجرّد عينة صغيرة من الواقع الأليم لمنتخبات الشبان.

من حق تونس التنقيب على جميع أبنائها المهاجرين، والانتفاع بخدمات كل أولادها المغتربين، شرط أن تتوفر فيهم الشروط الضرورية لتقمص الأزياء الوطنية. وقد بعث المسؤولون عدّة خلايا للتنقيب عن اللاعبين الناشطين في القارة الأوروبية. ووضعوا الاستراتيجيات لاستقطاب «الطيور المهاجرة» والحاقهم بالمنتخبات التونسية، ومن المؤكد أن هذا التوجه يندرج ضمن الرؤية الاستشرافية لأهل الحل والعقد ولكن نأمل أن لا يخفي هذه التوجه في طياته حقيقة مؤلمة مفادها تراجع منتوجنا المحلي خاصة أن السعي لاستقطاب لاعبين مهاجرين في صنفي الأصاغر والأواسط بعد أن كانت هذه الظاهرة حكرا على المنتخبين الأول والأولمبي تطرح أكثر من سؤال.

في ظل المشاكل الكبيرة التي تواجهها منتخبات الشبان كان من الطبيعي أن تكون النتائج مخيبة للآمال. وقد اكتفت «نسورنا» بتحقيق انجازات «صغيرة» على الصعيدين المغاربي والاقليمي والقاري. وكان المنتخب الأولمبي قد مرّ بجاب الحدث، وفشل في العبور إلى الألعاب الأولمبية عام 2012، رغم أنه راهن آنذاك على لاعبين صاعدين بقوة صاروخية في تلك الفترة مثل بن شريفية والمباركي والمساكني والعيفة ولسعد الجزيري والعمراني وبن حمودة... وعلقنا آمالا عريضة على منتخب الأصاغر في مونديال الامارات العربية المتحدة عام 2013 لتحقيق الهدف المأمول، وطرق أبواب المجد غير أن منتخب عبد الحي بن سلطان سقط أمام الأرجنتيين. وعاد وهو يجر أذيال الخيبة رغم «فيلق» النجوم الذين كانوا بحوزته أمثال النغموشي والصحراوي وبهاء الدين عثمان والجبالي وبالعربي والقابسي والحاج حسن... ولعل الأدهى والأمر أن منتخبات افريقيا السوداء ابدعت في التظاهرات الرياضية الكبيرة كما هو الشأن بالنسبة إلى «النجوم» الغانية في مونديال أقل من 20 عاما، والـ»نسور» النيجيرية التي قبضت لتوها على التاج العالمي لأقل من 17 عاما في الأراضي الشيلية بعد أن واجهت في المحطة النهائية منتخبا افريقيا آخر وهو مالي. ومن المؤكد أن المسؤولين عن المنتخبات الوطنية في أصناف الشبان يشعرون بالخجل عندما يشاهدون منتخبات افريقية أو عربية مثل غينيا وسوريا تشارك في مونديال الشباب وسط غياب تونس التي لا نظن هذه الفرق لها امكانات مالية ومواهب كروية واطارات فنية أفضل من تلك التي بحوزتنا.

برزت خلال السنوات الأخيرة عدة مواهب، بعضهم عانق سماء الابداع في التظاهرات الدولية الكبيرة لكن سرعان ما خفت بريقهم، وخسروا أماكنهم في المنتخبات الوطنية ونستحضر على سبيل الذكر لا الحصر نور حضرية ومصعب ساسي وأسامة البوغانمي وخالد العياري وبلال العيفة وعاطف الدخيلي وسيف الدين العكرمي... وتاه في الزحام عدة نجوم أيضا أمثال النغموشي ومعز عبود وشمس الدين الصامتي (ثلاثتهم مع آمال الترجي في الوقت الراهن). ضاع آخرون في أروبا مثل الصحراوي وأحمد ساسي الذي سافر إلى ألمانيا على أساس أنه «ميسي» تونس لكنه عاد لتوه إلى الوطن محمّلا بكابوس مزعج، بعد أن تحول مشروع الاحتراف إلى سراب.

تبذل الادارة الفنية للجامعة التونسية لكرة القدم بقيادة كمال القلصي مجهودات كبيرة للنهوض بمنتخبات الشبان. وأقامت الادرة الفنية التربصات. وبرمجت الوديات. ونظمت العديد من الملتقيات التكوينية للمدربين المشرفين على الأشبال لكن يبدو أن كل هذه التحركات لم تثمر بعد نتائج في مستوى التطلعات وذلك لعدة أسباب على رأسها غياب استراتيجية واضحة، وغياب نوايا الاصلاح الحقيقي من قبل سلطة الاشراف والجامعة.

الخبر بالكامل
رأيك يهمنا