برعاية

حكايات بين الـ3 خشبات : شريط الحياة !

حكايات بين الـ3 خشبات : شريط الحياة !

بعد كلمات امه الحنونه، اعتصر فراشه بجثمانه الذي انتهك من الارهاق، يتمني ان يحصل علي راحه سنين لكن تنتهي في وقت قصير، فهو لم يعتد الراحه مُنذ سنوات عِده، قد سام من حسابها، لكن من حوله يُخبرونه بارقامها في فترات مُتباعده، كنوع من الاحتفال الذي لم يشغل باله قط.

ولكن قبل ان يحصل علي جزء قليل من الراحه، سمع احداً ما يُناديه بلهفه، بصوت مُنخفض لكنه سُرعان ما ارتفع:

-رونالدو، رونالدو هيّا اذهب لقضاء فروضك المدرسيه.

بعد لحظات من الاندهاش بسبب ذلك الامر العجيب الذي وجه له، حيث ظنّ انه قد تخطي تلك المرحله منذ سنين عِده، لكنه ادرك انه امر طبيعي حينما اكتشف ان مكانه قد تبدل، فهو الان في "سانتو انطونيو-ماديرا-"، في منزلٍ فقيرٍ وصغير لكن كان هو اصغر فرد فيه.

-ليس لديّ اي فروض منزليه اليوم.

قالها بثقه تُظهر للمستمعين انه يقول الحقيقه، قبل ان ينطلق مُسرعاً من احدي نوافذ المنزل الضيقه، مُصطحباً معه حبيبته التي لم تُفارقه ابداً، وانطلق تجاه الساحه التي تُجاور المنزل، مُختلياً بها، ظلّا يُداعبا بعضهما البعض حتي ساعات الليل، يدحرجها في كُل الارجاء، فتُطيع، ثُم يركلها تجاه الحائط، فترتد اليه في تروٍّ خلاب.

وفي ظل تلك الاجواء الرومانسيه بينه وبين حبيبته المُدوره التي عثر عليها باحد الاروقه بجانب المنزل، اقتحم احد اقاربه خلوته مع الكُره بعد ان تحدث بصوت مُرتفع:

-ان كُنت تستطيع التحكم في الكُره بتلك القُدره، فلما لا تُجرب حظك في فريق "اندورينا"؟ ربما تحظي بفرصه جيده.

ومن ثم ركد تجاه منزله مُسرعاً حتي لا يتاخر عن الميعاد المُحدد لعودته، واثناء ركضه اكتشف ان الكُره لازالت تحت قدميه وان ملابسه قد تبدلت للاسود والابيض، وذلك قبل ان تتحول الارض الرماديه الي بُساط اخضر، ادرك انه علي ارضيه الملعب الان، وهو امر في حد ذاته يجعله يُزيد من سرعته حتي يظل الاول دون ان يلحقه احد.

في كُل ركده كان يستمع لحديث الحضور عنه، عن تلك النحله النحيفه التي لا تكل التحرك في كُل مكان في الملعب، تتحرك بشكل عجيب وعكس كُل التوقعات، استمر ذلك الحديث وانتشر في كُل ارجاء المدينه، واصبحت "ماديرا" بالكامل تتحدث عن روعه ذلك الصغير، وطال ذلك الحديث حتي وصل الي الطائره التي شعر بالخوف فيها لاول مره، فهو لم يعتد ركوب اشياءاً تطير، لكنه كان مضطراً هذه المره، فالرحله الي "لشبونه" يلزمها اشياء كهذه الطائره.

عند وصوله، كانت تترقب اعين المُتواجدين في اكاديميه "سبورتنغ"، وظلَ ذلك السؤال راسخ في عُقولهم: "كيف تطل تلك النظره الثابته، الواثقه من تلك العين الصغيره التي رماها القدر لتكون في ذلك الوجه الشاحب"، لكنهم قرروا الصبر حتي يُشاهده ما في امكان ذلك الهزيل تحقيقه، وبعد ذلك اصبح قرارهم -بالصمت- نهائياً.

-"اتعتقد ان الحاله خطيره ايها الطبيب؟" ... قالتها (ماريا) -امه-  للطبيب المُعالج.

-علي ما يبدو ان شيء ما بداخله لا يحتمل الصبر اكثر من ذلك، يُريد ان يُسرع رتم الحياه اكثر، فاثّر ذلك علي ضربات القلب التي اصبحت سريعه جداً، اذا نجحت العمليه سيعود للملاعب بدون ادني مُشكله.

كان علي الفراش لا يُفكر في اجواء تلك العمليه التي هو مُقبل عليها، في الواقع هو كان يظن ان كُل هذا مضيعه لوقتٍ كان يُمكنه التدرب فيه، جل ما كان يُشغل تفكيره هو موعد عودته لمعشوقته من جديد، كان علي يقين من انها تنتظر عودته ايضاً، وبالفعل تم علاج ذلك التسارع في ضربات القلب بعد عمليه تكللت بالنجاح.

مَر من ممر ضَيق عائداً لغُرفته بعد اجراءه للعمليه الجراحيه، وعند اقترابه من دخول الغُرفه سمع صيحات عاليه تاتي من جانبها، اشتعل الشوق بداخله سعيراً، تلك الصيحات يُمكنها ان تكون بمفعول السحر بالنسبه له، واراد لو استطاع ان يُزيد من سُرعه ذلك الفراش بطيء الحركه.

وعند دخوله، وجد جحافل عظيمه من الجماهير ترتدي القمصان الخضراء الداكنه المعروف بها النادي البُرتغالي -سبورتنغ-، وقِله ترتدي القمصان الحمراء الخاصه بالعملاق الانجليزي -مانشستر يونايتد-، اشتياقه الشديد للكُره جعله يُزيد من حراره لقاءهم في هذه المره، وظل يركلها هُنا وهُناك حتي جعل الجميع لا يري سواه في الملعب، حتي بعد المُباراه.

دخل لِغُرفه الملابس بعد المُباراه، وعند خلعه لقميصه سمع صوت ما يقول له:

-"هذا هو رهاني لكَ، اذا كسرت حاجز الخمسه عشره هدف، فستضمن الاموال في جيبك، هذا بالطبع بالاضافه الي عوده مكانتك عند الجماهير بعد حادثه كاس العالم"... قالها السير"اليكس فيرجسون".

-لم اخسر رهاناً في يوم ما، واعدك باني ساضم ذلك للقائمه.

وبالفعل بدا في التدرب علي كيفيه كسب ذلك الرهان، وتحقيق ذلك المُعدل القياسي في تسجيل الاهداف داخل الدوري الانجليزي، كانت تغمره سعاده كبيره عند تحقيقه لذلك الرقم المهم، لكنه كان يستمع دائماً لصافرات استهجان لم يعرف سببها، كان من المُفترض ان يستمع لصيحات استحسان من الجمهور المُحيط، لكن علي ما يبدو انه لم يكن في نفس اهميه المونديال لدي الانجليز.

سُرعان ما غرس الحُزن غصونه في قلبه بعد تلك الفرحه العارمه، ليس فقط بسبب تلك الصيحات، لكن ايضاً لانه وبالرغم من فوزه بالرهان بينه وبين ذلك العجوز الاسكتلندي، لكنه خسر رهاناً اخراً مرتين مُتتاليين، اخرهما كانت في مواجهه ذلك القصير، الذي كان له نصيب الاسد في اتخاذه قرار بعدم العوده لانجلترا، واستقلال طائره اخري ستحل في "مدريد-اسبانيا".

كان يعلم في صميم نفسه، انه اذا لم يُصبح الافضل في تلك البلاد، فلن يكن له مكان  فيها، فبدا في ازاحه مُنافسيه واحداً تلو الاخر، كان ينجح في اي مواجهه فرديه بينه وبين اي مُنافس داخل الميدان ومن ناحيه الارقام ايضاً، ومع الوقت اصبح لديه هدفيين اساسيين يسعي لتخطيهم، اولاً ذلك القصير الذي كان سببه في حلوله في "اسبانيا"، وثانياً الملك الذي يتسع مُلكه الي ما هو ابعد من "مدريد" حتي يصل لقلوب كُل المواطنين في البلاد.

-لا يُمكنني تخيل ليله افضل حتي في احلامي، اتمني ان اعود الي هُنا في السنه القادمه للحصول علي الثالثه، والان لا صوت يعلو فوق صوت العاشره.

كلمات لن ينساها بالرغم من عدم تحضيره لها من قبل، لكن وجوده فوق مسرح الفيفا لاستلام الكُره الذهبيه، جعله يملك كلمات افضل من كُل الشُعراء، او علي الاقل اعلي منها قيمه، لما لا وهي مطليه بالذهب الخالص، الذي زاد لمعانه حين ضم الكاس ذو الاذنين بجانبه.

اللمعان استمر في الزياده شيئاً فشيئاً، حتي اصبحت الرؤيه في عينيه بيضاء تماماً، وسمع شخصاً ما يتحدث، بدا الحديث في بدايته انه لشخصٍ اخر غيره، لكن عندما ازاد التركيز تاكد انه موجه له:

-الجهد وحده هو سبيلك للتقدم للامام، لا شيء غير هذا، الاعلام الذي يرفعك في لحظات، سينتقد وجودك في الحياه في اوقات اخري كثيره، حين تقرر الحصول علي راحه ولو قليله، سيقررون هم ان يُعطوك راحه نهائيه.

حاول كثيراً مواجهه ذلك الضوء الشديد الذي اصابه بشيء اقرب الي العمي، لكن التعب قد تملك منه واسقطه علي منكابيه، وبدا صوت المُتكلم في الاقتراب منه شيئاً فشيئاً:

-منذ لحظاتك الاولي وانت تُعاني مراره الاشياء، حين كُنت تحصل علي الحُب، لم تجد المال، وعند حصولك علي المال، وجدت معه كُل الاعين مُصوبه تجاهك، ليتصيدوا لك اصغر الاخطاء... امثالك لم يُكتب لهم الراحه يا (رونالدو)، الملوك مِثلك عليهم العمل طوال العمر بدون رخاء.

الخبر بالكامل
رأيك يهمنا