برعاية

عن الشغف والرياضات الخطرة، لماذا يجازف بعض الناس بحياتهم؟!عن الشغف والرياضات الخطرة، لماذا يجازف بعض الناس بحياتهم؟!

عن الشغف والرياضات الخطرة، لماذا يجازف بعض الناس بحياتهم؟!عن الشغف والرياضات الخطرة، لماذا يجازف بعض الناس بحياتهم؟!

منذ 1 دقيقه، 11 سبتمبر,2015

يصعد مارك وبجواره (بانورو) الشيربا الاصيل في جو ليس (اشبه بـ) وانما هو (الجحيم البارد) حرفيًا، يصعدان ليقابلا اول شخص متجمد في سلام، مستلقيًا علي جانبه بينما بطانه بنطاله الواقي من البروده تتطاير في كل مكان، يسيران امتارًا قليله اخري بصعوبه بالغه ليقابلا امراه مستلقيه تحيط نصف جسدها الاعلي بعلم بلدها (كندا)، تتطاير اطراف العلم الذي لن يري القمه ابدًا فياخذه مارك ويلف جسدها كله به، الميت الثاني بينما (بانورو) اعتاد علي مشاهد الموتي المتجمدين بحكم سكني اهله وعشيرته (الشيربا) في شرق نيبال عند احدي اكثر بقاع الارض صقيعًا، دقائق اخري من الصعود ثم يقابلان الثالث جالسًا في هدوء بلحيته الرماديه ووجهه – المسود – وجسده المتجمدين شاخصًا ببصره لاعلي، شخص اخر تجمد، شخص اخر دفع اغلي ما يملك ولن يبلغ القمه مع مارك في هذا اليوم، وفيما بعد عودته سيعرف مارك من هم؛ الاول ذو البنطال المتطاير هو الصيني “ها ونيي” ذو الـ55 عامًا، والثانيه هي الشابه الكنديه “شريا شاه” ذات الـ33 عامًا، والثالث هو الكوري الجنوبي “سونغ ون بن” ذو الـ44 عامًا، عصبه الامم التي تجمعت لتفقد حياتها في سبيل المغامره وحب تجربه الجديد!

في التاسع عشر من مايو لعام 2012 قرر 238 شخصًا الذهاب وراء حلمهم والمغامره بحياتهم في رحله قد تكون بلا عوده لتسلق اعلي قمه جبليه في العالم (ايفرست) والبالغ ارتفاعها (8848) مترًا فوق سطح البحر عالمين ان بعضهم لن ينزل من علي الجبل ابدًا، فقد اربعه في نفس اليوم حيواتهم ووصل 234 شخصًا بمساعده الشيربا الي القمه، وبعدها سيعود (مارك جينكس) متسلق الجبال والمغامر الامريكي الشهير ليكتب تحقيقًا مفصلًا حول رحلته لقمه اكثر اماكن العالم بروده لصالح المجله الرسميه لاحد اكبر معاهد العالم العلميه (ناشيونال جيوغرافيك).

لماذا يقفز بعض البشر من اعلي مبانٍ في العالم او يتسلقون الجبال الاصعب او يركبون امواجًا بالغه الضخامه والارتفاع؟ ولماذا يقوم البعض الاخر بالغوص في اعقد انظمه الكهوف تحت الماء مغامرين بالدخول في متاهات يحتمل حدوث اي شيء فيها؟ ولماذا يحب الشباب رياضه الباركور علي الرغم من صعوبتها ومعدلات الاصابه بالعجز المرتفعه فيها؟! هذا التقرير يحاول الاجابه علي اسئله كثيره علي راسها السؤال الاهم (لماذا يخاطر بعض البشر بحيواتهم؟!).

(1) الرياضات الخطره (Extreme Sports)

تسع سنوات مرت منذ تاسيس الاربعه لناديهم المفضل داخل حرم جامعه اكسفورد الانجليزيه وتسميته بـ(نادي الرياضات الخطره) او ما عرفه طلبه الجامعه بنادي (المتهورين) وهي التسميه الاكثر شيوعًا حينها، الاربعه الذين اسسوه كانوا هم الاكثر اهتمامًا بمجال رياضات المجازفه علي مستوي اكسفورد وهم (ديفيد كيرك/ كريس بيكر/ ايد هلتون/ الان ويستون)، كانت فكره مجنونه لاقامه مجتمع لكل المهتمين من الطلبه بالرياضات الخطره، لكن الاكثر جنونًا هو ما سيوشك الاربعه علي فعله الان حيث سيقومون ولاول مره بالقفز من علي جسر كليفتون المعلق في مدينه بريستول وهم معلقون بحبالٍ مطاطيه فقط.

عندما سمع طلبه الجامعه عما سيحدث كان ذلك شغلهم الشاغل، ولان الامر غير مفهوم تمامًا ويحدث للمره الاولي فقد جذب انتباه الناس بامتياز، بضعه بشر سيقومون بالقفز معلقين بحبال فقط من علي ارتفاع 26 مترًا في مغامره غير مامونه او معروفه المغزي وفي زمن لم يحظَ باغلب وسائل الحمايه الحاليه، ونجحوا بالفعل ثم كرروها مره اخري ولكن من علي جسر البوابه الذهبيه الشهير في سان فرانسيسكو من ارتفاع 67 مترًا بتغطيه تليفزيونيه من برنامج (That’s incredible) الامريكي الشهير، وهو ما ضمن لهم اكبر قدر من الانتشار، والقفزتان كانتا نواه التاسيس للرياضه الشهيره المعروفه الان باسم (Bungee jumping) او القفز المرن.

القصه الطريفه التي تُرْوَي عن اول ممارسه لرياضه خطره انه كان هناك اخوان اسمهما (اج/ ايرج) في قريه صغيره في اسبانيا حيث يلعب الجميع العابًا كلها مشتقه من استخدام عصا خشبيه صغيره وقوس خشبي ايضًا، كان هذا يثير ملل الاخوين كثيرًا وكان في القريه ثور معروف بعنفه الشديد عند محاوله استفزازه، لذلك وفي صباح احد الايام قرر اج وايرج ان الوقت حان لتجربه فكره جديده وركوب الثور ومحاوله الصمود اكبر فتره ممكنه علي ظهره، عندما راي بعض الاهالي ما يعتزمان فعله اتهموهما بالجنون، لكن الاخوين فعلاها ونجحا بالفعل وبدات اللعبه في الانتشار للقري المجاوره، ثم المدن وصولًا الي ما نعرفه اليوم بالروديو او ركوب الثيران.

تاريخيًا لم يكن هناك وحتي منتصف القرن الماضي مصطلح (الرياضات الخطره) كفئه تضم تحتها اشكالًا معينه من الرياضات، وانما كان الناس يعرفون انواعًا معينه منها تمثل ممارستها خطوره كبيره علي حياه الانسان. في عام 1950 ظهرت جمله تنسب خطا لارنست هيمنجواي الروائي الامريكي الشهير تقول (هناك ثلاث رياضات فقط: “مصارعه الثيران، سباق السيارات، تسلق الجبال”، وكل ما عدا ذلك فهو مجرد العاب لا اكثر) ومضمون العباره يحصر تعريف الرياضه في كونها الشيء الذي تمثل ممارسته خطوره حقيقيه علي حياه الرياضي، ثم كانت النقله الثانيه بعد ما فعله مؤسسو نادي الرياضات الخطره من طلبه اكسفورد حيث بدات الناس تالف مصطلح رياضات المجازفه مع توسع مستمر لهذه الفئه، حتي وصلت الرياضات المندرجه تحتها حاليًا لاكثر من 50 رياضه مختلفه.

الرياضات الخطره هي كل رياضه بها احتمال كبير لفقدان الممارس او الرياضي حياته فيها، وتضم رياضات مشهوره مثل سباقات السيارات بانواعها وعلي راسها سباقات الفورميلا وان، تسلق الجبال، القفز بالحبال المرنه من اقصي ارتفاعات ممكنه، التحليق الحر باستخدام طائرات شراعيه او باستخدام ملابس الطيران المطاطيه (Wingsuits)، والتزحلق علي الجليد وركوب الامواج الهوائيه او المائيه والغوص الحر وغيرها، وكل نوع يتطلب اعوامًا متواصله من التدريب البدني والنفسي الشاق والمكثف علي ايدي محترفين.

بالتاكيد لا يبدو علي هذا الرجل سيماء المستكشفين او الرجال المنوط بهم المخاطره وتحقيق الانجازات، قصير القامه مع لحيه ملطخه بالتبغ وذراع واحده فقط كنتيجه مباشره لقذيفه مدفعيه تلقاها كضريبه لمشاركته في معركه (شيلوه)، لكنه وعلي الرغم من افتقاده لكل ما يلزم ظاهريًا الا انه وضع بصمته واستكشف معظم (الاخدود العظيم) احد اكبر واعقد انظمه الاوديه في العالم، في عصر لم يكن يحتوي علي اي ذره تكنولوجيا تساعد علي ترحال اي شخص في متاهه هائله الحجم كهذه، احد اخطر الاكتشافات قام بها رجل بسيط لا يمتلك الا حسًا فريدًا ومزيجًا من المغامره والمخاطره بحياته.

في ليله الثالث عشر من يناير لعام 1888 انضم جون ويسلي مكتشف الاخدود العظيم لاثنين وثلاثين شخصًا اخرين في امسيه فريده من نوعها في نادي كوزموس في واشنطن، مجموعه منتقاه من اشخاص خبراتهم بحجم مدن كامله في عصرهم، رجال نجوا من تيه الطرق في القطب الشمالي، واخرون خرجوا من عواصف بحريه مميته بمعجزه ما، وبعض ثالث نجا من هجمات لحيوانات بريه اثناء استكشافه للغابات وتحمل الجوع الشديد والوحده في سبيل لذه المخاطره، بل واحدهم كان قد عاد لتوه من سيبيريا احد اكثر مناطق العالم رعبًا في ذلك الوقت عابرًا اياها بالكامل، صحفيون وضباط بحريه وجغرافيون ومهندسون ومتسلقو جبال وخبراء ارصاد جويه، مجموعه منتقاه من مجانين عصرهم اجتمعوا في هذه الليله البارده ليضعوا الاساس لجمعيه وطنيه تُعني بالاكتشافات الجغرافيه الجديده وتشجع عليها وترعاها علميًا وماديًا وجهدًا، الكيان الذي سيعرفه العالم فيما بعد بـالجمعيه الوطنيه الجغرافيه او (ناشونال جيوغرافيك) المنظمه الاستكشافيه الاكبر علي سطح الارض.

المخاطره – اي مخاطره – لها اسباب سطحيه ومباشره في عقول اغلب الناس ما بين تحقيق مجد وشهره او مكسب مالي او سياسي او لانقاذ ارواح بريئه، لكن هذه المخاطرات تقف عند حدود معينه لا يتجاوزها الا قله نادره لديها استعداد تام للتضحيه باي مجد او شهره او ثرواتهم او المخاطره بارواحهم نفسها، لذلك كانت الاسئله التي شغلت علماء عديدين هي: ما الذي يدفع بعض البشر لتعدي الحافه والمخاطره بكل شيء في سبيل تحقيق اهدافهم حتي مع وجود عواقب وخيمه؟ وما الذي يدفع الانسان لتعلم اشياء جديده ويساعد علي التحكم في وزياده المهارات الحركيه؟ الاسئله التي كان جوابها بداخل الصندوق الاسود لاسباب اقدام البشر علي المخاطره لياتي بعض العلماء بعد مائه وسبعه وعشرين عامًا فيفتحوه ويحاولوا فهم الاجابات، وليكتب عنها وعن جون ويسلي فيما بعد (بيتر جوين) في مقاله الممتع “غموض المخاطره“.

يبدا لاري زويفل – احد علماء المخ بجامعه واشنطن – حديثه بالتاكيد علي ان (الدوبامين) احد اهم مفاتيح فهم اقبال بعض البشر علي المخاطره، وان اي انسان يقبل علي مغامره ما او يرشح نفسه لرئاسه شركه او ينضم للقوات الخاصه البحريه (المارينز) مثلًا فان نسبه الدوبامين لديه اعلي من اقرانه الطبيعيين، بينما علي الجانب الاخر نجد نسبه الدوبامين قليله جدًا لدي مرضي الشلل الرعاش او الذين يميلون للاستقرار ولا يتقدمون في حياتهم بشكل سريع وفعال، والدوبامين هو احد الناقلات العصبيه (مواد كيميائيه مختصه بنقل المعلومات والاحاسيس والاوامر العصبيه من خليه لاخري)، ويكمل لاري حديثه (ولذلك لسنا جميعًا نتسلق الجبال او نغوص في اعماق البحار او نرشح انفسنا للمناصب العليا وصولًا للرئاسه او نسافر ونتنقل كثيرًا، لدي كل منا كميه مختلفه من الدوبامين عن الاخر ولذلك تختلف مساراتنا).

علي سطح الخلايا العصبيه توجد مجموعه من المستقبلات تدعي (autoreceptors) هي التي تقوم بتحديد كميه الدوبامين التي تفرزها الخلايا العصبيه وكيفيه استخدامها بمقدار معين يختلف من انسان لاخر، في دراسه علميه اجريت في جامعه فاندربيلت في مدينه ناشفيل بولايه تينيسي خضع المشاركون لمسح دقيق ومراقبه لمستقبلات الدوبامين، تبين فيها ان الذين لديهم عدد اقل من المستقبلات هم الاكثر عرضه وقابليه للاستكشاف والمغامره، وكما يقول ديفيد زالد اخصائي السلوكيات العصبيه النفسيه فان الدوبامين هو بمثابه البنزين للانسان، تخيل اي انسان كسياره بها وقود كثير (دوبامين) ومستقبلات قليله (مكابح ضعيفه او لا تعمل) ستجد لديك الصوره المثلي لما عليه المستكشف او المغامر او الرياضي المجازف، والثلاثه وغيرهم يقامرون باعمارهم لا اقل!

ما يريد فيليكس فعله خارج نطاق العقل، وما امامه من اهداف لا يوضع حتي في خانه الصعب، وانما يقترب من حد الاستحاله. الهدف الاول هو كسر الرقم القياسي في القفز من اقصي ارتفاع ممكن والمسجل باسم كولونيل القوات الجويه المتقاعد الشهير جوزيف ويليام كيتينجر، والذي قفز من ارتفاع هائل بلغ 31,300 كيلومتر، والهدف الثاني ان يصبح اول انسان يسقط بسرعه تتجاوز سرعه الصوت بلا اي اجهزه طيران او دفع من اي نوع، والثالث ان يكسر الرقم القياسي للتحليق الحر والسقوط بدون مظله والمسجل باسم جوزيف ايضًا، والرابع بالتاكيد ان يصل للارض بعد كل ذلك قطعه واحده سليمه!

في الرابع والعشرين من اكتوبر للعام الماضي وبعد خمس سنوات تقريبًا من الاعداد مع فريق من العلماء (من يناير 2010 وعام من التوقف بعد حدوث نزاع قضائي حول ملكيه الفكره) نجح المغامر الشهير نمساوي الجنسيه (فيليكس باومجارتنر) في تنفيذ جنونه، حلق بدايه في بالون لارتفاع تعدي الـ39 كيلو مترًا ثم قفز في زي معد لتحمل الضغط مع هذا الارتفاع اشتركت في صناعته وكاله الفضاء الامريكيه (ناسا) ويعتبر الجيل الجديد من ازياء الفضاء التي تنوي ناسا استخدامها، استمر سقوطه عشر دقائق كامله وفيه اصبح اول انسان يخرق حاجز الصوت بدون اي مساعده تقنيه، وسقوطه وصل في لحظه ما لسرعه 1357 كيلو مترًا في الساعه اي انه هبط للارض بسرعه تقترب من سرعه طائره نفاثه F16 عند سطح البحر، القفزه التي حازت علي شهره عالميه وحمل بها فيليكس الرقم القياسي في القفز الحر.

المغامرات لا تقتصر علي القفز من ارتفاعات مدهشه فقط، بل تمتد لقصص موغله في الجنون وقسمٌ لا باس به منها ترويه اقدام اناس قرروا السير علي حبال معلقه علي ارتفاعات تعجز امامها جراه اغلب الناس، من هؤلاء مثلًا نيك واليندا احد مجانين المغامره والذي قرر في عام 2012 السير علي حبل معلق فوق شلالات نياجرا؛ احدي اعلي شلالات العالم ارتفاعًا والفاصله بين كندا والولايات المتحده (56 مترًا ارتفاع من الجانب الامريكي و 54 مترًا من الجانب الكندي)، ونجح بالفعل ليصبح الانسان الاول الذي يعبر شلالات نياجرا علي حبل، بعدها عاد واليندا نفسه في يونيو 2013 ليسير علي حبل – بلا اي حمايه او شبكه امان اسفله – بين جبلين فوق الاخدود العظيم في الولايات المتحده علي ارتفاع 1500 قدم (457 مترًا) وهو ارتفاع اعلي من ناطحه سحاب Empire state احدي اطول مباني العالم؛ اي انه حرفيًا وضع حياته علي المحك وسط تيارات هوائيه شديده علي ارتفاع كهذا تصعِّب اكثر واكثر من حفظ التوازن.

الخبر بالكامل
رأيك يهمنا