برعاية

من الجزائر إلى كولومبيا والبرازيل..كرة القدم بين الشمس والظل

من الجزائر إلى كولومبيا والبرازيل..كرة القدم بين الشمس والظل

في كتابه "كرة القدم بين الشمس والظل"، تحدّث الأديب الأوروجوياني الشهير إدواردو جاليانو عن رحلته مع عشق الساحرة المستديرة، وطريقة فهمه لها، ومدى تعلقه وتأثره بكل تفاصيلها، وحبه غير العادي لنجومها الكبار، رغم أنه لم يكن لاعباً أو مدرباً في يوم ما، لكن لهذه اللعبة وسرها الخفي أحكام خاصة ومغايرة.

"لقد رغبت مثل كل الأوروجويانيين في أن أصبح لاعب كرة قدم، وقد كنت ألعب جيداً، كنتُ رائعاً، ولكن في فترة المساء فقط، وبالتحديد أثناء نومي، أما في النھار فأنا أسوأ قدم شھدتھا ملاعب الأحياء في بلادي". لذلك اختار إدواردو أن يكون شغوفاً باللعبة من بعيد، كعاشق متيم ومشجع متعصب لكل ما هو جميل وممتع.

مثله مثل معظم اللاتينيين، إدواردو رجل يساري متعصب للقيم القديمة، وينظر إلى كرة القدم باعتبارها أكبر من مجرد لعبة، لذلك اختار قصصاً رياضية وأحداثاً كروية من منظور مختلف، وركّز على مجموعة رائعة من اللاعبين الذين تحدوا السلطة، وانحازوا للجماهير ليصبحوا فاكهة اللعبة الشعبية الأولى في العالم.

وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر، فاشهدوا. هذا كان الشعار الرئيسي لكل العرب خلال المونديال العالمي الأخير، في لحظة صوفية لا تتكرر كثيراً، تناسى خلالها الجميع كل الاختلافات والأيديولوجيات، واتحدوا على تشجيع محاربي الصحراء في البرازيل، ليكون الجزاء من جنس العمل، ويتفوق الخضر بامتياز في بطولة رفعنا الرأس عالياً من خلالها.

وبالعودة للتاريخ القديم، فإن كرة القدم العربية بوجه خاص تدين بالكثير لأحد النجوم الجزائريين القدامى، الرجل الذي رفض فرنسا من أجل أهله وناسه، وكأنه يعطي دروساً مستقبلية للنجوم الذين يختارون منتخبات أخرى هذه الأيام من أجل تمثيلها، إنه رشيد مخلوفي، اللاعب الذي قاد مسيرة الاستقلال الجزائرية من قلب المستطيل الأخضر.

يقول جاليانو عن مخلوفي، في عام 1958، في أوج حرب الاستقلال، شكلت الجزائر منتخب كرة قدم ارتدى لأول مرة قميصاً بألوان العلم الوطني. وقد تألف الفريق من اللاعب مخلوفي، وبن طيفور وجزائريين آخرين كانوا محترفين في كرة القدم الفرنسية. ولكن الحصار الذي فرضته القوة الاستعمارية حال دون تمكن الجزائر من اللعب إلا مع المغرب الذي تعرض بسبب ھذه الخطيئة إلى الإبعاد من الفيفا لبضع سنوات، كما لعب الفريق الجزائري عدداً آخر من المباريات غير المھمة، وعاقبت كرة القدم الفرنسية أولئك اللاعبين بإعلان موتھم مدنياً، ولأنھم كانوا مقيدين بالعقود، لم يعد بإمكانھم العودة إلى اللعب كمحترفين.

أما عن الجزء الفني الذي لم يتحدث عنه الكاتب اللاتيني، فإن رشيد كان يشبه زيدان في عصرنا الحالي، اللاعب صاحب اللمسة الفنية المميزة، والرقم 10 كما يقول الكتاب، ينظم اللعب ويقود الفريق على طريقة المايسترو، ليصنع تاريخ سانت اتيان بالدوري الفرنسي، بعد أن حقق لقب الدوري المحلي معهم أربع مرات، وامتاز الجزائري بالقدرة على صناعة الأهداف من كل أماكن الملعب، ليقود جبهة التحرير إلى المجد، ويترك إرثاً عظيماً بعد تركه اللعبة.

ومن فخر العرب إلى الجوهرة البرازيلية، هل المقصود بيليه؟ للأسف الإجابة ستكون لا، لأن هناك برازيلياً آخر حصل على هذا اللقب قبل الأسطورة الأشهر في بلاد السامبا، ليونيداس دا سيلفا، أول نجم برازيلي في تاريخ اللعبة. امتاز الأسمر بمهارة غير طبيعية، مع قدراته الغريبة في التحكم بالكرة، والمرور من أي لاعب، وسجل الأهداف بكل تفاصيل الجسم.

كان يُعرف بالرجل المطاط نظراً لمرونته وقدرته على تغيير اتجاهاته في أجزاء من الثانية، هو النجم الأول لكرة القدم في أميركا اللاتينية. في مونديال 1938، فاجأ الجميع باللعبة المزدوجة المعروفة باسم bicycle kick، حركة جعلت الجمهور الفرنسي والأوروبي يفتح فمه غير مصدق لهذا السحر الغريب.

يقول عنه كاتبنا اللاتيني " تسلم البرازيلي مركز الوسط الذي كان يحتله المعلمون القدامى وبعد وقت قصير، تحول اسمه إلى ماركة لصنف من السجائر ولنوع من الشيكولاتة، وكان يتلقى رسائل أكثر من ممثلي السينما. وقد كانت أهدافه مميزة وجميلة لدرجة أن الحارس المهزوم ينهض من مكانه من أجل تحيته والتعبير عن إعجابه بقدراته"، ورغم أن بيليه حصل على كل الشهرة فيما بعد، إلا أن ليونيداس نال جانباً من حب البسطاء الذين تابعوا الكرة في أيامها الأولى، ليزيد هوس البرازيليين باللعبة، ويستمر تعاملهم معها على أساس كونها امرأة فائقة الجمال، وليست جلداً منفوخاً فقط.

في أواخر شتاء عام 1993 والعهدة على "كرة القدم بين الشمس والظل"، لعب المنتخب الكولومبي في بوينس آيرس إحدى مباريات التأھل للمونديال، وعندما دخل اللاعبون إلى الملعب، جرى استقبالهم بالصفير والاستنكار والسباب، وعندما خرجوا ودعھم الجمھور واقفاً، وبتصفيق حار ما زال دويّه مسموعاً إلى الآن.

الخبر بالكامل
رأيك يهمنا