برعاية

البرازيل تبني سمعتها على كرة القدم

البرازيل تبني سمعتها على كرة القدم

في اواخر خمسينات وبواكير ستينات القرن الماضي سجلت كره القدم البرازيليه تقدماً ملحوظاً علي الساحه الدوليه عندما فازت البلاد مرتين متتاليتين بكاس العالم، وجاء ذلك النصر علي يد اثنين من اكثر لاعبي القرن موهبه وهما بيليه وغارينشا. وبما ان اللعب الجاد يتطلب تنظيماً حاذقاً وجاداً، فقد عينت البرازيل عام 1958 رجلاً طويل القامه، صارم القسمات، هو الاداري الحاذق، جواو هافيلانج، ليكون رئيسا لاتحاد كره القدم البرازيلي (اصبح فيما بعد رئيسا للاتحاد الدولي لكره القدم - فيفا) ومسؤولاً عن حمله البرازيل لكأس العالم عام 1958. واستطاع هافيلانج ان يحقق مستوي جديد من الاحتراف في كره القدم البرازيليه، اذ اخضع الفريق لفحوص طبيه في مستشفيات ريو دي جانيرو الرائده، واثبتت الفحوصات اصابه اللاعبين بمجموعه من الامراض فضلاً عن سوء تغذيه مزمن، كما كشفت الفحوصات عن اصابه الفريق باكمله تقريباً بالطفيليات المعويه، واصابه البعض الاخر بالزهري، واخرون بفقر الدم، وتم استخراج اكثر من 300 سن من الاسنان التالفه للاعبين، وباختصار شديد فان فريق عام 58 كان فريق الشعب البرازيلي.

استطاع فريق البرازيل ان يوظف في نهائيات كاس العالم في تشيلي 1962 جل خبرته التي اكتسبها، واستطاع غارينشا ان يستقطب الاضواء بعد اصابه بيليه في وقت مبكر، وفي المباراه النهائيه سجل الفريق التشيكي هدفا في مرمي البرازيل في وقت مبكر من المباراه الا ان فريق البرازيل لم يشعر ابدا بالقلق، واستطاع في وقت لاحق ان يسجل ثلاثه اهداف في مرمي التشيك ليكسب البطوله مره اخري، وشاهد عشاق كره القدم غارينشا يضع قدمه علي كره القدم مراراً اثناء المباراه متحديا اللاعبين التشيك من اخذها منه.

كان التخطيط لاختيار دوله لاستضافه كاس العالم عام 1958 عملاً دقيقاً حيث تم ترشيح 25 دوله ليستقر الخيار علي السويد، وذهب الفريق البرازيلي الي هناك بقدر كبير من الاصرار، وطلب الفريق من اداره الفندق الذي نزل فيه اللاعبون استبدال طاقم الاناث باخر من الذكور. وفي المباراه النهائيه، واجه الفريق البرازيلي اصحاب الارض، وعلي الرغم من تسجيل هدف في مرمي البرازيل في وقت مبكر من المباراه، الا ان الاداء المبتكر والحنكه التي تميز بها قائد الفريق مكنت البرازيل من الفوز 5-2. وتحدثت صحيفه «نيويورك تايمز» في ذلك الوقت بان فريق البرازيل «استطاع ان يلعب كره القدم بمفهوم جديد مختلف، وان يتداول الكره البيضاء وكانها قطعه من القطن او الصوف».

بيليه، والذي سجل افضل - واخر - هدف في الدقائق الاخيره من المباراه، وقع علي الارض واجهش بالبكاء. ونزل ملك السويد الي الملعب للانضمام الي للاجواء الاحتفاليه. اما السويديين، والذين هللوا لاداء البرازيل الرائع صاروا يشاركون الان البرازيليين فرحتهم. وفي لفته تفاعليه مع الشعب السويدي حمل السيليساو- وهو المنتخب البرازيلي لكره القدم – علماً سويدياً عملاقاً.

من الصعب ان نقلل من اهميه الانتصارين الكرويين الذين حققها الفريق البرازيلي، فقد انطلقت احتفالات هائله في الشوارع البرازيليه، وتجمعت حشود ضخمه في المدن لمشاهده الفريق حاملاً الكاس في مواكب مهيبه، واعقب هذه الانتصارات استقبالات رئاسيه للفريق وخطب رنانه تشيد به، وسيل من التذكارات والهدايا والاحتفاليات.

وترك الفوز اثراً عميقاً في نفوس العشب البرازيلي، ويتذكر عالم الانثروبولوجيا البرازيلي، خوسيه ليتي لوبيز، تلك اللحظات من نهائيات كاس العالم 1958 قائلاً «لقد كانت لحظات تبعث علي التوتر والقلق في ان واحد، لا اعتقد انني كنت في اي وقت مضي اعشق كره القدم او حتي اركلها برجلي ولو لبضع دقائق، الا ان كاس العالم 58 كان نقطه تحول في عشقي لكره القدم».

ولم يعتقد كاتب عمود كره القدم نيلسون رودريغيز ان البرازيل يمكنها الفوز ابدا في كاس العالم، لكنها فازت ليس مره واحده بل مرتين، وانها لم تفز فقط، وانما فازت باسلوبها وطريقتها الخاصه، فقد اصبحت البرازيل امه «كرويه» .

تصاعد نجاح السيليساو وتالق لاعبيه امثال بيليه وغارينشا الذين شبا علي ثقافه كره القدم المحليه الثريه النابعه من انديه مزدهره، ومشجعين مذهلين، وموسيقي شعبيه تاخذ بالالباب، فضلاً عن شعر ونثر.

وازدهرت الانديه لان احتراف كره القدم لم يكن سوي عنصر واحد فقط من انشطه النادي في خمسينات وستينات القرن الماضي، وكانت الانشطه الاجتماعيه والترفيهيه التي ترعاها الانديه اقوي من العصر الراهن، اذ كانت الانديه انديه بمعني الكلمه، توافر المرافق وتنظم الاحتفالات، وتضفي احساساً ملموساً بالانتماء للمجتمع وتعكس هويته، وكانت الرسوم في متناول الطبقات الدنيا والمتوسطه.

وفي الوقت نفسه خلق المشجعون نهجاً جديداً في التشجيع لا مثيل له في عالم كره القدم. ويروي الصحافي الفرنسي جاك دي ريزنويك، خلال مشاهدته لمباراه تاهل الفريق البرازيلي الاخيره لكاس العالم في سويسرا عام 1954 انه وبمجرد ان بدات المباراه انطلقت صرخه هائله من المشجعين الذين مزقوا قمصانهم واضرموا فيها النار ولوحوا بها كمشاعل النصر. ويعرف المشجعون البرازيليون بالراقصين الذين يلوحون بالمناديل، ويزيلون التوتر عن لاعبيهم، ويملؤون المدرجات بالاعلام محليه الصنع واللافتات. وصاحب وصول اللاعبين الي ارض الملعب وابل من المشاعل، والمفرقعات والالعاب الناريه وقنابل الدخان، حيث يستطيع المشجعون طي صحيفه علي شكل مخروطي ضيق واشعالها، كاشاره نصر او تعبير عن الهزيمه.

التدخل السياسي انهي العصر الذهبي للكره البرازيليه

الخبر بالكامل
رأيك يهمنا