من زعل الحلو؟

من زعل الحلو؟

منذ 10 سنوات

من زعل الحلو؟

.. "إذا تحول من يحاورك إلى نبزك، فاعلم أنه أجوف"، تنسب بعض الكتب التاريخية القول المأثور السابق إلى الخليفة الراشد علي بن أبي طالب، وتذكره كتب أخرى على سبيل الاستشهاد في سياق آداب الحوار والنقاش، دون أن توقعه باسم أبو الحسن أو غيره. وإن صحت نسبة القول إلى علي وهو الراجح، فإن رابع خلفاء الدولة الإسلامية قد أسس بمقولته قبل 1400 عام لما عرف بـ"الموضوعية"، على الأقل في الثقافة العربية، إذ سبقه الفلاسفة اليونانيون بالحديث عنها في موروثاتهم الثقافية القديمة.

.. والموضوعية نقيض الذاتية، وهي: تخلي الباحث أو الإنسان عامة عن رغباته وأهوائه وعواطفه غير المدعومة بدليل عقلي أو نقلي تجاه مسألة ما.

أما النبز الوارد في الحكمة أعلاه، فهو النعت والوصف بسوء، ويقال نبزه أي عابه، ونسب إليه لقبا قبيحا، والنبز يستخدم في الوصف القبيح عادة، ولا يلحق به ضده، والفاعل نابز والمفعول به منبوز والفعل نبز، ومنه الآية الكريمة: "ولا تنابزوا بالألقاب..".

.. وأما الأجوف فهو وصف يطلقه العرب على الرجل الجبان الرعديد الذي يفتقد الشجاعة والحكمة والسؤدد، فلا يذود عن نفسه بالشجاعة والإقدام ولا يمتنع عنه الآخرون لحكمته وسدته. وفي اللغة تعرف المفردة "الأجوف" بأنه ذو البطن الفارغ، الذي لا محتوى فيه أيا كان، ومنه جاءت العبارة: "جملة جوفاء"، أي لا معنى فيها ولا بلاغة ولا غاية، وشبيه بها أيضا الوصف: طبل أجوف أي تتردد دوي ضربات العصي في بطنه الفارغ فتحدث صدى عاليا بسبب فراغه في الأصل.

.. وقريب من الرجل الأجوف، وصف بادية أهل نجد، في قولهم: "رجل بوّ"، أي فارغ أيضا، و"البو" دمية يصنعها البدو من جلد صغير الناقة النافق لأي سبب، يتم فيها حشو جلده المسلوخ وقوائمه بالتبن والحشائش وينصب في مكان تراه أمه المنفطر قلبها عليها حرقة، فتهدأ ظنا منها أنه ما زال حيا. ومنه أخذ أهل نجد التسمية وخلعوها على من يشابه تلك الدمية التي لا محتوى فيها ولا دم ولا أي شيء آخر غير الهيكل الخارجي.

.. كل ما سبق، يمكن استخلاصه من مقولة أبي تراب - إحدى كُنى علي بن أبي طالب، ولذلك قلت إنه سبق الأولين والآخرين في وصفه، فلم يظلم ولم يتعدَ، بل وصفهم تمام الوصف بلا زيادة أو نقصان.

الخبر من المصدر